العدسة – منصور عطية

هل باتت مصر وتركيا على شفا مواجهة عسكرية مباشرة، بعد التصعيد الذي شهدتها أزمة التنقيب عن الغاز شرق البحر المتوسط، أم أن الحلول الدبلوماسية كفيلة بالخروج من هذا النفق، وما هو تفسير التحركات العسكرية المتبادلة إذن؟.

تساؤلات عدة، فرضت نفسها على الساحة في خضم التهديدات التي تبادلتها القاهرة وأنقرة، فيما يخص أزمة الصراع على ثروات الغاز الكامنة في منطقة شرق البحر المتوسط، والانعكاسات السياسية لها.

تطورات متلاحقة وتهديدات متبادلة

قبل يومين، اعترضت قطع بحرية تركية طريق سفينة تابعة لشركة “إيني” الإيطالية لاستكشاف النفط التي كانت في طريقها للتنقيب عن الغاز المكتشف أخيرا في المياه القبرصية.

وأشارت قبرص إلى أن سفينة الحفر “سايبم 12000” كانت في طريقها من موقع بين الجنوب والجنوب الغربي من قبرص، متوجهة إلى منطقة في جنوب شرقي الجزيرة، عندما أوقفتها السفن الحربية التركية التي كانت تجري مناورات بالمنطقة.

وحذر العسكريون الأتراك طاقم السفينة من مواصلة الرحلة، لأن المنطقة ستشهد مناورات عسكرية، وفق ما ذكر ناطق باسم الشركة الإيطالية لوكالة “أسو شيتد برس”.

كما أفادت وكالة “رويترز” بأن الناطق باسم الشركة الإيطالية قال إن السفينة ستبقى في مكانها.

الرئيس القبرصي “نيكوس أناستاسيادس”، قال إن قبرص تتخذ الخطوات “اللازمة” تجاه الأمر، مضيفًا أن تصرفات السلطات القبرصية تعكس ضرورة تفادي أي شيء يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الموقف، دون التغاضي بالطبع عن انتهاك تركيا للقانون الدولي.

يُذكر أنه في 28 يناير الماضي، منعت قوات خفر السواحل التركية، وزير الدفاع اليوناني “بانوس كامينوس”، من الاقتراب بزورق عسكري من جزر “كارداك” الصخرية التركية في بحر إيجة.

التصعيد التركي الأخطر في سلسلة الصراع على الغاز، يأتي بعد أيام من التحذير الذي وجهته مصر إلى أنقرة، من محاولة المساس بسيادتها على المنطقة الاقتصادية الخاصة بها في شرق المتوسط، مشددة على استعدادها للتصدي لأي محاولات.

التحذير المصري جاء كرد فعل على إعلان وزير الخارجية التركى، مولود جاويش أوغلو، أن بلاده تخطط لبدء التنقيب عن النفط والغاز شرقي البحر المتوسط في المستقبل القريب، وكشف في حوار مع صحيفة “كاثيميريني” اليونانية، أن تركيا قدمت طلبًا لرفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2013، والتي بموجبها تنقب كلا البلدين عن الغاز.

حقيقة الصراع وطبيعة المواجهة

وتتسم منطقة شرق البحر المتوسط، بقدر كبير من الأهمية، لكونها تتضمن احتياطات إستراتيجية ضخمة من الطاقة، فوفقا لتقديرات دولية، وصلت تلك الاحتياطات إلى ما يقرب 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

السياقات السياسية لهذا الصراع تبدو مغذية له إلى أبعد الحدود، وعامل محفز يدفع باتجاه مزيد من التصعيد، فهناك علاقات متوترة بين مصر وتركيا، في أعقاب إطاحة الجيش المصري بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.

وبين الحين والآخر، تشتعل مناوشات ترتكز على الخلافات القائمة بين تركيا من جانب، وكل من اليونان وقبرص جارتي أنقرة من جانب آخر، واللتين تتحالف القاهرة معهما سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا.

وبسبب العداء التاريخي والتنافس التقليدي على الموارد الحيوية بين اليونان وتركيا، ونظرًا للروابط المتينة دينيًّا وعرقيًّا بين القبارصة ذوي الأصول اليونانية ودولة اليونان، ظلت على الدوام قبرص تمثل مصدر تهديد للأمن القومي التركي.

التصعيد المرتقب على خلفية تلك المعادلات المتداخلة، يشير إلى أنه سيكون تصعيدًا دبلوماسيًّا في المقام الأول، حيث يرى محللون أن تركيا لا ترغب في تصعيد عسكري، بل تسعى إلى كسب مزيد من أوراق اللعب التي تدفع بالموقف المتأزم إلى طاولة المفاوضات، وحينها تقف على أرضية ثابتة تعزز موقفها في أية مفاوضات مستقبلية بشأن ترسيم الحدود في تلك المنطقة.

وفي هذا السياق، يرى كثيرون أن جوهر أزمة التنقيب عن الغاز وخلفياتها السياسية بين تركيا وقبرص، وليست القاهرة طرفا فيه من الأساس، لكن القاهرة توقن بأن اشتعال الموقف يمكن أن يهدر حقوقها الواعدة بتلك المنطقة؛ ولذلك تتدخل لحمايتها.

حرب مرتقبة!

خلافا للتحرك العسكري التركي لمنع قبرص من التنقيب، فإن ثمة تقارير إعلامية تحدثت عن تحركات مصرية مماثلة تزامنت مع بيان الخارجية شديد اللهجة، الذي أبدى استعداد القاهرة من أجل التصدي لمحاولة المساس بسيادتها وحقوقها.

التقارير نقلت عن مصادر مصرية مطلعة، تحريك حاملة طائرات من طراز “ميسترال”، فجر الأربعاء الماضي، باتجاه حقول الغاز شرق البحر الأبيض المتوسط.

وأضافت المصادر القريبة من أوساط دبلوماسية وعسكرية في القاهرة، أن التحركات العسكرية المصرية شملت قطعا بحرية أخرى، في تكتم بالغ حول الخطوة، التي جاءت بتنسيق مع قبرص واليونان وإسرائيل، بحسب المصادر.

الإعلامي المقرب من السلطات المصرية “عمرو أديب” ألمح في إحدى حلقات برنامجه إلى هذا التحرك المصري، حيث علق على أزمة التنقيب بقوله إنه “جاء الوقت لكي نرد علي البعض بالقوة التسليحية للجيش المصري، ومعنى هذا أننا سندخل في حرب ولكن لحماية مصالحنا”.

التحركات المتبادلة تعطي انطباعًا بأن أمر المواجهة العسكرية بات محسومًا لكن كلا الطرفين ينتظر الشرارة التي يمكنها إشعال الموقف، لكن في مقابل تلك الشواهد يبدو العديد من الأسباب التي تدفع باتجاه مغاير يستبعد إمكانية اللجوء لتلك الخطوة.

البعد الدولي للأزمة، واشتراك العديد من الأطراف فيه، وإمكانية فتحه باب التدخل الدولي من حلفاء طرفي الصراع، ربما يحتم على الدول المتصارعة، وفي القلب منها مصر وتركيا، البعد عن هذا التوجه وما يمكن أن يجره لكليهما من أزمات ليس هذا وقتها.

غير ذلك، فإن جيشي البلدين منهمكان في مواجهات داخلية مستعرة، فتركيا تزيد من نفوذها العسكري في سوريا لحماية حدودها من الميليشيات الكردية المدعومة أمريكيا، وتواصل عمليتها “غصن الزيتون” في مدينة عفرين.

الجيش المصري بدأ اليوم الخامس للعملية العسكرية الشاملة “سيناء 2018″، التي بدأت الجمعة، من أجل “تطهير سيناء من التنظيمات الإرهابية”، اتساقا مع التكليف الذي وضعه الرئيس عبدالفتاح السيسي في رقبة رئيس أركان حرب الجيش، الفريق محمد فريد حجازي، بالقضاء على الإرهاب خلال 3 أشهر، بدأت أواخر نوفمبر الماضي.

كما تستقبل مصر انتخابات رئاسية أواخر مارس المقبل، ورغم أنها محسومة لصالح السيسي، إلا أن انشغال الأجهزة الأمنية وكافة مؤسسات الدولة بتلك الانتخابات، يجعل من المستبعد أن يتورط الجيش في مواجهة عسكرية خارجية، على الأقل لحين استتباب الأمور في سيناء وانتهاء الانتخابات.