العدسة – ياسين وجدي:

كانت الشرارة امرأة .. فانطلقت رياح التغيير تحمل اسم الربيع العربي، برزت فيها طلائع المرأة العربية بشكل مؤثر.

كانت الشرارة صفعة من الشرطية التونسية “فايدة حمدي” على وجه أيقونة تونس” محمد بوعزيزي” أشعلت النار والغضب في جسده ، لتمتد من بعده نيران الغضب في الوطن العربي بمشاركة نسائية ملهمة ، استفادت منها المرأة العربية كما تضررت وفق المراقبين.

نسلط الضوء في الذكرى الثامنة لانطلاقات الربيع العربي في يناير 2011 ، على مكاسب وخسائر “حواء” في بلدان الربيع المحاصر.

 قائدات ملهمات !

برزت مشاركة النساء في ثورات الربيع العربي ، وعززت من قوة الحراك وصموده في أحيان كثيرة ، واستفادت النساء كثيرا بحسب المراقبين من تواجدهن بعد طول إقصاء في النظم السلطوية.

وبحسب وصف تقرير أممي حديث فقد “فاجأت النساء الجميع عندما قررن التغيير من كونهن ضحايا إلى قائدات ملهمات” مؤكدا أن “النساء والشباب هم من جلبوا الربيع العربي، وقدموا تضحيات ودفعوا ثمناً باهظاً لمشاركتهم خلال الانتفاضات وبعدها”.

وفي هذا الإطار ، فقد صعدت أسماء نسائية للمرة الأولى وقتها في قيادات المظاهرات والاعتصامات ، كان من بينهن  الناشطة اليمنية توكل كرمان التي تصنف بأنها أهم رموز الثورة اليمنية، واستحقت بذلك تصدر غلاف مجلة التايم الأمريكية مؤكدة أنها ” أكثر نساء التاريخ ثورية” كما اختيرت كإحدى سبع نساء أحدثن تغيُّرًا في العالم من قبل منظمة “مراسلون بلا حدود”، حتى وصلت إلى الفوز كأول امرأة عربية بجائزة نوبل للسلام عام 2011م.

وهكذا فقد كان الحضور الفاعل أول المكاسب للنساء ، وطبقا لصحيفة الجارديان فقد كانت بعض المشاهد الأكثر تأثيرا في ثورات الربيع العربي مشاهد النساء اللاتي شكلن بحرا من الوجوه النسائية في عواصم بلدان المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية، والمناطق الداخلية في سورية، يشاركن بنجاح كبير في التظاهر من أجل تغيير النظام، وإنهاء القمع، والإفراج عن ذويهم، أو يلقين بالخطابات وسط الجموع، أو يعالجن الجرحى، ويقدمن الطعام إلى المعتصمين ، والتدوين الإلكتروني، والإضراب عن الطعام، بل وتقديم حياتهن أيضا.

هذا الحضور الجديد كان سببا في إشادة روز ماري ويفيس النَّاطقة باسم الحكومة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : “كم أذهلني هذا الربيع العربي وكم أذهلنني نساء الربيع العربي”، وبحسب تقرير للبنك الدولي فقد شكّلت ثورات عام 2011 تحوّلا كبيرا لدور المرأة السياسي في المنطقة بعد أن تصدرت النساء تلك الانتفاضات العربية.

ووصف تقرير صادر عن جامعة الدول العربية مشاركة المرأة الثورات العربية فى كل من تونس ومصر وليبيا واليمن بأنها كانت محورية ونوعية وفاقت كل التوقعات، مؤكدا أن هذه المشاركة عززت فكرة أن الحركات النسوية جزء لا يتجزأ من الحراك الشعبي العربي والقوى الديمقراطية المحركة للثورات، والمطالبة بدول ديمقراطية تتحقق فيها المساواة الكاملة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.

ولم تكن الإشادة بالتجربة فقط أحد المكاسب المعنوية للمرأة العربية ، بل ذهب تقرير حديث للأمم المتحدة إلى مكسب ثالث وهو انتزاع شرعية المطالب بالأساس ، قائلا :” عضّدت مشاركة النساء في الحركات الوطنية من وضع المرأة،وأضفت شرعية على مطالبها في نظر المجتمع”.

انتقام ممنهج

وفي المقابل دفعت المرأة العربية ثمنا يصفه البعض بالغالي بسبب مساندتها الربيع العربي، حيث انطلقت الثورات المضادة برعاية السعودية والإمارات في العصف بها وبكل مكتسبات أوطانها من الثورات.

“ربيعنا لم يزهر ولم يخضر ولم ينور”، بهذا الوصف عبرت التونسية الدكتورة نائلة السيليني عن وضع المرأة العربية في دول الربيع العربي، في ورقة عمل قدمتها بالمنتدى النسوي الإقليمي الثاني الذي نظم في عمان بمشاركة عربية مع بداية الثورات المضادة في 2013.

واعتبر تقرير حديث للأمم المتحدة المرأة العربية أكبر ضحايا الثورات المضادة ، وقال :” مثلما شكلت النساء العرب طليعة الثورات، فقد كن أيضاً أكبر ضحايا الثورات المضادة، مما أدى إلى الانتقام منهن ، وباتت الأوضاع المتدهورة للمرأة نتيجة للثورات المضادة التي استخدمت أشكالاً مختلفة من القمع والعنف المسلح ومصادرة الأماكن العامة”.

وبسب عدم اكتمال الثورات ، يؤكد التقرير الأممي أنه على الرغم من مشاركتهن في طليعة مظاهرات الربيع العربي، إلا أنه من المحبط أن يتم تجاهل النساء في الترتيبات السياسية، وأن يكون وجودهن في أعلى المستويات الحكومية أقل مما ينبغي، مشددا على أن المشاركة المنخفضة جداً للنساء والشباب في الحكومات الانتقالية هي نتيجة للثورات غير المكتملة.

وبالإضافة إلى الإقصاء عن الدور السياسي ، كان الاعتقال والاستهداف المميت والعنف الجسدي والجنسي أبرز أدوات التنكيل بالنساء العربيات بعد انطلاق الربيع العربي وفق تقارير حقوقية متواترة.

 

ففي سوريا وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ما يزيد عن 24 ألفًا و700 أنثى في سوريا، منذ عام 2011، في تقرير بعنوان “المرأة السورية.. نصف المجتمع المحطم“، مشددة على أن الانتهاكات ضد المرأة السورية بلغت حد “جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب” ومن بينها الاغتصاب الممنهج.

 

وفي اليمن لم تتوقف ميليشيات الانقلاب عن ارتكاب العديد من الانتهاكات القمعية ضد المرأة، وفق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان الذي أوضح أن من بين الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيا الانقلابية ضد المرأة اليمنية، تشمل القتل، والإصابة، والتشويه، والاعتقالات، والتحرش الجنسي والعنف، وقتل أو جرح رؤوس الأسر المعيشية، وتشريد الآلاف من النساء.

وفي مصر أكدت “الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات”  في تقرير لها أن المرأة المصرية بعد ثورة 25 يناير تمضي إلى مزيد من التهميش والانتهاك، وظهرت التحرشات التى تعرضت لها النساء فى الميادين والشوارع، كأداة في أيدي سلطة الثورة المضادة لمنع المرأة من الفعاليات، ومن أبرز الضحايا الفتاة التي عرفت في مصر باسم “ست البنات”.

قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي استكمل في عهده ما بدأه في ميدان التحرير ضد المرأة ، حيث ارتقى ما يزيد عن 140 شهيدة في مواقع مختلفة في عهده ، ولا يزال العشرات من الفتيات والنساء من بينهن صحفيات في سجون السيسي، يواجهن أحكاما مختلفة بالسجن منها الإعدام ، كما وصل عدد السيدات والفتيات اللاتي أدرجت أسماؤهن على قوائم الإرهاب أكثر من 120 سيدة وفتاة، فيما وصلت جرائم النظام بحق النساء إلى الاغتصاب، وتقدر الأعداد إلى 50 حالة اغتصاب لنساء، تم توثيق 20 منها فقط، لظروف خاصة بالحالات، طبقا للجان الاستماع والشهادات.

وبجانب ذلك ، تورط السلفيون الموالون للسعودية ومنهم حزب النور بمصر ، في المخطط الانتقامي ضد المرأة ، حيث طالب بعد الثورة المصرية بمراجعة دور المرأة في المجتمع والمطالبة ببقائها في المنزل لتربية الأبناء وخدمة الزوج وهي نفس الأصوات تقريبا التي ترددت بحسب مراقبين في اليمن وفي ليبيا وحتى في تونس.

وفي دراسة صادرة عن منظمة المرأة العربية بعنوان:”المرأة العربية والديمقراطية” ، ترصد حالة المرأة فى الدول العربية قبل ثورات الربيع العربى وبعدها، فإن حالة المرأة العربية، فى معظم بلدان الدول التى مرت بالثورات، بدت فيها المرأة أنها “الضحية ” و”المعادلة الحرجة” أرجعتها الدراسة إلى عدة عوامل منها الاعتراف بأهمية حقوقها السياسية، وعدم رغبة الأطراف فى اتخاذ مواقف جادة حول قضاياها!.

التهديد وصل لترك الأوطان ، ورصدت حملات نسائية العديد من نماذج المهاجرات بعد أحداث الربيع العربي بسبب الملاحقات والتهديدات الأمنية والقضائية المعيبة ، ومنهن الصحفية المطلوبة للإعدام في مصر أسماء الخطيب ، والحقوقية المصرية شيماء مدبولي واليمنية أمل الباشا والسورية ياسمين مرعي.