العدسة – باسم الشجاعي

كشفت تحقيقات المحقق الخاص بقضية التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية “روبرت مولر” عن فصل جديد في حصار دولة قطر من قبل دول الخليج “الإمارات والسعودية والبحرين”، بالإضافة لمصر، وعن دور صهر”دونالد ترمب”؛ “جاريد كوشنر”.

موقع “إنترسبت” الأمريكي، بحسب ما أورد في مقال مشترك الكاتبين “ريان غريم وكلايتون سويتشر”، أوضح أن “مولر” سيتناول في تحقيقاته محاولات “كوشنر” الحصول على تمويل لبناية تعاني من مشكلات مالية في مانهاتن، بعد انتخابات عام 2016؛ والتي يعتقد أنها أحد الأسباب الرئيسية في حصار دولة قطر.

الكاتبان قالا في المقال الذي نشر منذ أيام: إن “جارد كوشنر” قام بعد أسابيع قليلة من عدم حصوله على دعم مالي إضافي له، بتصميم خطة مع حليفه الإقليمي السفير الإماراتي في واشنطن “يوسف العتيبة”، ومصر والسعودية والبحرين ضد قطر.

ما القصة؟

دوافع حصار “الإمارات والسعودية”، كثيرة ومتاشبكة لدرجة كبيرة، ولكن بناية “مانهاتن” كانت أحد خيوطها؛ حيث لم تفلح شركة “جاريد كوشنر”– صهر “ترامب- العقارية في الحصول على استثمارات نقدية قيمتها نصف مليار دولار من أحد أغنى الرجال وأكثرهم تأثيرًا في قطر، وذلك قبل الأزمة الكبرى التي مزقت منطقة الشرق الأوسط؛ حيث وقفت الولايات المتحدة إلى جانب كتلة من دول الخليج ضد الدوحة.

فشركة “كوشنر” كانت تواجه أزمة مالية شديدة، بسبب تعثر استثماراتها في العقار 666 الجادة الخامسة في نيويورك، وحاول “صهر ترامب”، خلال عامي 2015 و2016، للتفاوض مباشرةً مع مستثمرٍ رئيسيٍ في قطر، وهو الشيخ “حمد بن جاسم آل ثاني”، لإتمام الصفقة.

والشيخ “حمد بن جاسم”، رئيس الوزراء السابق لقطر الذي يدير صندوق الثروة السيادية الذي تبلغ قيمته 250 مليار دولار، واحدًا من أغنى الرجال في العالم.

ووافق “حمد” في نهاية المطاف على استثمار ما لا يقل عن 500 مليون دولار، بشرط أن تتمكن شركات “كوشنر” من جمع ما تبقى من إعادة تمويل بمليارات الدولارات من أماكن أخرى. واستمرت المفاوضات لفترة طويلة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقام بها “كوشنر”.

وبعد الانتخابات، عثرت شركات “كوشنر” على العديد من المهتمين بالدخول في الاستثمار، وفقًا لما ذكره مصدرٌ في الولايات المتحدة، إلا أن محاولة “جاريد كوشنر”، في استخدام قوة الدبلوماسية الأمريكية لابتزاز الدولة الصغيرة، بعد فوز “ترامب” في الانتخابات الرئاسية، للحصول على مزيد من المال، أغلقت الصفقة تمامًا.

ولعل ما سبق كان دافعا أساسيا لـ”جارد كوشنر” لتصميم خطة مع حليفه الإقليمي السفير الإماراتي في واشنطن “يوسف العتيبة” ضد قطر.

هل تراجع “ترامب”؟

ويبدو أن الولايات المتحدة متمثلة في “ترامب”، قد أعادت التفكير في موقفها من الأزمة الخليجية، وحصار دولة قطر، خاصة بعد ما كشفته التحقيقات، ولعل ذلك كان سببا رئيسيا لدعوة الرئيس الأمريكي للقاء خلال الفترة المقبلة لزعماء دول الخليج، وفقا لما أعلنته وكالة “رويترز”، “السبت” 24 فبراير.

ونقلت الوكالة عن مسؤول أمريكي كبير (لم تسمه) قوله إن ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، وولي عهد أبوظبي، الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”، وأمير قطر، الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، يعتزمون جميعا القيام بزيارة ترامب في مارس وأبريل المقبلين.

ويشمل جدول الأعمال بحسب المسؤول الأمريكي، عقد قمة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، تأمل واشنطن أن تعقد في وقت لاحق هذا العام، فضلا عن مناقشة جهود السلام في الشرق الأوسط وإيران.

الأمر لم يقف عند هذا الحد وحسب، بل سبق وأن أعلن الرئيس الأمريكي بدور الدوحة في مكافحة الإرهاب، في اتصال هاتفي مع أمير دولة قطر، الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، وفقا ما أوردته وكالة الأنباء القطرية الرسمية، يناير الماضي.

ويأتي هذا التغيير بعد أن أعطى “ترمب”، الضوء الأخضر لولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، لحصار قطر متجاهلا نصيحة فريقه للسياسة الخارجية.

فقد أبلغ “ترمب” المحيطين به بأن الرياض ستمول وجودا عسكريا أمريكيا جديدا في السعودية، ليحل محل القيادة الأمريكية الموجودة في قطر، وفق ما ذكره الكاتب “مايكل وولف”، في كتابه “نار وغضب”.

المقصلة فوق رأس “كوشنر”

يبدو أن “صهر ترامب”، أصبح عبئا على الإدارة الأمريكية، وخاصة مع تورطه في العديد من القضايا الشائكة، فقبل الكشف عن علاقته بأزمة حصار قطر، سبق وأن تورط مع الروس في أزمة الانتخابات الرئاسية، وباتت الإطاحة به أمرا ورادا.

ففي ديسمبر الماضي، قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن الاستخبارات الأمريكية علمت من خلال تنصّتها على محادثات هاتفية للسفير الروسي سيرغي كيسلياك، أن كوشنر، الذي أصبح آنذاك كبير مستشاري ترامب للشؤون الخارجية، اقترح على السفير الروسي استخدام القنوات الدبلوماسية المحميّة المتوفّرة في مباني السفارة أو القنصلية الروسيتين لهذه الغاية”.

وكانت هذه الواقعة التي تسببت في تعيين وزارة العدل الأمريكية، بدعم من الكونجرس، في مايو الماضي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، “روبرت مولر”، محقّقًا خاصًا لإجراء تحقيق مستقل حول التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، وهو أيضا ما كشف علاقة “كونشر” بالأزمة الخليجية.

كما تورط “صهر ترامب”، في دعم ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، في توقيف عدد من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين بهدف مكافحة الفساد، وكذلك أيضا بما حصل مع رئيس حكومة لبنان “سعد الحريري”، الذي أُبقي في السعودية على مدى أسبوعين في ظروف أقل ما يقال فيها أنها غامضة، وهو ما أغضب كبار موظفي البيت الأبيض، وخاصة وزير الخارجية “ريكس تيلرسون”.

من هو “كوشنر”؟

يعتبر “جاريد كوشنر”، زوج ابنة “دونالد ترمب” الكبرى المثيرة للجدل إيفانكا ترمب، شخصية شبه غامضة، يبدو ذكيًا وناضجًا في بعض المرات، وأحياناً يتهم بأنه دخل جامعة عريقة، مثل “هارفارد” من دون مؤهلات سوى وساطة والده عبر إغراء الجامعة بالمال، وثمة من يراه رجلاً ذكياً يعمل بصمت ليمرر أهدافه، لاسيما زواجه من ابنة الرئيس الأمريكي ليعزز شراكة بين عائلتين تعملان في مجال واحد هو العقارات.

وينتمي كوشنر لعائلة ثرية فهو الابن البكر لـ “تشارلز كوشنر” واحد من أشهر مطوري العقارات في ولاية نيوجيرسي الأمريكية؛ حيث ولد جاريد في يناير 1981 وتلقى تعليمه الأساسي في مدرسة فريش ونشأ كيهودي ملتزم، ثم دخل جامعة هارفارد في عام 2003 ليتخرج في مجال علم الاجتماع، وكان والده من مساندي وداعمي الجامعة نفسها، حيث قدم لها منحة بمبلغ 2.5 مليون دولار.

ورغم أن “كوشنر” ينتمي لعائلة عرفت بتأييد الحزب الديمقراطي، إلا أنه وقف بجوار صهره “ترمب”، وأنفق من ماله ما لا يقل عن 100 ألف دولار في الحملات الانتخابية للمرشح الجمهوري.

كما أن “كوشنر” وطوال الحملة كان مشرفاً على النواحي التقنية، حيث تولى مسؤولية مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في الترويج لوالد زوجته.

كذلك قام بتدبيج وكتابة عدد من خطابات “ترمب”، وتنظيم زيارات منسقة، كما تولى تصميم خطة انتقال الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض.

ويعود “جاريد” إلى عائلة نجت من المحرقة وبالتحديد جده الأكبر “كوشنر”، وقد نشأ في بيت يهودي ملتزم، في نيوجيرسي، كما درس في مدرسة يهودية في الصغر، بل كان سببًا في تحوّل إيفانكا للديانة اليهودية بعد زواجهما، وهذا يدلل على ارتباطه القوي بالدين اليهودي.