ثورة مضادة مدعومة من قوى إقليمية ودولية توشك أن تكمل انتصارها في ليبيا، بعد سيطرة متزايدة وتوسيع نفوذ للواء المتقاعد خليفة حفتر قائد القوات المنبثقة عن برلمان طبرق شرق البلاد، مع حصار بدا أنه يطبقه على العاصمة طرابلس في الغرب.
الغريب أن عملية توسيع النفوذ تلك تتزامن مع اتفاق سياسي جمع حفتر مع فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، أفضى إلى ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية العام الجاري وتهيئة الأوضاع المناسبة لها.
تشاور وليس اتفاق
اللقاء الذي استضافته العاصمة الإماراتية أبو ظبي في 27 فبراير الماضي، جاء بدعوة وحضور الممثل الخاص ببعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا “غسان سلامة”، واتفق حفتر والسراج خلاله على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات عامة، فضلا عن بحث سبل الحفاظ على استقرار البلاد وتوحيد مؤسساتها.
الناطق باسم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، محمد السلاك، أكد في مؤتمر صحفي أنه جرى التوافق في لقاء أبوظبي على تقليص المرحلة الانتقالية والإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية هذا العام، وتوحيد مؤسسات الدولة ودعم جهود المبعوث الأممي.
تقارير إعلامية نقلت عن مسؤول بحكومة الوفاق، قوله إن اللقاء نتج عنه اتفاق نص على تشكيل مجلس عسكري أعلى يتكون من ثلاثة أعضاء، برئاسة حفتر.
كما تضمن، بحسب المسؤول أن يتولى حفتر اختيار وزير الدفاع في الحكومة الجديدة، واختيار أحد أعضاء المجلس الرئاسي، على أن يتولى وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا مسؤولية إعادة إدارة الفصائل المسلحة داخل طرابلس.
اللافت أن هذا الاتفاق ليس الأول من نوعه، بل سبقه اتفاقات أخرى لم تر النور، سبق وأن نصت على إجراء الانتخابات قبل نهاية 2018، منها اتفاق باريس في مايو 2017، ومن قبله اتفاق الصخيرات الذي تضمن خارطة طريق للبلاد، وغيرهما.
مستقبل اتفاق أبو ظبي قد لا يختلف كثيرا عن سابقيه الذين كانوا برعاية دولية، ويعزز من هذا التوقع، ما صرح به “السلاك” في المؤتمر سالف الذكر من أن اللقاء “كان تشاوريا ولم ينبثق عنه اتفاق موقع”.
الأمر الذي يعني أن فرصة أحد الطرفين أو كلاهما، سانحة في أي وقت وتحت أي ظرف للتنصل بسهولة ودون التزامات تذكر مما اتُفق عليه، أي أن اللقاء كان بمثابة تضييع للوقت.
حفتر يواصل عملياته
وبينما تساهم الإمارات برعاية أممية في إطالة أمد الأزمة واستنزاف البلاد لوقت أطول، كان أحد كرفي اللقاء سريع الخطى في عملياته العسكرية على أكثر من جبهة، في سياق حملته الراغبة إلى إخضاع العاصمة طرابلس لسيطرته.
فبعد القضاء على آخر معاقل الثوار في الشرق وتحديدا بمدينة درنة، تسعى قوات حفتر إلى إحكام قبضته على جنوب البلاد، والتغلغل غرب طرابلس، من أجل تضييق الخناق عليها حتى يقتحمها في الوقت المناسب.
هذا الوقت الذي أكد حفتر في أكثر من مناسبة أنه سيحين لا محالة، وفق خطة مدروسة ومحسوبة بدقة.
فلم تكن حملته جنوب ليبيا، بدعوى إنفاذ القانون والتعاون مع تشاد لإجهاض المعارضة المسلحة على الحدود بين البلدين، سوى جزءا من خطته للسيطرة على الجنوب، وتشمل أيضا سيطرته على حقول النفط الكبيرة بالمنطقة، مثل حقلي الفيل والشرارة.
وفي المنطقة الغربية، شهدت بعض المدن مظاهر تكشف مدى ما وصل إليه حفتر من نفوذ، خاصة تلك الواقعة إلى الغرب من طرابلس، حيث شهدت مدينة “صرمان” استعراضا عسكريا لقوات حفتر، مطلع فبراير الماضي.
وشكل حفتر، غرفة عمليات للسيطرة على المدن الساحلية ما بين الزاوية (غرب طرابلس) ومعبر رأس جدير الحدودي مع تونس، فضلا عن تواجد قواته في مدينة صبراتة، إحدى أكبر مدن الغرب.
كما تتمركز قوات حفتر، بالمنطقة الغربية في قاعدة الوطية الجوية (تبعد 80 كلم عن الحدود التونسية)، وبلدة العجيلات (95 كلم غرب طرابلس).
الطريق نحو العاصمة
يبدو الطريق ممهدا الآن لقوات حفتر من أجل إخضاع طرابلس، حيث بات يطوق جنوبها وغربها، وتبقى معضلة شرق العاصمة، حيث تنتظره عقبتان شديدتان.
كتائب طرابلس، أو ما يسمى بقوة حماية طرابلس، مسلحة بشكل جيد، وتشكل العقبة الرئيسية في وجه قوات حفتر.
ورغم استنزافها في قتال داعش بمدينة سرت الساحلية، إلا أن مدينة مصراتة زعيمة المنطقة الغربية ترفض بقوة تمكين حفتر من البلاد، حيث ترى فيه صورة القذافي الديكتاتور.
وما تزال كتائب مصراتة، تتزعم الرافضين لسيطرة حفتر على طرابلس، وتقف كجدار صد أول في وجه قواته الراغبة في الزحف نحو العاصمة من الشرق، عبر سرت، وتقوم حاليا بتحشيد قواتها في المنطقة استعدادا لأي هجوم محتمل.
ولعل هذا الوضع المعقد، يضع تفسيرا لابتعاد حفتر عن محاولة دخول طرابلس من جهة الشرق حيث يسيطر سيطرة كاملة، ويسعى إلى تطويقها من الجنوب والغرب، وإذا سقطت طرابلس بيد حفتر، ستكون مصراتة معزولة شرقا وغربا وجنوبا.
وبالعودة إلى لقاء الإمارات، نجد أنه فجر خلافا داخل حكومة الوفاق الوطني، دفعت السراج إلى إقالة رئيس أركان القوات المسلحة التابعة للوفاق اللواء عبدالرحمن الطويل، الذي رفض القرار، مهاجما السراج وحكومته.
وعليه، فإن حفتر يمكنه استخدام الطويل لصالحه، خاصة أن الأخير أبدى استعدادا للقائه تحت لافتة توحيد الجيش الليبي، فهل يتحالفان ويختصر حفتر طريقه إلى طرابلس؟.
اضف تعليقا