العدسة _ إبراهيم سمعان
سلَّطت الدكتورة مضاوي الرشيد، الأستاذة الجامعية السعودية بمركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد، الضوء على الدور الذي يلعبه حساب “مجتهد” على مواقع التواصل الاجتماعي في كشف مكائد القصر السعودي.
وأوضحت في مقال لها منشور على موقع “ميدل إيست آي” أنه برغم أنّ شخصية “مجتهد” مجهولة حتى الآن، إلا أنّ تغريداته تفضح مؤامرات القصر في النظام الملكي السعودي، خاصة مع عرض الرجل الواحد لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأشارت الكاتبة إلى أنّ ما ينشره “مجتهد” يساعد شخصيات معارضة أخرى أكثر صراحة على استخدام المعلومات التي يقدِّمها بهدف تقويض شرعية النظام.
ومضت تقول “عاد “مجتهد”، وهو مصدر معلومات حول مكائد القصر السعودي، متواجد على الإنترنت لكنه مجهول الهوية، إلى إثارة الإعلام الاجتماعي باكتشافات جديدة. مستخدمًا حسابه على “تويتر”، ناقش التدابير الأمنية الجديدة التي اتخذها محمد بن سلمان، ولي العهد ومساعدوه، وبعضهم مستشارون مصريون”.
وأضافت الرشيد “على الرغم من عدم وجود طريقة لفصل الحقيقة عن الخيال في ادعاءاته، إلا أنّ العديد من المراقبين مقتنعون بأنه عضو مُبْعَد من العائلة المالكة، ويخوضون لعبة التخمين حول هويته المحتملة. بينما يعتقد آخرون أن المنشق السعودي المقيم في لندن سعد الفقيه هو “المجتهد” الحقيقي. ونوَّهت بأنها أجرت معه مقابلة في 2015عندما بدأ الملك سلمان في تهيئة ابنه لخلافته.
وتابعت “من المهم الابتعاد عن البحث عن الهوية الحقيقية للمجتهد لأنّ هذا قد يكون عملية غير مُجْدية. بدلًا من ذلك، فإنّ فهم ظاهرة ومحتوى بياناته أكثر إثارة للاهتمام”.
وأردفت “مجتهد هو انعكاس للظاهرة العالمية التي أصبحت تطارد الديمقراطيات الراسخة في العقد الماضي عندما تحول إدوارد سنودن، جوليان أسانج، وغيرهم من العاملين في مجال الأمن القومي والأعمال الخاصة إلى الإبلاغ عن المخالفات”.
ومضت قائلة “هذه الظاهرة ليست انعكاسًا للحكم السلطوي بحد ذاته، بل هي سائدة نتيجة مطالبة المواطنين بشفافية أكبر في عصر كانت فيه الديمقراطيات الراسخة قد أثبتت أنها عرضة للمؤامرات السرية”.
وأضافت “مع ذلك، لا يقدم مجتهد في كثير من الأحيان وثائق لدعم ما يقوم بالإبلاغ عنه، بدلًا من ذلك، يزعم أنه يتم إبلاغه من قبل مصادر مجهولة قريبة من الملك وكبار الأمراء”.
وتابعت الرشيد قائلة “من المثير للدهشة أنه فجأة أصبح مهمًا جدًا، وتبعه على تويتر الكثير من الناس، ليس فقط في السعودية ولكن خارجها، حتى بدون تقديم أدلة دامغة لدعم تعليقاته وشائعاته”.
ومضت تقول “بينما دخلت السعودية مرحلة الحكومة الغامضة المركزية والقمعية بشكل متزايد، كان لابدَّ لعرض الرجل الواحد لولي العهد أن ينتج المزيد من الشائعات ونظريات المؤامرة”.
وأضافت “في نظام ملكي سِرّي تتركز فيه كل القوى في يد شخص واحد دون اللجوء إلى الانفتاح والشفافية وسيادة القانون، ليس من المستغرب أن تستمر ظاهرة المجتهد في جذب الاهتمام وإلهام خيال المراقبين”.
وتابعت الرشيد “بحلول أبريل 2015، وضع الملك ابنه في مناصب رئيسية مثل وزارة الدفاع والمجلس الاقتصادي، بالإضافة إلى تعيينه نائبًا لرئيس الوزراء. وكان مجتهد أول من أعلن عن الإقالة الوشيكة لمحمد بن نايف من منصبه وليًّا للعهد وترقية محمد بن سلمان إلى منصبه في يونيو 2016. كما ظلّ يغرّد بأن قائد الحرس الوطني السعودي، متعب بن عبد الله، سيكون المستبعد التالي من منصبه”.
وأشارت إلى أن “مجتهد” كان على حق، مضيفة “بحلول نوفمبر 2017، لم تتم إطاحة متعب من منصبه فحسب، بل تَمّ احتجازه أيضًا مع أمراء آخرين لعدة أسابيع في فندق ريتز كارلتون في الرياض، وجاء هذا في الوقت الذي رفضت فيه وسائل إعلام سعودية توقعات “مجتهد” ونسبتها إلى أوهامه والتفكير بالتمني.
ومضت تقول “خلق مجتهد عاصفة حديثة عندما نظّم أفكاره في سلسلة من التغريدات تشرح السياسات الداخلية غير المسبوقة لمحمد بن سلمان. وحسب مجتهده، فإنّ جميع الملفات الأمنية هي الآن في يد الأمير، الذي يتم تقديم المشورة له في الوقت الحالي من قبل مجموعة من خبراء الأمن المصريين، خاصة فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بالاعتقالات والشخصيات التي يجب استهدافها”.
وأردفت مضاوي الرشيد “حتى عبد العزيز الهويريني، وهو مستشار سعودي واحد في السعودية، أصبح مستشارًا أمنيًا ليس لديه أي مبادرات خاصة به، بصرف النظر عن تلك التي تأتي من الأمير ومستشاريه المصريين والأجانب”.
وواصلت “يشير “مجتهد” إلى ممارسة جديدة في عهد ولي العهد، في الماضي، كانت وزارة الداخلية تنغمس بأقارب المنشقين في المنفى، وتعاملهم بسخاء وتعجّل بحدوث شقاق داخل أفراد عائلة واحدة. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تقسيم مجموعات الأقارب وتحويل أعضائها ضد بعضهم البعض، وهي ممارسة يتم تدرّب عليها جيدًا في أنظمة قمعية مثل النظام السعودي”.
وتابعت “في الماضي، حصل المنشقون والناشطون في المنفى على العصي، لكن أفراد عائلاتهم حصلوا على الجزر. يُطلب من رؤساء الأسر أن يتبرأوا من أبنائهم المعارضين. وفي المقابل، يكافئهم كبار الأمراء، وخاصة أولئك المسؤولين عن الأمن في وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات”.
ومضت تقول “في بعض الأحيان، يستخدم هؤلاء الأقارب كوسيط، مبعوثون يتواصلون مع النشطاء في الخارج بهدف إعادتهم إلى السعودية، أو مجرد إبلاغ السلطات عنهم خلال زياراتهم”.
وأضافت “مع ذلك، ووفقًا لـ “مجتهد”، فقد تخلّى محمد بن سلمان عن استراتيجية الخيار المشترك لصالح العقوبة من أعلى إلى أسفل لأقارب المنشقين الذين ما زالوا في البلاد”.
ولفتت إلى أن عبد الله الغامدي، وهو ناشط ومنشق، أبلغ أتباعه على تويتر بأن والدته وأقاربه الآخرين قد اعتُقلوا في محاولة للضغط عليه للعودة إلى السعودية.
وتابعت “يبدو أن “مجتهد” يلمح إلى حقيقة أنّ هذه الممارسات هي الآن الطريقة القياسية للتعامل مع الأصوات الناقدة التي هربت إلى الخارج”.
وأردفت “تخلى ولي العهد عن مظهر من أشكال الأبوة والطيبة تجاه تلك الأسر التي يُنظر إلى أبنائها المعارضين على أنهم ضالون. إن احتجاز دائرة واسعة من الأقارب هو الآن عقاب معياري، إن أمن النظام وخصوصًا أمن ولي العهد يستهلك قدرًا هائلًا من المال، مما يعكس الإحساس بانعدام الأمن في القصر والخوف من التمرد الخفي بين الأمراء الساخطين، الذين تعرض بعضهم للإذلال الشديد”.
ومضت الكاتبة تقول “وفقا لمجتهد، فإنّ مهمة حماية النظام تقع الآن على عاتق مجموعة من القوات الأجنبية، والمرتزقة المجندين، وغيرهم. ويبدو أنّ الأمير لا يثق بالعرب، في الماضي كان المغاربة والأردنيين كانوا موجودين في المقام الأول، أو الباكستانيين في هذا العمل المهم. وبدلًا من ذلك، اختار أن يصبح عالميًا وأن يتم توظيفه بين شركات الأمن الخاصة التي ليس لها ولاء لأي شخص بغضّ النظر عن الشخص الذي يدفع الفواتير”.
وتابعت “يشرح “مجتهد” أن شعبيته تعزى، أولًا، إلى هاجس المجتمع السعودي بأسرار ملكية كشفها بالكامل، وثانيًا عن دقة شائعاته التي أكدتها الأحداث اللاحقة. وترتكز مصداقيته، في رأيه، على نشر المعلومات بلغة محترمة، وتسترشد بقواعد أخلاقية ودينية صارمة.
وأردفت “بالإضافة إلى مهاراته اللغوية، يتجنب القصص المثيرة وغير المبررة التي تتعمق في الحياة الخاصة للأمراء. في هذا الصدد، يميز “مجتهد” نفسه عن شخصيات المعارضة السابقة التي غالبًا ما يتحول خطابها إلى هجمات شخصية على الملوك”.
وأضافت “يقول “مجتهد” إنّ هدفه الرئيسي هو مساعدة شخصيات معارضة أخرى أكثر صراحة على استخدام المعلومات التي يقدمها بهدف تقويض شرعية النظام. يصرّ على أنه يريد المساهمة في مشروع التغيير السياسي. وتتمثل مساهمته في كشف الأكاذيب والمؤامرات من أجل تقويض غموض الملكية”.
ومضت الكاتبة بقولها “في سياق الإعلام والدعاية المسيطرين، يبدو النظام سليمًا وقويًا ومهيبًا. وبحسب “مجتهد” يساهم الخوض في معلومات وراء الكواليس وفضح الشقوق داخل الأسرة المالكة في هذا المشروع، موضحًا أنه يحاول كشف “الحجة المزيفة والملفقة” لدى النظام”.
ونوهت بأن “مجتهد” يصر على أن العديد من الوحدات العسكرية في المملكة سترفض المشاركة في صراع لدعم أمير ضد آخر إذا أصبح التنافس الكامن بين الأمراء عامًا.
وأشارت إلى أنّ شعبية “مجتهد” تنبع بين الجماهير المحلية والعالمية من قدرته على نشر الشائعات التي تتوقع بعض التعديلات الملكية وفضح الفساد على جميع المستويات الحكومية. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن “مجتهد” لا يدعو علانية إلى تطبيق نظام سياسي معين، إلا أنّه ينتقد الليبراليين السعوديين والإسلاميين، وخاصة أولئك الموالين للحكومة.
وأشارت إلى أنّه ينتقد العلماء الرسميين، على سبيل المثال أولئك الذين يقبلون ويقرون جميع القرارات الحكومية دون أدنى شك، مضيفة “في رأيه، الإسلام الصحيح “يتطلب من المرء أن يرفض الظلم والقمع والفساد”. ويقول مجتهد: “إنني أقوم بنشر المعلومات التي تفضح هؤلاء المنافقين بين مفكري الدولة والعلماء والإسلاميين أيضًا”.
واختتمت بقولها “تتأرجح تصريحات مجتهد على تويتر بين التوقعات والحقائق والشائعات، ما يشير إلى تواصل بين الواقع والخيال في سياق السياسة السعودية. وسوف يستمر في اتباع هذا النهج طالما أن السعودية لا تزال تحكمها القبضة الحديدية لرجل واحد ومستشاريه الأجانب ومرتزقته”.
اضف تعليقا