في عام 2018، قرر الرئيس دونالد ترامب نقل سفارة الولايات المتحدة في فلسطين المحتلة من تل أبيب إلى القدس. في الوقت نفسه، دمج ترامب القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، التي كانت بمثابة نقطة اتصال دبلوماسي مع السلطة الفلسطينية في السفارة. من بين جميع قرارات ترامب، كان نقل السفارة وتقليص نقطة الاتصال مع السلطة الفلسطينية قرارًا لم يتمكن الفلسطينيون من تحمله، ولذلك قاموا بقطع الاتصالات مع واشنطن.

تولى جو بايدن منصبه بهدف يتمثل في استئناف المناقشات مع كل من الكيان الصهيوني والفلسطينيين بهدف التوصل إلى حل الدولتين، والذي يعتقد عدد قليل من الناس أنه من الممكن حدوث ذلك. في مايو الماضي، تعهد بايدن بإعادة فتح القنصلية، وفي سبتمبر الماضي، حثه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية على تسريع العملية.

لكن إسرائيل كانت حازمة أثناء معارضتها للفكرة، وفي الأسبوع الماضي، وضعت إدارة بايدن الفكرة على الرف، حيث لم تحرز تقدمًا بأي شكل من الأشكال.

وردًا على ذلك، غرد خالد الجندي، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط، “إذا كنت بحاجة إلى دليل على أن حل الدولتين قد مات، ها هو الدليل. إذا لم تتمكن الولايات المتحدة حتى من حشد الإرادة لإعادة فتح قنصليتها، فكيف يتخيل أي شخص أن هذه الحكومة الأمريكية أو أي إدارة أمريكية ستقنع إسرائيل بتقسيم القدس وتسليم كل أو معظم الضفة الغربية وإجلاء ما لا يقل عن 200000 مستوطن؟”

وجهة نظر الجندي مهمة، لكنها تثير التساؤل حول كيف ستحاول واشنطن إعادة فتح القنصلية رغم اعتراضات إسرائيل.  فليس من السهل إنشاء مكتب دبلوماسي بينما تعترض الحكومة التي تسيطر على تلك المنطقة، أي إسرائيل.

 أوضحت لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط أن “البعثة الدبلوماسية تعمل، بالمعنى الحرفي للكلمة، كجزيرة ذات سيادة أجنبية داخل أراضي البلد المضيف، ويعمل بها دبلوماسيون أجانب يتمتعون (في الغالب) بحصانة من  الولاية القضائية للحكومة المضيفة، ودخول تلك السفارات بالقوة سيكون بمثابة هجوم على البلد نفسه”.

بعبارة أخرى، فإن أي بعثة دبلوماسية، سواء كانت تسمى سفارة أو قنصلية أو أي اسم آخر، هي في الأساس قطعة صغيرة من الأرض يتنازل عنها البلد المضيف لدولة أخرى. لا تستطيع الولايات المتحدة ولن تقوم بالقوة بإنشاء مثل هذا المكتب دون إذن من الدولة المضيفة، وهي لن تفعل ذلك مع أي دولة سواء كانت صديق أو عدو، وبالتأكيد لن تفعل ذلك في دولة تربطها بها “علاقة خاصة” مثل إسرائيل. سيكون هذا في الأساس غزوًا، أي أنه عمل من أعمال الحرب.

 حتى إذا قررت دولة ما، بما أن القدس الشرقية هي أرض محتلة بموجب القانون الدولي، أن تمضي قدمًا في إنشاء مثل هذا المكتب -وهو أمر لن تفكر فيه الولايات المتحدة أبدًا- فإن المخاوف العملية ستجعل هذا مستحيلًا، كما توضح فريدمان.

وكتبت أيضًا أن “الدولة المضيفة فقط هي التي يمكنها أن تقرر ما إذا كانت ستصدر تأشيرات دبلوماسية للأشخاص المرسلين من دولة أجنبية، وبدون هذه التأشيرات لا توجد حصانة دبلوماسية لهم، وبالتالي لن ترسل الولايات المتحدة دبلوماسيين إلى الخارج في مثل هذه الحالة”.

 في حين أنه لم يكن من الممكن أبدًا للقنصلية أن تفتح أبوابها بسبب اعتراض إسرائيل، إلا أن هذا لا يعني أن اعتراضها كان كاف لإغلاق القضية، إذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة بفتح القنصلية، فهي تملك طرق على الأقل لمحاولة الضغط على إسرائيل. ولكن كما أوضحت فريدمان، فإنه لا يوجد ما يشير على وجود أي محاولة جادة لتغيير الموقف الإسرائيلي.

 تمكنت إدارة بايدن من إحياء بعض المناقشات مع السلطة الفلسطينية، ولكن تم إبعاد ذلك إلى حد كبير عن القضايا الفنية والاقتصادية، مع عدم وجود مناقشة تقريبًا للدبلوماسية رفيعة المستوى.

عندما تم دمج القنصلية مع السفارة، تم وضع الجهود الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية تحت رعاية “وحدة شؤون فلسطين” داخل السفارة. إن رمزية ذلك التقليص هي الحاسمة بالنسبة للفلسطينيين، واستعادة القنصلية هي الطريقة الواقعية الوحيدة لمعالجة هذه المشكلة، لكنها كانت دائمًا معركة شاقة.

إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي ائتلاف ضعيف، يقوده، في الوقت الحالي، عضوها الأكثر يمينية نفتالي بينيت، ولكن في حين أن الكثير من اليمين الإسرائيلي يجلس خارج هذا الائتلاف، إلا أن معظم الائتلاف الحاكم لا يزال يعتز بحقيقة أن نقل ترامب للسفارة من تل أبيب إلى القدس يعتبر اعتراف بالمدينة بأكملها بحكم الأمر الواقع كعاصمة لفلسطين المحتلة.

 إن منح الفلسطينيين حضورًا سياسيًا متجددًا في المدينة في شكل بعثة أمريكية تُركز على السلطة الفلسطينية، لن يحظى بشعبية كبيرة لدى معظم الجمهور الإسرائيلي، بما في ذلك معظم مؤيدي الائتلاف الحاكم الحالي. فإن بينيت لن يستطيع ببساطة الموافقة على مثل هذا الشيء، حتى لو أراد ذلك.

 من ناحية أخرى، إذا كان بايدن جادًا في إحياء أي نوع من عمليات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، أو حتى إصلاح الخرق الذي قام ترامب بتوسيعه إلى حد كبير، فعليه أن يعطي الرئيس الفلسطيني محمود عباس طريقة ما ليثبت لعدد مؤيديه المتضائل أنه لا يزال هناك أمل في حدوث مفاوضات بوساطة الولايات المتحدة.

وهذا هو المكان الذي تكون فيه ملاحظة الجنيدي وثيقة الصلة بالموضوع، فإذا لم يدرك بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكين أن إسرائيل لن تكون مستعدة على الفور للسماح بإعادة فتح القنصلية، فإن هذا يثير تساؤلًا جادًا حول استعدادهما للتعامل مع حليفهما الشائك أحيانًا، أما إذا كانوا مدركين هذا الأمر، لكنهم لم يكونوا مستعدين للضغط على حكومة بينيت، فلن ينجحوا أبدًا في إقناع إسرائيل بالتراجع، وهذا ما يثير التساؤل حول سبب قولهم إنهم سيفعلون ذلك على كل حال من الأحوال.

لذا فإن الجندي يسأل جديًا إذا كانت إدارة بايدن غير راغبة في الضغط على إسرائيل بشأن هذه النقطة، فمن المؤكد أنها لن تضغط على الأسئلة الأكثر تعقيدًا وصعوبة، والتي يعتمد عليها حل الدولتين.

 بعد كل شيء، فإن إعادة فتح القنصلية لن تؤدي إلا إلى استعادة جزء صغير نسبيًا من الوضع السابق، قبل أن يقلب ترامب عقودًا من التفاهم الهش بشأن قضية القدس.

 في مقال رأي نُشر هذا الأسبوع، اقترحت مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات” أن إدارة بايدن يجب أن تفعل ما فعلته تمامًا، أي لا شيء، وتأمل ببساطة أن “تنتهي القضية”.

بالطبع ، تدرك المؤسسة أن هذه القضية لا يمكن أن “تنتهي” فقط، فقد قام ترامب بتغيير كبير في الوضع الراهن في القدس، وأزال بشكل أساسي الرمز الأمريكي الوحيد الذي يعترف بأن مطالبة الفلسطينيين، وكذلك الإسرائيليين بمدينة القدس لا تزال قضية بحاجة إلى اتخاذ قرار حولها.

إن ترك الوضع كما هو يشل قدرة واشنطن على التوسط في المحادثات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول حل الدولتين أو أي حل آخر، والذي يناسب كل من إسرائيل ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD).

إذا رغبت الولايات المتحدة، أو أي طرف آخر، في رؤية الفلسطينيين والإسرائيليين يعودون إلى طاولة المفاوضات معًا، فسيتعين عليهم إيجاد طريقة لإقناع إسرائيل بالسماح للفلسطينيين بصوت متساو في تلك المحادثات.

مع عدم التراجع عن إجراء ترامب الذي دفع الفلسطينيين بعيدًا عن القدس، ومع عدم الاستعداد لممارسة أقل الضغوط على إسرائيل كما فعلت الإدارات الأمريكية السابقة، يجعل هذا الجنيدي محقًا في اعتقاده أنه لا يوجد أمل في أي حل تفاوضي.