بعد سنوات من التوغل الإماراتي في القارة السمراء، هل بات الأفارقة يلفظون النفوذ الإماراتي من بلدانهم، وهل اقترب اليوم الذي تصبح فيه الإمارات بلا قوة ولا نفوذ داخل قارة أفريقيا؟ وهل أصبحت “أبوظبي” بالنسبة للأفارقة كالزائدة الدودية، التي آن أوان استئصالها من القارة الإفريقية لتشفى تماما من عللها.

تلك التساؤلات وغيرها باتت تطرح على الساحة السياسية الإفريقية، بعد الصفعات المتتالية التي صفعها الأفارقة على وجه دولة “أبناء زايد” من شمال إلى جنوب إفريقيا.

وبرغم من أن الإمارات في الأساس ليست دولة إفريقية، وإنما تقع في “جنوب غرب قارة آسيا”، إلا أنها عملت على مدار سنوات طوال على بسط نفوذها في القرن الإفريقي، وسعت لشراء ولاءات حكام وحكومات إفريقية، عن طريق الدعم السياسي تارة، والدعم المالي والعسكري تارة أخرى.

لكن مؤخرا بدأ النفوذ الإماراتي يتقلص شيئا فشيئا، إما لصالح سيادة تلك الدول الإفريقية، أو لصالح نفوذ دولا أخرى زاحمت الإمارات في النفوذ والهيمنة ثم تفوقت عليها.

(العدسة) يستعرض في هذا التقرير أسباب تأزم دولة “أبناء زايد” مع بعض الدول الإفريقية، كالصومال وجيبوتي وتشاد، كما يلقي الضوء على أبرز الصفعات القوية التي تلقتها الإمارات من تلك الدول:

الصومال

“الصومال” كانت تعد معقلا هامًّا من معاقل النفوذ الإماراتي في إفريقيا، إلا أنها بدأت في فقدان هذا النفوذ بشكل كبير، وصل إلى حد تقدمت الصومال بشكوى ضد دولة الإمارات في جامعة الدول العربية، بعدما وقعت “موانئ دبي العالمية” المملوكة لحكومة دبي، اتفاقا ثلاثيا مع إقليم شمال الصومال الانفصالي لتأجير ميناء بربرة.

وردًّا على ذلك أيضا، صدق مجلس الشيوخ الصومالي، في” 15 مارس، قرار مجلس الشعب بإلغاء الاتفاقيات المبرمة مع “موانئ دبي”.

وبالعودة إلى طبيعة العلاقات بين الإمارات والصومال، يتضح أنها علاقة استغلالية بالمقام الأول، حيث سعت الإمارات لإحكام قبضتها على مقاليد الحكم في الصومال، خصوصا أثناء حكم الرئيس السابق «حسن شيخ محمود»، والذي منح الإمارات نفوذًا كبيرًا في البلاد، تمثل بصورة أساسية في عقود لاستغلال وإدارة عدد من موانئ البلاد، التي تتمتع بموقع إستراتيجي هام لحركة التجارة العالمية.

بيد أن وصول الرئيس «فرماجو» إلى كرسي الرئاسة، في فبراير2017 رغما عن إرادة أبوظبي، دفعها إلى تغيير موقفها منه، استجابة لضغط السعوديين، خاصة بعدما بدأ في مناهضة النفوذ الإماراتي المتصاعد في بلاده.

وحسب مصادر، عَدَّل الإماراتيون من سياستهم تجاه «فرماجو»، وبعدما أصبح الرجل أمرًا واقعًا بالنسبة لهم؛ حيث بدءوا في مساعي استمالته بالمال كما فعلوا مع سلفه.

ويحاول حكام الإمارات إغراء «فرماجو» بالمال والمساعدات مقابل مزيد من النفوذ الإماراتي في البلاد، غير أنه لا يسمح لهم بذلك كسابقه، وفقا لمصادر صومالية، الأمر الذي جعل الإمارات تُسَخِّر أذرعها الاستخباراتية ضده.

فعلى سبيل المثال، فقد أكد مراقبون تورط الإمارات في تعزيز تقسيم الصومال، ودعم داخل دولة «أرض الصومال» غير المعترف بها دوليًّا.

الأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل تسعى الإمارات لإنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، الواقعة داخل «أرض الصومال».

ومع وقع الأزمة الخليجية، في يونيو الماضي، رفضت الصومال عرضًا خليجيًّا ماليًّا، قالت مصادر إنه من الإمارات، لقطع العلاقات مع قطر.

وكشف الكاتب الصحفي «جابر الحرمي»، عن أنّ وزيرًا خليجيًّا (لم يسمه) حمل 80 مليون دولار للرئيس الصومالي «فرماجو»، مقابل قطع علاقاته مع قطر، مشيرًا إلى أنه «بعد ساعتين من الإغراءات، رفض “فرماجو” العرض المغري».

كل تلك الأسباب دفعت إلى تدهور وانهيار العلاقة بين الصومال والإمارات لتتلقى “أبوظبي” صفعة إفريقية جديدة داخل الأراضي الإفريقية.

تشاد

وصلت “أيادي أبوظبي السوداء” في القارة الإفريقية إلى “تشاد”، حيث نشر موقع “هافنجتون بوست” في فبراير الماضي، تقريرًا تناول فيه قيام دولة الإمارات بتجنيد بعض الأفارقة للقتال ضمن قواتها الموجودة باليمن، مقابل الحصول على المال والجنسية الإماراتية.

وقال التقرير، إن حكومة “أبوظبي” استغلت الحالة المادية السيئة لعائلات تعيش في حي “كامبو الطيولي” بمدينة سبها، جنوب ليبيا، وتنتمي إلى قبائل التبو والطوارق المنتشرة في تشاد والنيجر، للزج بهم في أتون الحرب اليمنية.

ووفق التقرير، فإن شباب أغلب هذه القبائل يعيشون على الرعي وتجارة التهريب على الحدود الجنوبية، وخاصة السجائر والمهاجرين غير الشرعيين الحالمين بالسفر إلى أوروبا.

ومنذ اندلاع الحرب اليمنية عام 2014، تلقى هؤلاء الشباب عروض عمل من شركات أمن إماراتية، بتعويضات تتراوح ما بين 900 دولار و3000 دولار، إضافة إلى الحصول على الجنسية الإماراتية.

وانطلقت حملة وسط النشطاء التشاديين على الإنترنت، تحذّر الشباب من العمل لحساب الإمارات، أبرزها فيديو للناشط محمد زين إبراهيم، حذّر فيه من عروض العمل تلك، معتبرًا أنها “تجنيد للمشاركة في حرب اليمن”.

فضيحة استئجار التشاديين الفقراء في حروب إماراتية قذرة، عززت من حالة السخط الشعبي التشادي ضد “أبوظبي” كما أن المواقف الرسمية باتت تتباين خلال الفترة الأخيرة.

فمؤخرًا، أعلنت “تشاد” عودة علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع قطر، بعد أن قطعتها فور اندلاع الأزمة الخليجية.

وكان رئيس تشاد إدريس ديبي، زار أبوظبي والرياض أكثر من مرة في أعقاب قطع العلاقات مع الدوحة، ولكن على ما يبدو فإن لتشاد موقفًا آخر.

جيبوتي

وفي أحدث الصفعات الإفريقية لدولة الإمارات، أعلنت رئاسة دولة “جيبوتي” في فبراير الماضي إنهاء عقد مع موانئ دبي العالمية لإدارة وتشغيل ميناء “دوراليه”، وهو ما اعتبر بمثابة طرد “جيبوتي” للإمارات من على أراضيها.

الإمارات بدورها عبرت عن صدمتها من القرار، وقالت الشركة الإماراتية التي تمتلك 33% من الميناء، إن ما قامت به حكومة جيبوتي “غير قانوني وغير مشروع”، وأن حكومة جيبوتي تنتهك التزاماتها، وأن تصرفها يتسم “بالقمع”.

بينما أكدت تقارير أن مسؤولين جيبوتيين اكتشفوا أن نسبة 20% من الأرباح كانت تذهب إلى كل من عبدالرحمن بوري، مدير الموانئ الجيبوتية سابقًا (مهندس الصفقة والمقيم بالإمارات حاليًّا)، وسلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية، مما اضطر الحكومة الجيبوتية إلى رفع قضية لرد حقها عام 2012، كما لجأت إلى “أبوظبي” التي أخبرتهم أن هذا الأمر يخص حكومة دبي، ولا شأن لها به.

ويرى القائمون على الدولة في جيبوتي، أن تأجير الإمارات لمحطة “دوراليه” كان هدفه منع تطوير بقية موانئ البلاد، وأن الموانئ التي أنشأتها هذه الدولة في عصب بإريتريا وهرقيسا بأرض الصومال وبوصاصو وفي عدن، كانت بهدف تأديب وتطويق جيبوتي؛ لأنها طالبت بحقها.

وبالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية، أرجع عديد من الخبراء سبب القرار الجيبوتي، إلى العمل السياسي والاستخباراتي الذي تقوم به الإمارات على أرض جيبوتي انطلاقًا من هذا الميناء، خاصة أن وزارة النقل الجيبوتية قالت في بيان لها، إن عقد امتياز تشغيل محطة حاويات “دوراليه” يتضمّن عناصر تنتهك صراحة سيادة الدولة ومصالح الأمة العليا.

وما يزيد من وجاهة هذا الطرح، السعي الإماراتي للسيطرة وإدارة عدد من أكبر وأهم الموانئ في القرن الإفريقي، حيث تعمل الإمارات على تمديد نفوذها الإقليمي ومحاولة مزاحمة الكبار في الحضور الإفريقي، خاصة في منطقة القرن ذات الأهمية الإستراتيجية المحورية.

يعتبر مضيق “باب المندب”، وفقًا لخبراء ملاحيين، أحد أهم نقاط العبور البحري التي تستخدمها حاملات النفط في العالم، حيث يمر به ما يقرب من 4.7 مليون برميل من النفط يوميًّا، ويبلغ عرضه 28.9 كيلومتر فقط عند أضيق نقطة منه، التي تمتد من رأس سيان في جيبوتي إلى رأس منهالي في اليمن، وقد ازدادت أهميته بوصفه واحدًا من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي.