أحمد حسين
ربما لا يختلف اثنان على حتمية وقوع مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل، لكن الاختلاف يكمن في كيفية تلك المواجهة وشكلها ومداها واتساعها ومجالها وأطرافها وتفاصيلها الدقيقة، وهل تتطور إلى حرب شاملة، أم تظل في مربع الضربات المتبادلة؟.
واشتعل التوتر بعد قيام إسرائيل بقصف أهداف إيرانية في مطار دمشق الدولي بسوريا، الأحد، بعد إعلان تل أبيب سقوط صاروخ إيراني أُطلق من دمشق على منتجع تزلج مزدحم في مرتفعات الجولان المحتلة.
هذه الضربات الجوية تسببت في تصعيد لفظي غير مسبوق بين الجانب الإيراني الذي كرّر، بشكل رسمي، تهديداته بمحو إسرائيل، التي أكدت هي الأخرى أن المهددين بزوالها سيدفعون الثمن.
ليست هذه المرة الأولى التي تقرع فيها طبول الحرب بين الطرفين، فمنذ اندلاع الأزمة السورية والاحتكاك يتكرر بينهما، فمنذ الإعلان عن أول قصف إسرائيلي قرب دمشق في 30 يناير 2013، كانت الغارات في 10 فبراير العام الماضي الأكثر عنفا.
لكن الغارات الإسرائيلية الأخيرة تحمل إشارات جديدة يسعى فيها الطرفان لفرض قواعد لعب جديدة تختلف عما كان يجري في السنوات الماضية.
الوضع يختلف هذه المرة
ومع التسليم بأنها ليست المرة الأولى التي يتبادل فيها الطرفان التهديدات، لكن ثمة متغيرات تجعل من تلك التهديدات مختلفة هذه المرة عن سابقاتها.
الإعلان الإسرائيلي جاء على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد أن صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي آيزنكوت، في وقت سابق: “ضربنا آلاف الأهداف من دون إعلان مسؤوليتنا عن ذلك، أو طلب شكر من أحد”.
ويتفق كثيرون على أن إعلان نتنياهو المتكرر عن الضربات، مرتبط بالانتخابات، لتعزيز فرصه للفوز بفترة خامسة في الانتخابات المقررة في التاسع من أبريل المقبل.
وكست الغارات رغبة إسرائيل في إرسال إشارة الاستمرار في فرض الخطوط الحمراء المتعلقة بمنع تموضع إيران وإيصال السلاح النوعي إلى حزب الله ومنع إقامة قواعد إيرانية، وذلك بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا.
(لا يمكن للضربات الإسرائيلية أن تتم دون تنسيق مع روسيا)
وبعدما كان نظام بشار الأسد يلتزم الصمت إزاء القصف، انتقل إلى الإعلان عنه، وعن جهود للرد على الغارات، كما انتقلت موسكو من الصمت إلى الإعلان والتصريح بخسائر الجانب السوري.
وبدا واضحا للغاية التنسيق الروسي – الإسرائيلي، حيث جاءت الغارات بعد الاجتماعات المشتركة في تل أبيب الأسبوع الماضي، ولا يتصور أن تقدم إسرائيل على تلك الخطوة دون تنسيق على الأقل مع موسكو.
اختلاف آخر للتهديدات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة، يكمن في أن النظام السوري الآن في أوج قوته، حيث نجح في استعادة السيطرة على معظم البلاد بعد هزيمة تنظيم الدولة، الأمر الذي يهدد بزيادة نفوذ إيراني يستفز إسرائيل ولا يمكنها تركه يتمادى.
سيناريوهات المواجهة
وإذا ما اندلعت الحرب فعلا، فإنها وفق تحليلات سياسية، ستغير قواعد الاشتباك التقليدية، التي فرضتها حرب عام 1973، آخر الحروب العربية مع إسرائيل، وستؤسس لبداية نوع جديد من الحروب العابرة لأكثر من دولة.
فمعظم الحروب، التي نشبت في العقود الأربعة الأخيرة كانت بين إسرائيل وجيوش نظامية، لكن الحرب مع إيران سيشارك فيها خليط من الوكلاء (حزب الله) والدول (إيران وسوريا).
ومن الاحتمالات الواردة أن تهاجم إيران إسرائيل بشكل مباشر، أو أن تقوم طهران بالإيعاز لوكيلها “حزب الله” بتأدية هذا الدور، مع الإبقاء على الدعم الإيراني للحزب ميدانيا بشكل غير مباشر.
ويرجع التحليل احتمال مهاجمة إيران لإسرائيل مباشرة إلى سببين رئيسيين: الأول عدم قدرة صواريخ “حزب الله” الموجهة على ردع تل أبيب من معاودة مهاجمة البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، والثاني، إدراك إيران أن حزب الله قد أُنهك في حرب 2006، ويُستنزف في الحرب السورية.
ولأن إيران لا تملك سلاحا جويا متطورا مقارنة مع إسرائيل، وتجد صعوبة في إرسال قوات ربما تكون فريسة للقوات الجوية الإسرائيلية في الطريق، فإن الحرب قد تقتصر على الضربات الصاروخية المتبادلة.
(صواريخ حزب الله تبقى رهانا لصالح إيران)
وإن اقتصرت الحرب على الضربات الجوية الصاروخية، ستكون مشاركة “حزب الله” فيها مرتفعة، وستجعل الحرب الجوية الموانئ الإيرانية، التي تعتبر عصب التجارة والتصدير، مكشوفة للإسرائيليين، مما ينذر بوقف تصدير النفظ والغاز، واستيراد البضائع من الخارج.
تحليل آخر، رأى أن الحرب المرتقبة لن تكون على شكل مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، بل إن الأمر سيقتصر على جعل أرض المعركة في سوريا.
ويمكن الاستناد في ذلك إلى تصريحات سابقة لنتنياهو، قال فيها: “إن إيران تعمل على تحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية تتمركز فيها بغية استخدام دمشق وبيروت كجبهات حرب لإزالة إسرائيل من الوجود”.
ويبدو أن “إسرائيل” تحاول إبقاء المعركة في سوريا للحد من نشاط طهران في بناء مصانع لإنتاج صواريخ دقيقة، وهو ما يضعف سيناريو المواجهة المباشرة.
(هل تكون سوريا ساحة المعركة المرتقبة؟)
وترى إسرائيل أن طهران تسعى إلى نشر منظومة صاروخية من الساحل اللبناني حتى جنوب سوريا، بحيث يصبح بمقدورها ضرب أي مكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحذر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من “اندلاع حرب على جبهات متعددة، وفي أماكن بعيدة، وتدور على الأرض وفي الجو وفي البحر، وفي مجال المعلومات والنطاق الإلكتروني، من قبل مقاتلين من حزب الله وإيران وسوريا والعراق وأفغانستان وباكستان، وحتى من اليمن”.
وفي دراسة نشرها المعهد، تنحصر سيناريوهات المواجهة المرتقبة كالتالي: أولها حرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، يشارك فيها الإيرانيون ومقاتلون أجانب.
السيناريو الثاني يتمثل في حرب تنشب على الأراضي السورية بين القوات الإسرائيلية والقوات الإيرانية والمسلحين الموالين لطهران وربما عناصر من الجيش السوري.
أما السيناريو الثالث، حرب على جبهتين في لبنان وسوريا بين القوات الإسرائيلية والقوات الإيرانية، وجماعات مسلحة موالية لإيران، فيما توقع السيناريو الرابع الأضعف يتمثل في نشوب حرب إقليمية واسعة.
من ينتصر بلغة الأرقام؟
الحرب بين إيران وإسرائيل تتضمن الكثير من التعقيدات، وفي حال المقارنة بين القوات العسكرية لدى كل منهما، مستعينين بالمؤشر العالمي لأقوى جيوش العالم لعام 2018، والذي يصدر عن مؤسسة “جلوبال باور فاير”، ويتضمن ترتيب جيوش 136 دولة حول العالم وفقا لعدة معايير مختلفة، قد تتضح الصورة أكثر.
حلت إيران في المركز 13 من أصل 136 مركز، بينما حلت إسرائيل في المركز 16 كأقوى جيوش العالم؛ أي أن إيران تفوقت طبقا للأرقام على إسرائيل في هذه الحالة.
(العنصر البشري يؤمن تفوقا إيرانيا واضحا)
إيران، نظرا لتعدادها الكبير الذي يتعدى 82 مليون نسمة، لديها ما يقرب من 40 مليون يستطيعون تأدية الخدمة العسكرية، ومؤهلين طبيًا لها، في مقابل 3 مليون فقط من إسرائيل.
من ناحية الإنفاق العسكري، يظهر التفوق الواضح لدى إسرائيل في هذه الحالة؛ حيث إنها تنفق سنويًا ما تقدر قيمته بـ20 مليار دولار على الميزانية العسكرية من ميزانية الدولة، بينما تنفق إيران نحو 6.3 مليار دولار فقط من ميزانيتها.
وتتفوق إسرائيل أيضا من ناحية الأسلحة الجوية؛ حيث إنها تمتلك 596 طائرة حربية بأنواعها المختلفة، في مقابل 505 طائرة فقط لإيران، غير أن إيران تتميز بامتلاك 319 مطار أو قاعدة مجهزة للخدمة في الحرب، في مقابل 47 مطار أو قاعدة فقط لدى إسرائيل.
(سلاح الجو الإسرائيلي الأقوى في المنطقة)
كما تمتلك إسرائيل 10575 مركبة مصفحة، في مقابل 2215 لدى إيران، غير أن عدد المدافع التي تمتلكها إيران يُقدَّر بـ2628 مدفع، في مقابل 950 مدفع لدى إسرائيل، كما تتفوَّق إيران أيضًا في أنظمة العرض الصاروخية بامتلاكها 1533 نظام، في مقابل 148 نظام صاروخي فقط لدى إسرائيل.
ومن ناحية المعدات البحرية، فإنَّ إيران أيضًا تتمتع بالأفضلية في هذا الأمر؛ حيث تمتلك 398 قطعة بحرية حربية، في مقابل 65 قطعة بحرية حربية فقط لدى إسرائيل.
إذا وُضع في السيناريوهات احتمالية مشاركة حزب الله اللبناني من جهة وحركة حماس الفلسطينية على جبهة أخرى، فإن ما تملكه حماس وحزب الله يصل إلى ما يقرب من 200 ألف صاروخ قصير، ومتوسط المدى، يمكن للعديد منها أن يصل إلى أي هدف في إسرائيل.
أي أن باستطاعتهما أن يمطرا معا أكثر من ألف صاروخ يوميا لمدة ما يقرب من 7 أشهر، وعلى الرغم من أن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي هو واحد من أكثر الأنظمة تطورا في العالم، فإن إسرائيل ما زالت غير قادرة على اعتراض كل الصواريخ القادمة.
اضف تعليقا