العدسة – منصور عطية

بوادر أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق بين الجارتين الخليجيتين السعودية والكويت، خلفتها تصريحات مسيئة لوزير سعودي بحق آخر كويتي، على خلفية لقاء الأخير بأمير قطر وإشادته بمواقف الدوحة المساندة لبلاده.

تلك الأزمة تأتي في سياق اتهامات رسمية للكويت، من قِبل دول حصار قطر، بالانحياز لصالح الدوحة في الأزمة الخليجية الحالية، التي تلعب فيها الكويت دور الوسيط.

فإلى أي مدى يمكن أن تشكل تلك “الفتنة” القشة التي يمكن أن تودي بالكويت إلى أن تعاملها دول الحصار على غرار قطر؟.

تغريدة واستهجان

وعبرت الكويت عن أسفها واستهجانها لإساءة المستشار في الديوان الملكي السعودي، ورئيس هيئة الشباب والرياضة “تركي آل الشيخ”، إلى وزير التجارة والصناعة والدولة للشباب الكويتي خالد الروضان.

وقال خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي، في تصريحات صحفية الأربعاء، إن اللقاء مع السفير السعودي لدى بلاده عبد العزيز الفايز، تطرق إلى العلاقات الثنائية، موضحا أنه في إطار تلك العلاقات الأخوية “عبرنا عن الأسف والعتب للإساءة التي وجهت للفاضل الوزير خالد الروضان، الذي يحظى بثقة تامة وتقدير بالغ من الجميع”.

وأضاف عقب مشاركته السفارة الهندية احتفالها بالعيد الوطني: “إننا نؤكد رفضنا واستهجاننا لتلك الإساءة، لما تمثله من مساس بالعلاقات الأخوية الحميمة والمتميزة بين البلدين الشقيقين”.

وأضاف: “نحن على ثقة بأن الأشقاء في المملكة لن يقلوا عنا حرصا على علاقاتنا الأخوية، والبعد بها عن كل ما من شأنه المساس والإساءة لها”.

وكان “آل الشيخ” قد وصف في تغريدة على تويتر “الروضان” بـ”المرتزق” بعد أن عبر الوزير الكويتي عن تقديره لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لما قدمه من أجل رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية، خلال زيارة رسمية قاد فيها وفدا كويتيا إلى الدوحة.

وفضلأ عن هذه الأزمة، التي يمكن أن يكون لها ما بعدها في ظل صمت سعودي رسمي على إساءة آل الشيخ، فإن الفترة الماضية حفلت بمجموعة من الشواهد التي تصب في اتجاه توتر العلاقة بين الكويت والسعودية على وجه الخصوص، انطلاقا من مواقف الأولى بشأن الأزمة الخليجية وحصار قطر.

شواهد التوتر ووساطة منتهية

ففي نوفمبر الماضي، افتتح رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، الفريق الركن طيار غانم بن شاهين الغانم، ملحقية عسكرية لبلاده في الكويت.

واعتبر البيان الصادر عن وزارة الدفاع القطرية، أن افتتاح الملحقية “يعكس توسع المصالح المشتركة وما وصلت إليه آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين في جميع المجالات، لا سيما في المجال الدفاعي والتعاون العسكري”.

تعاون عسكري غير مسبوق بين قطر، أحد طرفي الأزمة، والكويت صاحبة دور الوساطة، يلقي بظلال الشك والريبة على هذا الدور إلى حد يصبح معه في عداد الموتى.

هذا الاستنتاج، يترافق مع اتهامات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الكويت بعدم الحياد في الأزمة الخليجية، وبأنها تتخذ موقفًا محابيًا لقطر.

ففي أواخر أكتوبر الماضي، نشر حساب “العهد الجديد” على تويتر، ما قال إنها تفاصيل ما جرى بين العاهل السعودي وأمير الكويت خلال زيارة الأخير للرياض، منتصف الشهر ذاته، لبحث تداعيات الأزمة الخليجية.

وقال الحساب الذي يعرف نفسه بأنه قريب من مراكز صنع القرار في السعودية، إن أمير الكويت “شعر بأنه لا يوجد حل للأزمة المتواصلة منذ شهور، وأن الدور قادم على الكويت”.

الملك سلمان، اتهم الكويت صراحة بعدم الحياد، وبأنها تتخذ موقفًا محابيًا لقطر، رغم أنها تقود جهود الوساطة بين دول الحصار وقطر منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي، وبحسب التغريدات، قال الملك للأمير: “إحنا نعرف موقفكم مع قطر وليس محايد، فرد عليه: يا طويل العمر، ما شفت كلمتي في المؤتمر الصحفي مع ترامب؟، قال: شفتها، وهي مع قطر”.

وأشار حساب “العهد الجديد” إلى أنه عقب محادثاتهما، جلس أمير الكويت على مأدبة الغداء وهو ضيق الصدر ولم يأكل، ليوصل إلى السعوديين رسالة احتجاج.

وبالتزامن مع افتتاح الملحقية العسكرية، نفت وزارة الدفاع الكويتية، الأنباء التي تداولتها وسائل إعلام ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حول وجود تحركات عسكرية (لم تسم مصدرها) تجاه البلاد.

وفي هذا السياق، لا يمكن نسيان الأزمة التي سببتها تصريحات أمير الكويت، بنجاح بلاده في منع عمل عسكري ضد قطر من جانب دول الحصار.

وفي المقابل، أصدرت دول حصار قطر بيانًا مشتركًا قالت فيه، إنها “تأسف على ما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري”، مؤكدة أن “الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحًا بأي حال، وأن الأزمة مع قطر ليست خلافًا خليجيًّا فحسب، لكنها مع عديد من الدول العربية والإسلامية”.

مخاوف لها جذور

المخاوف الكويتية من اللحاق بركب قطر في الحصار، أو ربما التعرض لعمل عسكري من قبل دول الحصار، تُرجمت على أرض الواقع ليس بالانسحاب من دور الوسيط، أو تعزيز التعاون مع قطر فقط.

بل كانت الترجمة الكويتية على لسان رأس الدولة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي وجّه عبر رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، في نوفمبر الماضي تزامنا مع التطورات سالفة البيان، رسالة للنواب دعا خلالها إلى الحرص على “الوحدة الوطنية” في ظل الظروف الإقليمية الراهنة، ونبه إلى خطورة الأوضاع في الخليج وأثرها على الكويت، مؤكدًا أنه لن يتردد في اتخاذ أي إجراء يحفظ أمن بلاده.

الأمير، قال في رسالته إنه وبالنظر للتطورات “الخطيرة المتسارعة” التي تعيشها المنطقة، فإنه من الضروري “الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية”، مشددًا على أنه “لن يتوانى بحكم مسؤولياته الدستورية عن اتخاذ أي قرار إذا اضطر إليه، يضمن للبلد أمنه واستقراره ويحفظ مستقبله”.

تلك المخاوف، ربما ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى الماضي، عندما شهدت العلاقات الكويتية السعودية أزمات كبيرة، ففي عام 1918، تعرضت الكويت لحصار اقتصادي، بسبب اعتقاد بريطانيا أن البضائع الكويتية التي كانت تصل للأتراك من دمشق محملة بالأسلحة التي يرسلها الكويتيون لدعم دولة الخلافة العثمانية، ما حدا ببريطانيا إلى فرض حصار قاسٍ على الكويت وأميرها آنذاك، الشيخ سالم المبارك الصباح.

ووفقًا للباحثة في التاريخ الكويتي، “زهرة ديكسون”، فإن أمير الكويت حينها كان يعتقد أن الحصار تم بإيعاز من الملك عبد العزيز آل سعود(مؤسس الدولة السعودية الثالثة)، وذلك لخنق الكويت تمهيدًا لضمها لدولته الناشئة، مما تسبب بفجوة بين الزعيمين، أدت في نهاية الأمر إلى “حرب الجهراء” التي قادها جنود غير نظاميين لابن سعود، عام 1920، انتهت بانتصار الكويتيين.

وبحسب تقارير إعلامية، فإن الملك عبد العزيز أعاد الحصار مرة أخرى وبشكل رسمي عام 1920، في محاولة منه لضرب اقتصاد دولة الكويت، وطلب من الأخيرة إقامة مركز جمركي على الحدود، أو دفع “إتاوة” له، وهو ما رفضه أمير الكويت.

وعلى وقع الحصار الذي امتد لما بعد تأسيس الدولة السعودية، اضطرت الكويت إلى توقيع الاتفاقية التجارية التي تمت برعاية بريطانية، بعدما انتزعت المملكة المتحدة ثلثي أراضي الكويت لصالح السعودية في إطار ما يعرف باتفاقية العقير عام 1922.

ثمة خلاف حدودي آخر يمكنه أن يساهم في تعزيز المخاوف الكويتية، أو يكون رقمًا هامًّا في الصراع المرتقب بين الجارتين الخليجيتين، خاصة أنها حدود غنية بالنفط.

ففي2007، وقع خلاف بين البلدين بشأن حقل البترول في منطقة “الخفجي” الحدودية المشتركة، كان أساسه أن الكويت لم تكن راضية عن تمديد السعودية لامتياز شركة “شيفرون” الأمريكية من عام 2009 حتى عام 2039.

وحاولت السعودية والكويت حل خلافهما أكثر من مرة بهدف إعادة الإنتاج في المنطقة المحايدة، غير أن الخلاف ظهر للسطح في مايو 2015، ولا تزال المباحثات جارية لحل الأزمة والتوصل إلى اتفاق يعيد الإنتاج لحقلي الخفجي والوفرة.