هل أوشك عصر الثراء السعودي على الأفول ؟
يعاني الاقتصاد السعودي حالة من التراجع الملحوظ، إثر عدد من الأزمات الخانقة التي ضربت المملكة خلال الفترة الماضية وبشكل متزامن، مما ينذر بحالة من التدهور لم تعشها المملكة من قبل، لاسيما بعد الضربات المتلاحقة من كورونا وتهاوي إيرادات النفط وارتفاع تكلفة الحرب في اليمن التي أرهقت جميعها اقتصاد السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم.
وقبل أيام، عدلت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، الجمعة الماضي، النظرة المستقبلية للسعودية من مستقرة إلى سلبية، وأكدت تصنيفها السيادي عند A1، كما توقعت الوكالة على المدى المتوسط ارتفاع دين الحكومة السعودية إلى نحو 45% من ناتجها المحلي، مع تنامي مخاطر تراجع القوة المالية للسعودية، حيث من الممكن أن تهبط إيراداتها بواقع 33% في عام 2020.
وعلى إثر تصاعد الأزمات المالية تحولت السعودية من دولة توفر أموالاً طائلة من عائدات النفط والعمرة والحج إلى أحد أكبر المقترضين في المنطقة العربية.
وتتأهب الرياض للحصول على قروض قياسية تقدّر بنحو 59 مليار دولار العام الجاري، الأمر الذي سيؤدي إلى قفزة تاريخية في الديون البالغة حالياً نحو 192 مليار دولار. ويأتي ذلك ضمن العديد من الإجراءات الصعبة التي تنتظر السعودية خلال الفترة المقبلة.
وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في تصريحات السبت، إن المملكة ستتخذ إجراءات “مؤلمة” لخفض النفقات، في ظل تراجع الإيرادات بسبب أزمة “كورونا”، وأضاف أن السعودية يجب أن تخفض مصروفات الميزانية بشدة؛ نظراً لانخفاض الإيرادات النفطية لأقل من النصف وتراجع الإيرادات غير النفطية بسبب الإغلاق في إطار إجراءات مكافحة كورونا.
وأضاف أنه سيتم اقتراض 220 مليار ريال (58.7 مليار دولار) بزيادة 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) عما كان مخططاً له قبل كورونا.
ديون تتضاعف
وحسب مراقبين، فإن ديون السعودية ستقفز إلى مستويات قياسية حيث ستبلغ أكثر من ربع مليار دولار نهاية العام الجاري في حالة تنفيذ الرياض مخططها باقتراض نحو 59 مليار دولار في 2020.
وارتفع الدين العام السعودي 6.7% إلى 723.5 مليار ريال (192.9 مليار دولار) في نهاية الربع الأول، مقارنة بنهاية 2019.
وكانت بيانات الميزانية قد أظهرت ارتفاع حجم الدين العام مع نهاية عام 2019 إلى 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، وهو ما يمثل نحو 24 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وذلك مقارنة مع 560 مليار ريال خلال العام الماضي.
ووضعت شركة جدوى السعودية للاستثمار توقعات مخيبة حول ميزانية المملكة، إذ توقعت أن يصل العجز فيها إلى 422 مليار ريال (نحو 122.4 مليار دولار) العام الجاري، ما يمثل 15.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ووفق تقرير للشركة، نشرته في (20 أبريل الماضي)، فسوف يصل الدين الحكومي إلى 854 مليار ريال (227.5 مليار دولار) في نفس العام، إضافة إلى انخفاض الإيرادات النفطية وغير النفطية مع زيادة المصروفات، بحيث تبلغ الإيرادات في ميزانية العام الجاري نحو 654 مليار ريال، والمصروفات 1.076 تريليون ريال.
وتوقعت “جدوى” أن يرتفع الدين العام نحو 176 مليار ريال خلال العام 2020، ما يؤدي إلى رفع إجمالي الدين الحكومي إلى 854 مليار ريال، ويمثل 31.7% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام.
وخالفت الشركة السعودية تقديرات وزارة المالية عن الدين العام بمقدار 100 مليار ريال، حيث قدرت الميزانية أثناء وضعها اقتراض 76 مليار ريال في 2020، وأن يبلغ إجمالي الدين 754 مليار ريال، ما يمثل نسبة 26% من الناتج المحلي.
وحسب تقديرات رسمية ستصل نسبة إجمالي الدين العام في نهاية 2020 إلى 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت هذه التقديرات قبل تفشي فيروس كورونا، الأمر الذي يعني أن النسبة ستزيد، ولاسيما مع إعلان وزارة المالية عن زيادة كبيرة في معدلات الاقتراض الفترة المقبلة.
وتوقعت المملكة ارتفاع عجز ميزانيتها العام الجاري إلى ما بين 7 إلى 9% بعد تفشي الفيروس، مقارنة بـ6.4% في توقعات سابقة.
وخفضت الحكومة ميزانيتها بواقع 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) عقب كورونا، وفق تصريحات سابقة لوزير المالية السعودي الذي قال في مقابلة لاحقة إن “التخفيض غير كافٍ”.
النفط أبرز الخسائر
ويعتبر قطاع النفط أكثر القطاعات تضرراً بسبب الأزمة العالمية الناجمة عن وباء “كورونا”، حيث فقدت أسعار النفط نحو 60% من قيمتها منذ مطلع العام بسبب تراجع الطلب على الخام جراء الإغلاق للحد من تفشي الوباء.
وتراجعت الإيرادات النفطية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 24% على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار، ما دفع إجمالي الإيرادات للتراجع 22% على أساس سنوي بحسب الوزارة. والسعودية هي أكبر مُصدر للنفط في العالم، وتعتمد ميزانيتها عليه بنسبة 70% تقريباً.
وتوقع “ستاندرد تشارترد”، في تقرير صدر الأسبوع الماضي، انكماش الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 4.5% في 2020، نتيجة خفض إنتاج النفط، في تدهور كبير قياساً بتوقعات سابقة بنمو نسبته 5%.
وأفاد وزير المالية السعودي في تصريحات له، بأن الإيرادات انخفضت بشكل كبير جداً، وفي الغالب سيظهر أثرها في الأرباع القادمة في الإيرادات النفطية، مضيفاً: لقد بدأنا العام في أسعار النفط بأعلى من 60 دولاراً للبرميل، ونشاهد هذه الأيام أرقاماً بحدود 20 دولاراً، وهذا الانخفاض الكبير يؤدي إلى انخفاض الإيرادات لأكثر من النص، وتابع أنه نتيجة للإجراءات الاحترازية ستنخفض وتيرة النشاط الاقتصادي بشكل كبير جداً.
وأدى تفاقم أزمة الإيرادات إلى اندفاع الحكومة نحو اللجوء إلى الاحتياطي الذي شهد نزيفاً حاداً الفترة الأخيرة، وقالت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، الثلاثاء الماضي، إن صافي الأصول الخارجية للمملكة نزل في مارس/ آذار إلى نحو 1.775 تريليون ريال (473.33 مليار دولار) مقابل 1.865 تريليون ريال (497.33 مليار دولار) بنهاية شهر فبراير/ شباط السابق له، متراجعاً بنسبة 4.8٪ خلال شهر واحد.
وكانت السعودية قد خاضت خلال الفترة الماضية، حرباً نفطية مع روسيا وهو ما تسبب بهبوط أسعار النفط لمستويات غير مسبوقة لها منذ 18 عاماً، مع تراجع الطلب من جراء إجراءات العزل العام التي اتخذتها الحكومات لاحتواء تفشي فيروس كورونا.
وانتهت تلك الحرب بعقد اتفاق تحالف أوبك+ في (10 أبريل الجاري)، على خفض إنتاج النفط بواقع 9.7 ملايين برميل يومياً للشهرين القادمين.
ومن نتائج ذلك أن فقدت السعودية جزءاً من حصتها النفطية في السوق الصينية خلال شهر مارس الماضي، فيما كانت روسيا الرابح الأكبر إثر زيادة شحناتها النفطية إلى بكين بأكثر من الثلث.
ولم يقتصر تهاوي الإيرادات المالية علي النفط فقط بل امتد إلى انهيار إيرادات أخرى مهمة، ومنها سياحة العمرة والحج، إذ تقدّر خسائر السعودية من توقف موسم العمرة، ولا سيما في رمضان والحج، في حال تواصل وباء كورونا بمليارات الدولارات.
وكانت الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة قد قدّرت إيرادات موسم الحج في عام 2017 بما يتراوح بين 20 و26 مليار ريال (5.33 مليارات و6.94 مليارات دولار).
ويري محللون أن خيارات السعودية باتت محدودة من أجل مساندة اقتصادها المنهك، خاصة في ظل فشل خطط تنويع الاقتصاد، التي روج لها وليّ العهد محمد بن سلمان، خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول مستقبل الاقتصاد السعودي الريعي إذا ما أوشك عصر النفط الذهبي على الأفول.
اقرأ أيضاً: 950 مليون ريال .. خسائر فادحة لشركة سابك السعودية خلال 3 أشهر فقط
اضف تعليقا