العدسة – أحمد فارس

 

وقف وسط جنوده حاملًا علم العراق، معلنًا تحرير الموصل بالكامل من عناصر تنظيم “داعش”، قبل عام من الآن، أو هكذا ظنَّ حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، عقب السيطرة على عاصمة التنظيم.

ربما ظنَّت الحكومة العراقية، أنه بطرد عناصر “داعش” من الموصل، أن التنظيم انتهى إلى الأبد على الأقل داخل العراق، ولكن اتّضح على مدار عام كامل من إعلان تحرير المدينة، أنها كانت مجرد “أوهام”، ذهبت مع الريح، مع عمليات متواصلة لعناصر التنظيم.

ولكن ما حقيقة وضع تنظيم “داعش” في العراق الآن؟ وإلى أي حد يمكن استمرار الوضع المضطرب القائم؟

 

عام على التحرير

 

بدأ الجيش العراقي مدعومًا بشكل أساسي بميليشيات “الحشد الشعبي”، التي أضحت وفقًا للقانون العراقي جزءًا من قوى الأمن هناك، في مواجهة النفوذ المتزايد لتنظيم “داعش” خلال الأعوام القليل الماضية، وتحديدًا عقب سيطرته على مدينة الموصل وعدة مدن أخرى، وإعلان التنظيم ما اعتبره “خلافة إسلامية” عام 2014.

تقدّم كبير أحرزه التنظيم في العراق حتى وصل على مشارف بغداد، قبل أن يتشكل الحشد الشعبي بصورته الحالية– أغلب عناصره من الشيعة- لحماية المحافظات ذات الأغلبية الشيعية.

تنسيق وتحضيرات مع التحالف الدولي لمواجهة “داعش” بقيادة أمريكا، لدعم جوي لتحركات القوات والميليشيات على الأرض، لدعم تلك العمليات لمواجهة التنظيم، وبالفعل تقدّم الجيش العراقي باتجاه عاصمة “داعش” في الموصل.

ونجحت تلك القوات في السيطرة على مدينة الموصل، قبل عام، ظنوا بذلك أنّ “داعش” قد هزم تمامًا أمام جحافل الجيش العراقي والميليشيات الشيعية، ولكن كانت علامة استفهام واضحة منذ دخول المدينة والسيطرة عليها، أين اختفت عناصر التنظيم من المدينة؟

عام كامل مرَّ على تحرير الموصل من يد عناصر “داعش”، ولكن لم تعُد الحياة كما كانت قبل المواجهات التي استمرَّت بضعة أشهر، منذ أواخر عام 2016 وتحديدًا شهر أكتوبر، وحتى يوليو العام الماضي.

عملية لم تكن سهلة على الإطلاق إذ استمرَّت نحو 9 أشهر تقريبًا من إعلان إطلاقها– بغضّ النظر عن بدء العمليات فعليًا- شارك فيها قوات من البشمركة، بعدد قوات يقدَّر بـ 100 ألف حسبما أعلنت وسائل إعلام عراقية.

ولكن فترة الـ 9 أشهر، كانت كفيلة بإحراج العراق، نظرًا لكثرة عدد القوات المشاركة في الهجوم على مواقع تنظيم “داعش”.

أعلن حيدر العبادي، في 10 يوليو 2017، انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم “داعش”.

ويبدو أنَّ العبادي ورجاله والميليشيات المشاركة في تحرير الموصل، ظنوا أنهم باستعادة السيطرة على المدينة انتهى التنظيم المسلح، ولكن طرد عناصر “داعش” ليس نصرًا كبيرًا، بقدر ما هو انتصار معنوي، وهو ما اتضح لاحقًا.

 

عمليات داعش مستمرة!

هدأت عمليات تنظيم “داعش” قليلًا بعد إعلان تحرير الموصل من قبضة التنظيم المسلح، ولكن لم يمرَّ وقت طويل، حتى حاول التنظيم تدارك ما حدث، وجمع شمله أو ما تبقى منه، استعدادًا لمرحلة جديدة.

تحليلات كثيرة ذهبت إلى انتهاء تنظيم داعش، ولكن ثمة آراء طالبت بعدم استعجال الشعور بالفرح بالقضاء على التنظيم، خاصة وأن عناصره ليس لها وجود داخل المدينة، بما يعني أنهم هربوا خلال عملية الحصار، والمعارك.

أدرك التنظيم خطأ الاستمرار على نفس النهج القديم في السيطرة على المدن في ظل تفوق نوعي من خلال الطائرات، أي أنه عاد إلى الطريقة القديمة التقليدية؛ وجود مجموعات مسلحة في مناطق مختلفة، يصعب استهدافها لعدم وجود أعداد كبيرة، ثم الانطلاق لتنفيذ عمليات مسلحة داخل العراق.

الحكومة العراقية كان لديها تصميم على ملاحقة عناصر “داعش” الهاربة، باتجاه صحراء الأنبار، والحدود العراقية السورية، خلال العام الماضي، وبالفعل كثّف الجيش العراقي والتحالف الدولي من القصف الجوي مع تقدُّم قوات على الأرض.

وخلال شهر نوفمبر الماضي، أعلنت القوات العراقية، فرض كامل سيطرتها على راوة، آخر البلدات التي كانت خاضعة لتنظيم داعش في البلاد، غربًا بمحاذاة الحدود مع سوريا، حيث يتعرض المتطرفون لهجوم في آخر أكبر معاقلهم.

 

وتعدّ راوة الواقعة في محافظة الأنبار الغربية آخر منطقة كانت توجد فيها هيكلية حاكمة وعسكرية وإدارية للتنظيم، لكن لا تزال هناك جيوب أخرى فرّ إليها عناصر التنظيم في المناطق المجاورة، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

صحيح أن التنظيم فقد سيطرته على مناطق واسعة كانت تحت يده منذ عام 2014، إلا أن التنظيم لا يزال متواجدًا على الساحة العراقية.

ويكاد لا يمر يوم واحد على العراق، إلا وتشهد بعض محافظاته عمليات إرهابية من قبل تنظيم “داعش”، كان آخرها مقتل اثنين من حراس آبار النفط.

وهاجمت عناصر “داعش” منطقة النفط في محافظة كركوك شمال العراق، بحسب النقيب حامد العبيدي، من شرطة كركوك.

ونقلت وكالة الأناضول عن العبيدي، أن مسلحي داعش قتلوا اثنين من الحراس وأصابوا 4 آخرين بجروح، قبل أن يلوذوا بالفرار قبل وصول تعزيزات الأمن.

بخلاف الهجوم الأخير، فإن التنظيم وعبر خلاياه يستمر في تنفيذ عملياته الإرهابية في عدة محافظات، دون قدرة الجيش العراقي وقوات الأمن على تفكيك هذه الخلايا.

وهذا يقودنا إلى الجزم بأن تنظيم “داعش” لم ينتهِ من العراق تمامًا، حتى يقرر الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي، ملاحقة عناصر التنظيم في سوريا.

ولا يمكن القول بأن هزيمة التنظيم في الموصل، هي نهاية “داعش” في العراق، ولكن أفكار التنظيم موجودة في العراق منذ سنوات طويلة.

 

عقبات كبيرة

ويواجه اقتلاع جذور تنظيم “داعش” من العراق، عقبات كبيرة، وحتى مع إنهاء تلك العقبات سيظلّ الوضع مضطربًا بعض الشيء، لإنهاء وجود خلاياه.

أبرز العقبات هو البُعد الطائفي في العراق والذي ظهر بوضوح عقب الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وصعود المكوّن الشيعي، وتوغله في إدارة الدولة، بدعم إيراني بالتأكيد.

ولعبت هذه الطائفية منذ سنوات طويلة، في إفراز نموذج أكثر تشددًا من تنظيمات جهادية وعلى رأسها تنظيم “القاعدة”، بما يعني أنه طالما أن البعد الطائفي لا يزال حاضرًا في المشهد العراقي، سيتواجد “داعش”، وبشكل آخر يمكن أن تظهر مجموعات منبثقة عن التنظيم قد تتمتع باستقلال عنه، ولكن تحمل نفس الأفكار.

كما أن تواجد تنظيم “داعش” في العراق، يعد نقطة ارتكاز أساسي ومهد هذه الأفكار المتطرفة، مما يجعل من الصعب التصديق بسهولة اقتلاع جذور “داعش”.

وتهتم الحكومة العراقية بالملاحقة العسكرية الأمنية لعناصر “داعش”، دون التفكير في مواجهة فكرية لأفكاره في المناطق التي كانت تحت سيطرته، باعتبار أن بعض سكان هذه المناطق تشبعوا بهذه الأفكار، ولكن غير نشطين، بما يستدعي تفكيك هذه الأخبار بلا عنف.

شعور عناصر “داعش” بالهزيمة الكبيرة بالخروج من الموصل، التي كانوا يعتبرونها عاصمة خلافتهم، يجعل من ردّ الفعل انتقاميًا دمويًا، بما يعني القتال بكل ما لديهم من قوة في إنزال خسائر في صفوف القوات المشاركة في هزيمتهم.

الحكومة العراقية مطالبة في هذه المرحلة بتغيير الاستراتيجية التقليدية في مواجهة التنظيم، خاصة وأنه غيّر استراتيجيته من الظهور والسيطرة، إلى الاختباء وتنفيذ عمليات خاطفة، لظروف قلة العدد والعتاد، بما يستدعي الاعتماد على المعلومات في تفكيك هذه الخلايا التي انتشرت في عدة محافظات عراقية.