العدسة – فتحي عباس

وجد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه في ورطة كبيرة، من ناحية عدم القدرة على التعامل مع ملف سد النهضة، في ظل فشل كبير في حسم هذا الملف، نظرا لمماطلة إثيوبيا في الوفاء بالتزاماتها حيال الدراسات الفنية المشتركة.

الورطة المصرية واضحة تماما، خاصة مع وجود أي أوراق ضغط واضحة على إثيوبيا، لإجبارها على الالتزام بالتعاون مع المختصين في مصر، حيال تأثيرات بناء سد النهضة على حصة مصر من مياه النيل.

وعلى خط الأزمة دخلت السودان، وسط أحاديث عن طلب مصري للجانب الإثيوبي باستبعاد الخرطوم من المشاورات بين الجانبين، على خلفية التوتر في العلاقات بين البلدين.

ويبقى السؤال هل تتدخل مصر عسكريا في إثيوبيا لتعطيل عملية بناء سد النهضة؟ أم أنها قد تلجأ للتلويح بهذا الأمر خلال الفترة المقبلة كنوع من الضغط؟.

تدخل محتمل

مع انسداد كل الأفاق في التوصل لحل النقاط الخلافية بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، لم يبق أمام النظام الحالي إلا اللجوء إلى التدخل العسكري.

فكرة العمل العسكري تجاه سد النهضة ليست بالعملية السهلة مطلقا، لعدة اعتبارات سيتم التطرق إليها لاحقا، ولكن ما الذي طرح هذا الأمر الآن؟.

بشكل مفاجئ، نشرت وسائل إعلام خبرا مفاده أن مصر دفعت بعدد من قواتها إلى قاعدة “ساوا” العسكرية في إريتريا.

وكانت هذه القوات مدعومة بأسلحة حديثة وآليات نقل عسكرية وسيارات دفع رباعي.

وبحسب ما نشره موقع “الجزيرة”، فإن قاعدة “ساوا” تقع في إقليم “القاش بركا” المحاذي للسودان في حدوده الشرقية، وهي المقر الرئيسي لتدريب جنود الخدمة الوطنية.

هذه المعلومات على افتراض صحتها، يمكن النظر إليها بشكل طبيعي في أي وقت آخر، ولكن ما يثير الشكوك حولها، هو وجود خلافات شديدة بين القاهرة وأديس أبابا بسبب سد النهضة.

والتواجد العسكري المصري في إريتريا، له دلالة هامة، خاصة مع وجود نزاعات مسلحة بين البلدين تنشب بين الحين والآخر على الحدود بينهما، واتهامات إثيوبيا جاراتها بدعم المعارضة المسلحة.

وقال الجنرال ميجور باشا ديبيلي، قائد الجيش الإثيوبي الثاني (القطاع الغربي)، إن جبهة تحرير الشعب الإريتري الحاكمة في إريتريا لا يمكنها خوض حرب مباشرة مع إثيوبيا، ولذلك فإنها تدرب وتسلح، وتتولى نقل أفراد منظمات إرهابية، مثل جبهة تحرير أورومو، للقيام بعمليات إرهابية في إثيوبيا.

كما أن القاعدة العسكرية المذكورة، تقع على الحدود مع السودان، وهي الأخرى لديها خلافات مع مصر، بسبب ملف تبعية “حلايب وشلاتين” للخرطوم، وهو ما ترفضته القاهرة.

وأقدمت السودان قبل يومين على استدعاء سفيرها في القاهرة إلى الخرطوم للتشاور، في وقت لم تتخذ مصر الإجراء ذاته.

وسبق أن اتهم الرئيس السوداني عمر البشير، القاهرة بدعم حركات المعارضة ضده، وقال حينها إن بلاده لا تحتضن قيادات جماعة الإخوان المسلمين.

وأضاف: “العلاقة الشخصية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي متميزة جدا، وهو رجل صادق في علاقاته، وهذا لا يمنع وجود بعض القضايا العالقة، والمشكلة ليست مع الرئيس السيسي، وإنما مع النظام”.

وشدد على أن دعم المخابرات العامة المصرية لمعارضين سودانيين.

هذا يقودنا إلى أن هذه المعلومات ربما تدفع بالقول إلى أن هذا التواجد العسكري، ليس موجها فقط ضد إثيوبيا وإنما أيضا السودان.

3 سيناريوهات

الخبر المشار إليه، يقود إلى عدة سيناريوهات لفهم طبيعة ما يمكن أن يمثله هذا التواجد العسكري المصري، وهى:

أولا: أن التواجد المصري العسكري غير صحيح بالمرة، وهو مجرد تلويح بما يمكن أن تقدم عليه مصر عبر جارة السودان وإثيوبيا، مع قوة العلاقة بين مصر وإريتريا.

وهنا، فإنه ربما سيكون ثمة رغبة في الضغط على الخرطوم وأديس أبابا لإجبارهما على الانصياع للرؤية المصرية، والاتفاق حيال النقاط المعلقة حول مسألة سد النهضة، وتحديدا فيما يتعلق بالجوانب الفنية بشأن ملء خزان السد.

ثانيا: أن الخبر بالفعل صحيح، ومصر أرسلت قوات عسكرية وآليات إلى إريتريا، ربما ليس بصورة غير معلنة، خاصة وأن إريتريا مفروض عليها حظر تسليح من قبل مجلس الأمن، وسبق أن انتهكت الإمارات هذا القرار بنص تقرير أممي.

ثالثا: مصدر الخبر كان من خلال مصادر في إثيوبيا، وبالتالي، فإنه ربما تم تسريبه لقطع الطريق على مصر باللجوء إلى إريتريا، ولفت الأنظار إلى إمكانية لجوء القاهرة إلى الجارة التي لديها علاقات سيئة للغاية مع أديس أبابا، في إطار محاولات مصر البحث عن أي أوراق ضغط.

شكل التدخل

مع التسليم بإرسال قوات عسكرية، فإن الخبر لا يتضمن إرسال مقاتلات جوية، ما يعني أن مسألة استهداف سد النهضة عبر توجيه ضربة جوية ليس واردا، على الأقل في ضوء الآليات المرسلة إلى إريتريا.

وهذا يقودنا مباشرة إلى أن التدخل ربما يكون من خلال دعم المعارضة الإثيوبية المسلحة، ما يتيح إمكانية الدخول في صدامات مسلحة مع الحكومة هناك، وفتح جبهة مواجهات شديدة خلال الفترة المقبلة، يمكن بعدها إثارة القلاقل بأديس أبابا، وربما تغيير النظام.

وبالتالي، فإن التحرك لن يكون بشكل علني بتوجيه ضربة عسكرية من إريتريا، خاصة مع فرض حظر التسليح، ما يعني عدم إرسال أي معدات عسكرية لأي دولة أو استغلال الأراضي في إريتريا في أي عمل عسكري، وهو نفس ما جاء في التقرير الأممي حول اختراق الأممي لقرار مجلس الأمن الذي سبق الإشارة إليه.

وما يدعم عدم توجيه ضربة عسكرية لإثيوبيا، هو وجود دفاعات جوية في محيط سد النهضة ما يعني أن التدخل الجوي ليس له فعالية كبيرة، ووجود عدة جهات مانحة تمول بناء السد الذي انتهى بنسبة تقترب من 70%.

هذه الجهات المانحة يمكن أن تكون حجر عثرة أمام مصر في هذا الاتجاه، خاصة مع إمكانية إثارة القوى الكبرى في هذا الإطار، واعتبار الأمر جريمة عدوان يعاقب عليها القانون الدولي.