انتظر أغلب المراقبين أن تسارع المملكة العربية السعودية إلى الارتماء في أحضان التطبيع مع إسرائيل حتى قبل المبادرة الإماراتية والبحرينية على الانخراط في نهج الخيانة السافرة . 

ورغم أن الجميع يوقن بأن التواصل الاستخباراتي بين السعودية وإسرائيل المحتلة قديم جدا وبلغ حدا عظيما من التنسيق خصوصا مع وصول ولي العهد محمد بن سلمان الذي ضرب عرض الحائط بكل النواميس القديمة التي كانت تطبع سياسة المملكة المحافظة والتي تحرص على أن تكون قبلة المسلمين في المواقف السياسية كما هي قبلتهم الدينية بحكم وجود الأماكن المقدسة على أراضيها، لكن الشيء الذي قلب هذه السياسة رأسا على عقب كان الدخول السريع لولي العهد في المعادلة السياسية رغم انعدام تجربته وقلة خبرته اذ حاول فرض نفسه على أبناء عمومته ممن هم أكثر قدرة وسبقا على تحمل مهام السلطة في المملكة. 

وبدلا أن يحاول بن سلمان تهدئة الخواطر وتأليف القلوب ونزع فتيل الخلافات والتنافس الحاد، بادر إلى العكس تماما بإشعال نار الفتنة فقام بالقبض على أغلب أبناء عمومته ونكل بهم في السجون، كما قبض على أصحاب الثروات وساومهم على ما يملكون وابتزهم بشكل سافر، وعزل أغلب المسؤولين القدامى بغض النظر عن كفاءتهم وعوضهم بأصدقائه وأوفيائه المخلصين وكال التهم لغيرهم حقا وباطلا.

ثم انتقل إلى صفوف من اعتبرهم معارضين لنهجه من المثقفين فسجن العلماء والفقهاء ورؤساء العشائر والإعلاميين، بل وبلغ به الأمر إلى قتل بعضهم مثلما حدث مع المعارض جمال خاشقجي الذي تم تقطيع أوصاله بالمنشار في حادثة تعيد الأذهان إلى حكايات القرون الوسطى وجرائم دراكولا السوداء. ثم تحول الأمير الطامح إلى الإغارة على الدول المجاورة فقاطع قطر وحاصرها بعدما فشل مخطط غزوها، ثم دمر اليمن ونكل بأهلها وأحدث فيهم مجاعة مؤلمة، وتحول إى ليبيا فصنع فيها حربا أهلية لا تبقي ولا تذر.

كل هذه المتاهات التي دخلها بن سلمان بقدميه وبإرادته الواعية لم يستطع الخروج منها بل لعله غرق في أوحالها وعطلته عن القيام بما كان يحلم به من زعامة عربية أو على الأقل خليجية فانكفأ في حرب الخلافة محاولا إثبات موقعه منتظرا موت والده ليخلفه بشكل قانوني ويصبح الحاكم الفعلي فيصنع ما يريد ويعزل من يحب ويشرد من يكره وساعتها فقط لن يستطيع أحد لومه أو الاعتراض على سياسته او محاسبته على خياناته طالما أن الشعب المسكين في بلاده مغلوب على أمره غير قادر على القيام بأي رد فعل أمام مسلسل المؤامرات والفضائح المخزية التي بات يلتقطها ويسمع ذكرها في وسائل الإعلام الأجنبية بعد التعتيم الإعلامي المضروب عليهم ولا يكاد يصدق كثيرا منها ليس لثقته في بن سلمان بل للحجم الهائل من الجرائم التي يسمع عنها وقلما اجتمعت في سياسي واحد على مر العصور.

وعلى هذا الأساس لا يبدو أن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني ستطول كثيرا بل لعل ولي العهد السعودي يتحرق شوقا لذلك اليوم ويلعن الظروف غير المناسبة التي وضعته في هذا الموقف، ومنها طول عمر والده الذي لم يكن يظن أن يصل إلى هذا الحد.