بعد مرور ساعات على شن روسيا هجمات جوية وبرية على أوكرانيا صباح الخميس الماضي، قدمت الحكومة الأوكرانية طلبًا رسميًا لنظيرتها التركية، تطالبها فيها بإغلاق المضائق التركية أمام السفن الروسية.

وحسب وكالة “رويترز” للأنباء، فقد قال السفير الأوكراني لدى أنقرة، فاسيل بودنار، إن بلاده طلبت من تركيا إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الروسية، كما أبدى رغبة بلاده في فرض عقوبات على موسكو، بعد أن شنت روسيا هجمات جوية وبرية على جارتها. 

ومن جانبها، قالت تركيا إنها لا تريد المزيد من التصعيد ودعت روسيا إلى وقف جميع تحركاتها في أوكرانيا. وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر جليك، إن بلاده “درست جميع السيناريوهات الممكنة فيما يتعلق باتفاقية مونترو. وتم القيام بكافة الاستعدادات القانونية والدبلوماسية، مضيفًا: “سنواصل متابعة التطورات”، ومؤكدًا أن أنقرة تراقب الآثار الاقتصادية والسياسية المحتملة والآثار ذات الصلة للعدوان الروسي المستمر على أوكرانيا.

 

تركيا في موقف متأزم 

ويضع الطلب الأوكراني من تركيا بغلق مضائقها البحرية أمام السفن الروسية في مأزق صعب. فتركيا، التي تعد القوة الأبرز في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد أمريكا، تتمتع بعلاقات جيدة مع كلا البلدين، وقد وضعت نفسها – فيما يبدو- كوسيط محايد لحل الأزمة سلميًا، مما يجعلها لاعبًا أساسيًا في الصراع الحالي.

وبموجب اتفاقية مونترو لعام 1936، تسيطر أنقرة على المضائق ويمكن أن تحد من عبور أي سفينة – مدنية أو عسكرية – أثناء الحرب أو في حالة التهديد.

وللتوضيح، فإنه قبل اتفاقية مونترو، كانت المضايق التركية تنظم من قِبل اتفاقية لوزان الموقعة عام 1923 ، والتي أرست بعض القواعد حول كيفية استخدام السفن العسكرية للمضائق. وفي عام 1933 وصل أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا وتعهد باتباع سياسات توسعية، ليأتي عام 1936 ، وتجتمع بريطانيا والاتحاد السوفيتي وتركيا في مونترو بسويسرا ويوافقوا على إعادة المضائق (البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة) إلى السيطرة التركية.

وقد تم التصديق على اتفاقية مونترو من قبل تركيا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي وبلغاريا واليونان وألمانيا ويوغوسلافيا واليابان.

ورغم هذا التصديق، كانت هناك مواقف متباينة بشكل واضح في هذا التجمع، حيث أرادت تركيا إعادة تسليح المنطقة والسيطرة على المضائق بقدر الإمكان؛ بينما أراد الاتحاد السوفيتي أن يُمنح مرورًا غير مقيد حتى يتمكن أسطوله في البحر الأسود من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط ​؛ وأراد البريطانيون فرض بعض القيود على نفوذ الاتحاد السوفيتي في البحر الأبيض المتوسط.

 

قواعد حاكمة للمضائق

وقد انتهى الاتفاق على حل وسط -إن جاز التعبير- بين هذه الاعتبارات الثلاثة. حيث يضمن الاتفاق حرية مرور السفن المدنية لاستخدام المضائق التركية، ما لم تكن من دولة تخوض حربًا مع تركيا، فإذا كانت تلك الدولة تخوض حربًا مع تركيا، فإن للأخيرة سلطة إغلاق المضائق أمام جميع السفن التجارية إذا اختارت ذلك.

هذا فيما يخص السفن التجارية، أما مع السفن الحربية، فقد كان هناك المزيد من القيود. حيث تنص الاتفاقية أنه إذا كانت تركيا في حالة حرب، فمن حق أنقرة أن تفعل كل ما هو ضروري، بما في ذلك إغلاق المضائق. أما إذا كانت الدول الأخرى في حالة حرب وكانت تركيا محايدة، ففي هذا الوقت تغلق المضائق أمام تلك الدول المتحاربة.

وفي زمن السلم، تكون القواعد أكثر تعقيدًا بعض الشيء. حيث لا تسمح الاتفاقية بعبور حاملات الطائرات، لكنها لا تذكر السفن المصممة لأغراض أخرى ولكن يمكنها أيضًا حمل الطائرات. وفي هذه الحالة، تعد أنقرة هي صانع القرار النهائي اعتمادًا على أوقات الحرب والسلام. أما بالنسبة للطائرات،  فيجب أن تأذن الحكومة التركية أيضًا للطائرات إذا عبرت المضيق.

كما لا يُسمح للغواصات بعبور المضائق التركية. لكن دول البحر الأسود -روسيا وأوكرانيا وبلغاريا ورومانيا وجورجيا- لها وضع خاص، بحيث يمكنها بناء غواصات خارج البحر الأسود ونقلها عبر المضائق، ويمكنها كذلك الخروج من البحر الأسود للصيانة بعد إرسال إشعار خلال وقت مناسب للقيادة التركية.

 

تركيا تفتح احتمالية حظر السفن

بدوره، شدد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، على أن الخبراء يعملون على تحديد ما إذا كان هناك حرب شاملة. وأضاف أنه إذا قررت أنقرة أنها حرب، فيمكنها حظر السفن، مشيرًا إلى أن تركيا ليست جزءًا من أي حرب.، إلا أنه عاد وقال: “لكن حتى لو حظرنا مرور السفن ، فإن للروس حق [المرور]. فخلال المفاوضات، عدلت روسيا هذا البند، وأصبحت تننظمه المواد 19 و 20 و 21”.

وربما يشير هنا تشاووش أوغلو إلى أن الاستثناء الذي تتمتع به الدول المطلة على البحر الأسود. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لسفن دولة غير تابعة للبحر الأسود أن تتجاوز إجمالي 30000 طن في أي وقت، ويُسمح لها بالبقاء في المنطقة لمدة لا تزيد عن 21 يومًا. بينما يمكن للسفن الحربية التابعة لدول البحر الأسود التي يزيد وزنها عن 15000 طن أن تعبر المضيق بمفردها، بمرافقة ما لا يزيد عن مدمرتين بعد وجود إشعار مسبق.

ويجب على جميع الدول غير المطلة على البحر الأسود الراغبة في إرسال سفن أن تقدم إشعارًا لمدة 15 يومًا إلى أنقرة للمرور، بينما يتعين على دول البحر الأسود تقديم إشعار لمدة 8 أيام.

 

تركيا تدعم أوكرانيا.. ولكن!

ومنذ اندلاع التوترات بشأن أوكرانيا، أكد المسؤولون الأتراك أن اتفاقية مونترو تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على السلام في المنطقة، لكن لم يكن هناك أي تحديد للموقف الذي ستتخذه تركيا إذا اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

ويوم الثلاثاء الماضي، وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان اعتراف نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بالمناطق الانفصالية في أوكرانيا بأنه “غير مقبول” وانتهاك واضح لسيادة أوكرانيا. وفي أعقاب الهجوم الروسي اليوم على أوكرانيا، غرد الرئيس التركي قائلًا إن “تركيا تدعم كفاح أوكرانيا لحماية وحدة أراضيها” و “يأسف” لأن الجانبين تربطهما علاقات وثيقة مع أنقرة “وجهًا لوجه بهذه الطريقة”.

إذن، فإن هناك مواد في الاتفاقية تخول تركيا بقطع الطريق أمام السفن الروسية، خاصة إذا اعتبرتها تركيا محاربة لها، ولكن في المقابل، هناك وضع خاص لدول البحر الأسود، ومنها روسيا، للمرور من المضائق بما في ذلك السفن الحربية. ولذلك، فإن قطع طريق السفن أمام الروس سيكون بمثابة وضع تركيا نفسها بشكل فعلي على أرض الواقع في طرف أوكرانيا في الحرب.

ولذلك، يبدو من تصريحات المسؤولين الأتراك أن السياسة هي من ستحدد موقف تركيا من الحرب، وليس ما تنص عليه اتفاقية مونترو. فحتى الآن، تريد تركيا أن تلعب دور الوسيط، رغم أنها معارضة للغزو الروسي، وربما ذلك بسبب العلاقات والمصالح الاقتصادية والجيوسياسية التي تربط أنقرة بكلتا الدولتين.