العدسة – ياسين وجدي:

على مفترق طرق ، باتت العلاقات السعودية الأمريكية تقف مترقبة وكاتمة أنفاسها في انتظار المصير، بالتزامن مع ترقب مضاد في “روسيا” و”الصين” اللذان تتحدث مؤشرات وسيناريوهات وتصريحات عن أنهما قد يكونان بديلا “الولايات المتحدة الأمريكية” في التحالف مع السعودية عما قريب.

الدلالات على هذه الحالة المرصودة ، باتت لافتة ، والحركة في المعسكر الأمريكي بقيادة روح التاجر لدى الرئيس دونالد ترامب لازالت تقاوم رغبة دوائر صناعة القرار مع قرب الانتخابات في إنزال العقوبات على الرياض والتخلص من ولي العهد المتورط في الدماء ، وهو ما نرصده ونستشرف مآلاته في ضوء المؤشرات الحالية.

دلالات كاشفة !!

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحسب معلومات موثقة أخبر الروس والصينيين أن أمريكا باتت ألد أعدائه ، وقد تبدو المعلومات متوازية ومتناسقة بحسب مراقبين مع المدفعية الثقيلة التي وجهت إلى ولي العهد السعودي من أروقة صنع القرار الأمريكي ، والتي وصلت إلى نسف حلمه الأساسي بالصعود إلى عرش أبيه، وهو ما ظهر بوضوح عبر السيناتور ليندسي جراهام المقرب من الرئيس الأمريكي عندما طلب بإقصاء ” بن سلمان”  عن الحكم في المملكة كشرط لتفعيل العلاقات .

 

التغيير بات خيارا مطروحا في العلن وله دلالاته ، وفي مقدمتها ما جرى عمليا من تجاوز الملك سلمان بن عبد العزيز التهديدات المحتملة وقيادته الدفة نحو روسيا ، وفي مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، تجاهل العاهل السعودي أسئلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكررة عن جثة الصحفي الراحل جمال خاشقجي والهجوم الأمريكي ، وطمأن الكرملين على كل شيء وفق ما جاء في المكالمة ، مؤكدا تصميم حكومة البلاد أن يتم محاسبة من تثبت إدانتهم وأن ينالوا جزاءهم الرادع.

لم يكتف الملك السعودي بالرد على أسئلة البيت الأبيض في الكرملين ، ولكن بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) ، فإنه استعراض العلاقات المتميزة بين البلدين ومجالات التعاون والتنسيق القائمة بين المملكة وروسيا وفرص تطويرها”، وهنا نقطة الانطلاق الجديدة وفق المراقبين.

في الناحية الأخرى ، كشف بيان المكتب الإعلامي للرئاسة الروسية الصادر عقب المكالمة أن الجانبين “بحثا بالتفصيل مسألة مواصلة تطوير التعاون الثنائي المتعدد الأصعدة بين البلدين، بما في ذلك في مجال الطاقة” موضحا أنه خلال الحديث جدد الملك سلمان دعوته للرئيس الروسي إلى زيارة المملكة، حيث اتفق الجانبان على العمل عبر القنوات الدبلوماسية على وضع أطر زمنية للزيارة، والأبرز أن الكرملين أوضح أن الاتصال الهاتفي جاء بطلب من الجانب السعودي، وهو ما يعني أنها خطوة سعودية لها رمزيتها.

ويأتي توجه العاهل السعودي ، الذي يتصدر المشهد بوضوح في الرياض الآن ، ترجمة لما أعلنه مؤخرا مدير قناة العربية المقرب من بن سلمان “تركي الدخيل” ، حيث كشف عن توجه السعودية الجديد في مواجهة التهديدات الأميركية بخصوص فرض عقوبات على السعودية، وحدد ضمن أكثر من ثلاثين إجراءً سعودياً مضاداً لفرض عقوبات على الرياض ، الاتجاه نحو روسيا والصين كبديلين جاهزين لتلبية احتياجات الرياض العسكرية .

“الدخيل” نسف توجه السعودية القديم ، وأعلن بوضوح التوجه المحتمل :” لا يستبعد أحد أن تجد من آثار هذه العقوبات قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمال غربي السعودية، في المنطقة الساخنة لمربع سوريا وإسرائيل ولبنان والعراق” ، كما هدد أن الاقتراب لهذا الحد من روسيا سيؤدي للاقتراب من إيران وربما التصالح معها!.

ويتوزاى هذا كله ، مع زيارة مهمة لوفد روسي الرياض في توقيت لافت ومريب بعد قتل “خاشقجي” و مقابلته “بن سلمان” ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير في منتصف أكتوبر الجاري مع تصاعد الهجوم الغربي ضد ولي العهد والعاهل السعودي والمملكة بشكل عام ، وهو ما اعتبره مراقبون دوليون رغبة لزيادة نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط منذ تدخلها عسكريا في سوريا في عام 2015 في مواجهة النفوذ الأمريكي وحلفائه.

المعسكر الأمريكي

وفي المقابل، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، بين شقي الرحى ، فهو يرصد بشكل واضح وفق المراقبين التوجه السعودي نحو روسيا والصين في حال استمرار التصعيد الأمريكي ضد الرياض، ولذلك يحاول في تصريحاته أن يوزان بين متطالبات الانتخابات المقبلة وبين علاقاته الاستراتيجية مع حليفه الأبرز في المنطقة وهو السعودية.

 

ترامب حدد الخصمين المستفيدين من عقوبات أمريكا المحتملة على السعودية ، حيث صرح أنه لا يرى سبباً يمنع استثمارات السعودية في الولايات المتحدة حيث أن المملكة تملك خيارات أخرى لشراء الأسلحة والاستثمار غير أمريكا ومنها روسيا والصين، ولكن رغم ذلك تدور عقارب الساعة في دوائر صنع القرار الأمريكي نحو فرض عقوبات، ما لم تصر على إبعاد “بن سلمان” نفسه بحسب بعض الروايات الرائجة .

بروس ريدل، الذي خدم أكثر من 30 عاماً في وكالة الاستخبارات الأمريكية ، قال بحسب صحيفة “واشنطن بوست” : ” ينبغي للإدارة أن تعامل ولي العهد ووزير الخارجية، عادل الجبير، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، كأشخاصٍ دوليين غير مرغوب فيهم ، فاستخدام منشأة دبلوماسية للاختطاف والقتل أمرٌ يرقى إلى جرائم الحرب، ويجب أن يؤدي إلى نبذهم من المجتمع الدولي. لن يفعل ترمب ذلك، لكن عليه القيام بذلك”.

ويرى متابعون للأزمة أنه رغم تصاعد اللهجة الأمريكية إلا أن الأمر لن يعدو أن يكون “أزمة ثقة” لن تمر سريعا بالتزامن مع استمرار الضغط والابتزاز عبر “قانون ماجنيتسكي” الخاص بانتهاكات حقوق الإنسان، لفترة لن تستمر حيث تقف الصفقات الضخمة عائقاً أمام أي عقوبات على شخصيات سعودية كبيرة وفق قانون “ماجنيتسكي” حيث ترتبط واشنطن والرياض بصفقات أسلحة واستثمارات مختلفة تقدر بنحو 600 مليار دولار أبرمت بين العامين 2017 و2018.

وهنا يمكن قراءة التوجه الأمريكي في هذا السياق بأنه يضع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مواجهة المملكة ، ليختار العاهل السعودي بين نجله وبين استمرار التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو ما طرحه عضو مجلس الشيوخ الأميركي المقرب من ترامب ليندسي جراهام  مؤكدا أنه لن يتعامل مع الرياض قبل رحيل محمد بن سلمان ، ويبدو أن هذا الثمن الذي قد تقبل به الإدارة الأمريكية أمام جمهورها قبل الانتخابات.

امتحان كبير

الوضع صعب للغاية بحسب توماس فريدمان ، الذي كتب في صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا أن “السعودية بحاجة للقوة الناعمة ولغطرسة أقل”، وهما غير موجودين مع ولي العهد السعودي الذي نصحه عدد من المستشارين باتخاذ خطوات كانت غير موفقة تضر به شخصيا وبالسعودية وبالولايات المتحدة وفق تعبير فريدمان.

 

والوضع هكذا ، فإن العلاقات السعودية الأمريكية باتت على المحك ومفترق طرق ، وفق تقدير موقف حديث لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن ، الذي أكد أن حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي وضعت العلاقات السعودية-الأمريكية على مفترق طرق، وتحولت خلال بضعة أيام إلى آخر أزمة بين بلدين تربطهما علاقات قديمة ومعقدة جعلتهما يتخطيان أزمات ضخمة كان آخرها الهجمات الإرهابية في سبتمبر 2001 التي قادها إرهابيون أكثريتهم من السعودية، وأدت إلى مقتل حوالي 3  آلاف أمريكي.

وأضاف التقدير أنه بغض النظر عما يمكن لترامب أن يفعله أو لا يفعله لصيانة علاقاته القوية بالقادة السعوديين، فإن العلاقات الثنائية ، بعد الإعلان عن قتل “خاشقجي” في القنصلية سوف تعرض العلاقات لنكسة كبيرة، لن تدفع بواشنطن إلى إعادة النظر جذريا بهذه العلاقة، ولكن عودة الديمقراطيين للسيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية في السادس من الشهر المقبل قد تؤدي إلى مراجعة نقدية جديدة لهذه العلاقة القديمة والمعقدة.