على مدار الأيام القليلة الماضية، لقد واجه النظام المصري حملة ضغط دولية فيما يخص ملف حقوق الإنسان، وقد تبين معالمها في أكثر من واقعة، حيث طالب نواب أميركيين بالتحقيق في ادعاءات استخدام مصر للمساعدات العسكرية، والتي قدمتها واشنطن للقاهرة، في قتل المدنيين، كما أصدرت اللجنة البرلمانية الإيطالية تقريرًا الأربعاء الماضي، والذي دان الأجهزة الأمنية المصرية، وأوصى بتحويل مصر للمحكمة الدولية، وذلك لخرقها ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالتعذيب، في مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني. كما قامت الخارجية الهولندية بإصدار تقرير يدين النظام المصري، ويصفه بأنه انقلاب عسكري جاء بانتخابات غير ديمقراطية، وذلك بالتوازي مع سلسلة التحقيقات التي نشرها موقع “ديسكلوز”، والتي تتحدث عن استهداف القوات الجوية المصرية مدنيين على الحدود الغربية مع ليبيا، واستخدام برامج تجسس فرنسية لمراقبة المعارضين واعتقالهم وتعذيبهم. 

في المقابل قام دبلوماسي مصري بتقليل خطورة الضغط الدولي وتأثيره على علاقات مصر الخارجية، وقال في تصريح صحفي، إن “الحكومة المصرية على مدار السنوات الثماني الماضية، قامت ببناء قوة دبلوماسية ناجحة في الخارج، تمكنها من إقامة علاقات إيجابية ناجحة مع جميع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، والتي تمكنها من شرح الوضع الذي تعيشه البلاد، والمخاطر التي تواجهها وأبرزها خطر الإرهاب”. وقلل من شأن القضايا التي أثيرت مؤخرًا في ملف حقوق الإنسان بمصر، واعتبر أن “جميعها لا تعبّر عن مواقف رسمية للدول، باستثناء التقرير الذي أصدرته الخارجية الهولندية، والذي سترد عليه الخارجية المصرية قريبًا”. وقال أن “الادعاءات حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر، معظمها أحاديث مُرسَلة تستند إلى معلومات غير دقيقة”، مؤكدًا أن مصر “تقوم بتوضيح الحقائق والمعلومات حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر لهذه الدول”. وأكد على “رفضه للاتهامات التي توجه لمصر والتي تعبّر عن توجه سياسي مضاد لمصر يتضمن مغالطات من دون أسانيد، ويتجاهل الجهود المصرية في مجال حقوق الإنسان في كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تم تحقيقه على هذا الصعيد خلال الأعوام الماضية”.

تحدث تقرير الخارجية الهولندية عن أحداث يوليو/ تموز عام ٢٠١٣، تحت عنوان “انتزاع السلطة من قبل الجيش”، وتناول “كيفية إطاحة الجيش بالرئيس السابق محمد مرسي واستيلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة، ثم قيام التظاهرات والاعتصامات ردًا على الانقلاب، والانتهاكات التي حدثت في تلك الفترة من قتل المتظاهرين”. ومن خلال موقعها الرسمي، اعتبرت الخارجية الهولندية أن الحكومة المصرية “مذنبة عندما قتلت ١١٥٠ متظاهراً في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وأن ما جرى في عام ٢٠١٣ هو انقلاب عسكري”. وأكد التقرير أنه بعد فض الميدانين واعتقال آلاف المتظاهرين، تم حظر جماعة الإخوان المسلمين. ووصف انتخاب السيسي في مايو/ أيار ٢٠١٤ بأنه “عملية غير ديمقراطية”، أتت في سياق “قمع المعارضين”، وأضاف أنه في ٢٠١٨ تمت إعادة انتخاب السيسي في انتخابات “أعرب فيها خصمه الوحيد عن دعمه له”.

من ناحية أخرى، قام سياسي مصري سابق بانتقاد سياسة الحكومة المصرية في التعامل مع الانتقادات الخارجية التي توجه لمصر في مجال حقوق الإنسان. وصرح أن “الحكومة المصرية لم تعمل بجد على مدار السنوات الماضية، سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي، لإثبات قدرتها على التعامل مع هذه المواقف. كما أنها لم تنجح في إثبات وجهة نظرها في قضايا حقوق الإنسان، نظرًا لتجاهل القضية داخلياً والتعامل معها باعتبارها قضية ثانوية ليس لها قيمة، والضغط الخارجي المتواصل -والذي يعتمد على دراسات وأبحاث علمية وإحصائيات- يثبت مدى فشل النظام في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. فالدبلوماسية المصرية الحالية تكتفي بسياسة الإنكار”.

وأشار أيضًا إلى أن حكومة السيسي ” تعتمد فقط على الخدمات التي تقدمها الدول الغربية، سواء في مجال شراء الأسلحة، أو في مجالات أخرى يحتاج الغرب فيها إلى مصر، مثل مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي دائماً ما تؤرق الغرب”.

وأضاف أيضًا أن “هناك ملفاً آخر غاية في الأهمية بالنسبة لأي إدارة أميركية، وهو ملف حفظ الأمن في قطاع غزة والأراضي المحتلة، وهو الدور الذي تقوم به مصر بشكل جيد بما يناسب إسرائيل وأميركا، وهذا الذي يجعل أي حكومة أمريكية تتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وتترك المجال فقط لبعض نواب الكونجرس، كما حدث الأسبوع الماضي”.

وأشار الدبلوماسي السابق أيضًا إلى أن “سياسة مصر الخارجية تجاه الانتقادات لا تخرج عن إطار التجاهل والإنكار التام، والاعتماد على ما تقدمه للدول الغربية من خدمات، والتي توفر للحكومة المصرية الحماية من أي تساؤل جدي في ملف حقوق الإنسان، وهو بالطبع موقف غير جيد على المدى الطويل”. وأوضح أنه “مع تراكم القضايا التي لا تنظر فيها الحكومة المصرية بجدية، ومع احتمالية تضاؤل قدرة النظام المصري على الوفاء بالتزاماته تجاه الدول الغربية، يمكن أن تواجه الحكومة المصرية مشكلات جدية في المستقبل، والتي قد تؤثر على وجودها من الأساس”.

يوم الأربعاء الماضي، أصدر ما يسمى “تكتل حقوق الإنسان في مصر” في الكونجرس الأمريكي بيانًا، اعتبر فيه أنه “يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ فورًا في التحقيق في ادعاءات إساءة القوات الجوية المصرية استخدام المساعدات الأميركية، والتي هي مدعومة من أموال دافعي الضرائب لقتل مهربين، باستخدام طائرات أف ١٦ وسيسنا ٢٠٨ الأميركية، ويعد ذلك انتهاكًا للقانون الأميركي والعقود الموقعة مع الولايات المتحدة”. وأشار البيان إلى ما نشره موقع “ديسكلوز” الفرنسي في سلسلة تحقيقات سماها “أوراق مصر”، اعتمد فيها على وثائق عسكرية فرنسية سرية، وجاء فيها أن القوات المصرية من الممكن أن تكون قد شنت غارات جوية دقيقة ضد مهربين مشتبه بهم في الصحراء الغربية. ووصف ذلك بأنه “انتهاك خطير للقانون الدولي، ولشروط العقد التي تحظر استخدام المعدات الأميركية في انتهاكات حقوق الإنسان”. 

وقام حقوقي مصري بارز في تصريحات صحفية بتأكيد ما قاله الدبلوماسي المصري السابق، موضحًا أن “الحكومة المصرية لا تهتم بتاتًا بالانتقادات التي توجهها مؤسسات وهيئات دولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، والدليل أنه مع تزايد حدة هذه الانتقادات في الأيام القلية الماضية، يحافظ النظام المصري على نفس الدرجة من العنف تجاه المعتقلين السياسيين، ونفس القدر من مطاردة أي شخص يشتبه في أنه معارض للنظام واعتقاله”. وقال أيضًا ” أنه مؤخرًا تم القبض على مواطنين مصريين في مطار القاهرة، عادل حسين ثابت دهشان ٤١ عامًا، والذي يعمل اختصاصي تخدير وعناية مركزة في مستشفى في الإمارات، وحسام حسين عبد الحميد إبراهيم ٥٣ عامًا، والذي يعمل مدير مشتريات في فرع مختص بالمزارع والحدائق في شركة سعودية. وقررت نيابة أمن الدولة حبسهما على ذمة القضية ٢٠٠٠ لسنة ٢٠٢١ حصر أمن دولة عليا، باتهامات الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، وأضاف مؤكدًا أن “الحكومة المصرية تصر على ملاحقة أي شخص يشتبه في معارضته للنظام”.