العدسة – مؤيد كنعان

أقل من أسبوع كانت هي المدة التي فصلت بين خطاب به قليل من الكلمات بصيغة ودودة تحمل تذكيرا بالـ “النضال المشترك” من أجل “الوطن”، أرسله رئيس نادي القضاة المستشار محمد عبد المحسن، نائب رئيس محكمة النقض، إلى اللواء أحمد زكي عابدين رئيس مجلس إدارة العاصمة الإدارية الجديدة، والذي طلب فيه تخصيص قطعة أرض “مناسبة” لإقامة “كومباوند سكني” للقضاة وأعضاء النيابة العامة، والتنفيذ الفعلي “بكل مشتملاته”.

الخطاب الذي تم تداوله في وسائل إعلام، وباستهجان بمواقع التواصل الاجتماعي، كان محررا في 5 نوفمبر الجاري، كما يشير التاريخ في أسفله، وجاء في مقدمته الموجهة إلى “عابدين”: “إيمانا منا بما تحملونه سيادتكم لرجال القضاء من إعزاز وتقدير لهم ولرسالتهم السامية، وثقة منا في صدق تعاونكم معهم لما يكابدونه من جهد في سبيل أدائهم تلك الرسالة…”.

المقدمة السابقة لقيت انتقادات من متداولي الخطاب بمواقع التواصل، معتبرين أنها غير مناسبة لمجرد “طلب إداري”، لكنها تبدو أقرب إلى لهجة استجداء مغلفة بنكهة تعزز شبيهة بـ “سايس الجراج” الذي يخرج لك فجأة بينما تهم بالتحرك بسيارتك التي كانت مركونة بأحد الشوارع العامة، قائلا: “كل سنة وأنت طيب يا أستاذ”.

استجابة سريعة

اللافت بالفعل كانت الاستجابة السريعة من العاصمة الإدارية، حيث وافق اللواء أحمد زكي عابدين على تخصيص قطعة أرض مساحتها 50 فدانا لإقامة الكومباوند، بالإضافة إلى 20 فدانا أخرى لإنشاء نادي إجتماعي كبير لخدمة أعضاء النادي وأسرهم.

“الكومباوند”.. هو مجمع سكني مغلق بسور، وله بوابات أمن وحراسة، وبه كل الخدمات التي تحتاج لها كسكن وأماكن ترفيهية، ويختلف حجم الخدمات من كومباوند لآخر على حسب حجمه والشركة المنفذة له وعلى حسب تنوع الوحدات بداخله، فهناك كومباوندات عمارات فقط، وهناك كومباوندات فيلل فقط، وهناك كومباوندات تضم شققا وفيللا وتاون هاوس وتوين هاوس.

” أحمد زكي عابدين “

سعر المتر “رمزي”

الملاحظة الأولى هنا أن إدارة العاصمة الجديدة لم تكتف بتخصيص أرض للكومباوند السكني، لكنها أيضا أضافت لها 20 فدانا لإنشاء ناد اجتماعي للقضاة.

موقع “مصراوي”، المؤيد للنظام في مصر، نقل عن “مصادر خاصة” قولها إن تخصيص مساحات الأراضي بمقابل مادى يبلغ 2500 جنيه للمتر، علي أن يتم سداد 2% من قيمة الأرض والمقدر بـ15 مليون جنيه قبل البدء فى إجراءات التخصيص، على أن تصل قيمة المبلغ المدفوع إلى 20 % من إجمالي ثمن قطعة الأرض عند انتهاء إجراءات التخصيص خلال شهر من دفع أول قيمة مالية، علي أن يسدد باقي قيمة الأرض بفائدة 10% سنويا، حيث يصل ثمن الأرض إلى ما يقرب من 960 مليون جنيه.

قيمة الأرض، والتي تبلغ ما يقارب المليار جنيه، تشير إلى أنه تم اختيارها في أحد أبرز الأماكن وأهمها بالعاصمة الإدارية، لكن ثمن المتر لا ينبئ بهذا الأمر، وهو ما يشير إلى إمكانية أن تتحمل خزينة الدولة مبالغ كبيرة لدعم هذا “الكومباوند”.

” العاصمة الإدارية الجديدة “

“كومباوند الجيش”

“كومباوند” القضاة ليس الأول ضمن مساعي تخصيص أفضل المساحات بالعاصمة الإدارية الجديدة لأركان السلطة، فقد سبقه “كومباوند” الجيش شديد الرفاهية المسمى “تيباروز”، وهو خاص بضباط الدفاع الجوي.

ويضم كومباوند تيباروز مجموعة من الشقق والفلل والتاون هاوس، وبه بحيرات صناعية وحمامات سباحة ومنطقة خدمات، بالإضافة إلى موقف مغطى للسيارات .

وبالرغم من أن كومباوند تيباروز خاص بضباط الجيش، إلا أن بعض الحاجزين فور أخذ جواب مقدم الحجز لشقة مساحة 175 متر نصف تشطيب، قام بعرضها للبيع بسعر 4 آلاف جنيه للمتر، بالتقسيط، يتم دفع 260 ألف جنيه مقدم، والباقي على 3 سنوات، على أن يتم الاستلام في 2020.

اللافت هنا أن متر الأرض المعروض للبيع من الحاجزين في كومباوند الجيش بلغ 4 آلاف جنيه، وهو ما يشير إلى احتمالين: الأول هو ارتفاع سعر متر الأرض عن القضاة عند الحجز، أي أن قطعة الأرض المخصصة لكومباوند الجيش أكثر تميزا من القضاة، أو أن سعر المتر في كومباوند الجيش كان مشابها لسعر نظيره في كومباوند القضاة، لكن الحاجزين عندما قرروا بيعه رفعوا السعر للضعف، مما سيمكنهم من جني مكاسب كبيرة.

تفاوت أسعار

المثير أكثر أن الأسعار السابقة شديدة الهزال، إذا ما قورنت بالأسعار التي تم نشرها في وسائل إعلام مصرية مؤيدة للنظام، وتشير إلى أن سعر المتر في “شقق” الإسكان الاجتماعي، والتي تقول الدولة إنها مخصصة للطبقة المتوسطة، لا يقل عن 8 آلاف جنيه، وفقا لسعر الشقة البالغ مساحتها 120 مترا، حيث يتجاوز مليون جنيه.

هنا يجب أن يتجدد السؤال عن الفارق الضخم بين سعر المتر في “كومباوند القضاة” و “الجيش” وبين سعره في “شقق الإسكان الاجتماعي”، فالأول يتراوح سعره بين ألفين إلى أربعة آلاف للمتر، بينما يبدأ الثاني من 8 آلاف.

كومباوند “تيباروز” الخاص بأصحاب السلطة و النفوذ و المال

أول “كومباوند”

وتشير أسعار أول “كومباوند” غير تابع لأي من فئات الدولة وتم الإعلان عنه بالعاصمة الإدارية إلى أن ذلك المكان سيكون فقط تجمعا لرجال السلطة مع رجال المال، لينصهروا معا في بوتقة عالية عن بقية البلد.

ووفقا لما نشرته وسائل إعلام مصرية، فإن “الكومباوند” لا يضم وحدات سكنية صغيرة “شقق”، ولكن “تاون هاوس”، أي فيلات صغيرة بحدائق ملحقة بها بحجم صغير أيضا، بالإضافة إلى فيلات كبيرة “ستاند ألون”.

ويعد سعر الـ”تاون هاوس” هو الأقل في المشروع بأكمله، حيث يبدأ سعره من 3.3 مليون جنيه.

وكان رواد مواقع التواصل، ووسائل إعلام، قد تناقلوا صورا لسور شديد الضخامة وبارتفاع 7 أمتار تقريبا يجرى تشييده حول العاصمة الإدارية، وشبهه البعض بالجدار العازل في “إسرائيل”، معتبرين أن النظام يسعى لصنع عالم خاص لأصحاب السلطة والنفوذ والمال وفصلهم عن بقية الشعب “المطحون”.

وبعد خطوة “كومباوند القضاة”، والتي جاءت بعد “كومباوند الجيش”، ينتظر أن تطالب وزارة الداخلية في حقها بإنشاء “كومباوند الشرطة”، ومن ثم يتوسع الجيش في إنشاء “كومباوندات” أخرى.