العدسة – موسى العتيبي

(أبوظبي، دبي، الشارقة، رأس الخيمة، الفجيرة، أم القيوين، عجمان) 7 إمارات خليجية، كونت دولة الإمارات المتحدة، لكن على ما يبدو أن القاهرة صارت “ثامنتهم” اقتصاديا وسياسيا..

ربما يرى البعض مبالغة هذا الطرح، لكن المتتبع للنفوذ الاقتصادي والسياسي للإمارات في مصر، خلال السنوات الأخيرة، سيكتشف ذلك بسهولة شديدة، فمصر، تحولت من دولة ذات سيادة خاصة، إلى أشبه بالدويلة التابعة لقرارات المول الأكبر لها “الإمارات”.

وعلى مدار السنوات الماضية، لم تتوقف قاهرة “السيسي”، عند حد التبعية السياسية للإمارات، لكنها بدأت في سن تشريعات وقوانين تمكن للبلدة الخليجية من السيطرة على الاقتصاد المصري، وتسمح لها بالتوغل، بل وتقييد سن أي تشريعات تؤثر على اقتصادها في مصر.

وخلال التقرير التالي نرصد عدة نقاط تكشف حجم التوغل الاماراتي في الاقتصاد المصري والهيمنة عليه وبالتالي في القرار السياسي:

تقديم الدعم اللامحدود

وفقا لمراقبين فإنه ومنذ 3 يوليو 2013 عمدت الإمارات إلى تقديم الدعم الاقتصادي اللامحدود لنظام الثالث من يوليو لتثبيت أركانه وإحكام السيطرة على البلاد، حيث تخطت المنح والقروض الخليجية وفي القلب منها الإماراتية لنحو 50 مليار دولار…

لكن.. ومع عدم قدرة نظام السيسي على حسم الوضع لصالحه واستمرار حالة التدهور الاقتصادي ووصول البلاد إلى حافة الهاوية، وصلت الإمارات إلى قناعة أن الوضع الاقتصادي المتدهور الذي وصلت له مصر لا يمكن علاجه فقط بالمساعدات والمنح والقروض التي سرعان ما يتم انفاقها ولم تقم الحكومة بإصلاحات اقتصادية تضمن بها تعافي الاقتصاد المنهار، بل كل ما تم منحه لمصر من دول الخليج بحسب تسريبات نشرتها قنوات مناهضة لنظام الثالث من يوليو تدخل في حسابات بنكية خاصة بالقوات المسلحة.

ومن هنا عمدت الإمارات إلى وضع خطة للسيطرة على الاقتصاد المصري والتحول من الممول للنظام المصري إلى الشريك فيه، بحسب وثائق تم تسريبها من مكتب محمد بن زايد ونشرتها وسائل إعلامية.

التوسع في الاستثمارات

بعد أن اكتشفت الإمارات أن الدعم المالي لنظام السيسي يذهب سدى، قررت رفع استثماراتها وكان لها النصيب الأكبر من المكاسب الاقتصادية، حيث بلغ عدد الشركات الإماراتية التي تستثمر في مصر حالياً 638 شركة بحجم استثمارات وصل إلى نحو 18.4 مليار درهم في عدة مجالات مثل العقارات والاستكشافات البترولية والسياحية والصناعات الكيماوية والغذائية والزراعية.

وفي بداية 2015، استحوذ رجل الأعمال الإماراتي، خالد بن زايد آل نهيان، على 3.5 في المئة من أسهم شركة “بلتون”، أحد أكبر بنوك الاستثمار في مصر.

وفي مجال الملاحة أعلنت الشركة القابضة للنقل البحري والبري المصرية، أنها وقعت مذكرة تفاهم مع شركة الملاحة العربية المتحدة الإماراتية لتستثمر 150 مليون دولار في مشروع محطة الحاويات الثانية بميناء شرق بورسعيد، الذي وصفته بأنه باكورة مشاريع محور قناة السويس ليتم تسليمه للشركات الإماراتية، وغيرها من المشرعات في المجالات المختلفة بأغلب مناطق الدولة المصرية.

وكذلك سيطرت الشركات الإماراتية على جزء كبير من قطاع الصحة الاقتصادي والاستثماري في مصر، فاستحوذت شركة “أبراج كابيتول” الإماراتية على 12 مستشفى خاص بمصر، منها كليوباترا والقاهرة التخصصي، بجانب معامل التحاليل الطبية الأهم، البرج والمختبر.

تفريعة و ليست تنمية

مشروع تنمية قناة السويس، كان أحد أبرز وأهم المشاريع الاقتصادية التي تخشى منها الإمارات، وسببت عداءً واضحا وجليا بينها وبين حكومة الرئيس محمد مرسي الذي كان يسعى لتنفيذ مشروع التنمية، وأعلن عن خطة تطوير محور القناة.

مراقبون أكدوا  أن مشروع تطوير إقليم قناة السويس، الذي كان يتبناه “مرسي” كان سيُصبح أكبر كارثة لاقتصاد الإمارات وخاصة دبي، حيث إن اقتصادها خدمي وليس إنتاجيًا، يقوم على لوجستيات الموانئ البحرية، وأن موقع قناة السويس هو موقع استراتيجي دولي، أفضل من مدينة دبي المنزوية في مكان داخل الخليج العربي، الذي يمكن غلقه إذا ما نشب صراع مع إيران.

وعلى هذا الأساس عمدت الإمارات بعد التخلص من مرسي، إلى تحويل مشروع القناة، من التنمية، إلى حفر تفريعة، جديدة، تعمل على تقليل زمن انتظار السفن في القناة، دون أن يمس المشروع الجوانب الاقتصادية الخاصة بموانئ دبي.

مشروعات بالأمر المباشر

وفي خطوة أخرى لتعزيز النفوذ الإماراتي في مصر، منح السيسي في أغسطس 2017 مجموعة موانئ دبى العالمية، حق تنفيذ مشروعات في منطقة قناة السويس.

ووافق «السيسي»، على إسناد المشروع لـ «سلطان أحمد بن سليم» رئيس مجلس إدارة مجموعة موانئ دبى العالمية، الذي قرر إنشاء شركة تنمية رئيسية مشتركة بين المجموعة الإماراتية، والهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، التي يترأسها الفريق «مهاب مميش».

ولم تكشف الحكومة المصرية، عن حجم اتفاقيات التعاون مع المجموعة الإماراتية، وطبيعة المشروعات التي ستسند إليها، وكلفتها الاستثمارية.

وتدير مجموعة موانئ دبى العالمية، «ميناء السخنة» المصري، ضمن 78 ميناء بحريا وبريا تتولى إدارتها في 40 دولة في مختلف أنحاء العالم، وفق تصريحات «بن سليم».

ترسانة عملاقة في “الأدبية”

واستمرار  لجنى ثمار مساعدتها لمصر عقب 30 يونيو، سمح السيسي لواحدة من كبريات شركات الإمارات في إنشاء اكبر ترسانة بحرية لصناعة السفن في منطقة الشرق الأوسط بميناء الأدبية على مساحة 4 ملايين متر مربع.

وأكدت مصادر حكومية “أن هناك اتفاقاً مسبقاً مع شركة إماراتية متخصصة لتنفيذ مشروع عملاق لترسانة بحرية عند المنفذ الجنوبي للقناة وتحديداً في ميناء الأدبية، وذلك في اطار خطط تنمية محور قناة السويس.

وبسؤال إبراهيم الحمادي، الرئيس التنفيذي لشركة موانئ دبى السخنة بمصر المملوكة بنسبة %100 لـ ”موانئ دبى العالمية المحدودة”، عما إذا كانت شركته ستتولى أعمال تنفيذ الترسانة رد قائلاً: “إنه لا يعلم شيئا عن الأمر وليست للشركة خطط في هذا الشأن”.

ووفقاً للمصادر التي رفضت الافصاح عن هويتها، من المتوقع أن تسيطر الشركة الإماراتية بموجب حصولها على حق تنفيذ الترسانة على نشاط خدمة اصلاح وبناء السفن جنوب القناة، وتدعم سيطرة الشركات الإماراتية على هذا النشاط والذى تستحوذ منطقة “جبل على” بالإمارات على حصة كبيرة منه.

إخلاء جزيرة الوراق لصالحها

وعلى غرار ما قامت به مصر مع السعودية من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالحها، عمدت حكومة السيسي كذلك إلى تسليم جزر في قلب القاهرة لصالح الإمارات.

وكانت حقيقة بيع الجزر للإمارات قد بدأت قبل أشهر مع قيام حكومة السيسي بإخلاء جزيرة الوراق وسط النيل التابعة لمحافظة الجيزة شرق القاهرة والبالغ عدد سكانها قرابة 100 ألف نسمة، ليتبين أن الأمر يتعلق بصفقة مع دولة الإمارات.

وعلى الفور انتشرت نسخة مشروع إماراتي على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل عدة مصادر إعلامية لمكتب هندسي يعمل في الإمارات يدعى (آر إس بيه)، تكشف عن مخطط استثماري لمشروع جزيرة الوراق المصرية، يعود إلى عام 2013، بحيث اعتبر تطوير الجزيرة نموذجًا للتنمية المستقبلية في القاهرة، لما تملكه من موقع مذهل على نهر النيل، ليدمج تصميم المدينة الجديدة مع نظيرتها التاريخية في قلب العاصمة.

ويشير مراقبون أن الإمارات ربما تسعى للسيطرة على استثمارات الجزيرة كنوع من استرداد ثمن المساعدات المالية والعينية التي قدمتها لمصر خلال السنوات الماضية، بدءًا من العام 2013 حيث قدمت الإمارات لمصر مساعدات مالية وعينية تقدر بنحو 18 مليار دولار خلال 3 سنوات.

والساحل الشمالي.. أيضا

ووفقا لمراقبين فإن مصر تستعد حاليا لمنح أراضي شاسعة بالساحل الشمالي لصالح شركات إعمار الإماراتية لإقامة مشروعات عليها.

وبحسب المحامي خالد أبو بكر، فإن الشركة الإماراتية ستستحوذ على مساحات شاسعة من الساحل الشمالي بمصر.

وقال أبو بكر “صفقة هامة بين شركة إعمار للتنمية والحكومة المصرية لتنمية أراضي الساحل الشمالي المملوكة للدولة والواقعة بعد مارينا علي مساحة كبيرة”.

واعتبر البعض أن سيطرة الإمارات على الساحل الشمالي ضربة جديدة من نظام السيسي لرجال الأعمال في مصر، وخاصة رجال عهد مبارك الذين يسيطرون على مساحات كبيرة من الساحل الشمالي في مارينا.

تشريعيات لحماية اقتصادها

واستكمالا للسيطرة والتوغل الاماراتي على اقتصاد مصر، نشرت الجريدة الرسمية في مصر، الخميس الماضي نص اتفاقية مصر والإمارات والتي تعطي “أبوظبي” حزمة من الامتيازات الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخ مصر، مقارنة بالدول الأخرى، فضلاً عما تحمله من ضمانات لحماية المصالح الإماراتية من الملاحقات القضائية، داخليًا كانت أو خارجيًا.

العديد من القنابل الموقوتة تحملها تلك المذكرة، أولها إعطاء دولة الإمارات العديد من الصلاحيات غير الممنوحة للدول الأخرى وهو ما سيفتح الباب أمام المستثمرين الإماراتيين للتوغل في المشهد الاقتصادي المصري بأريحية كاملة دون قيود أو ضوابط.

المادة (14) في الاتفاقية تعد الأخطر والأكثر جدلاً في المذكرة والتي تنص في جزء منها على “تجنب سن قوانين يكون لها آثار تتناقض مع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار الموقعة بين الطرفين”، هذا بخلاف المادة (15) والتي حالت دون اللجوء إلى المحاكم حال نشوب أي خلاف بين الجانبين، حيث نصت على أن “أي اختلاف في تفسير وتطبيق هذه المذكرة يسوى وديًا عن طريق التفاوض والمشاورات بين الطرفين” ومن ثم مستبعدًا أي خيارات قضائية أو تصعيدية أخرى.