العدسة: محمد العربي

بعد الهرولة العربية والخليجية في اتجاه تل أبيب، بدت تساؤلات مشروعة عن مستقبل هذه العلاقة التي خرجت من السر إلى العلن، وهل يمكن أن تكون مقدمة، لأن تصبح إسرائيل عضوا بجامعة الدولة العربية، في ظل الترتيبات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية لتشكيل ناتو عربي إسرائيلي لمواجهة إيران من جهة، ولإنجاز صفقة القرن التي يراها ترامب وسيلة ناجحة لإنهاء الأزمة الفلسطينية لصالح إسرائيل بالطبع.

التساؤل السابق لم يكن جديدا على الإطلاق، حيث سبق وأن طرحه العديد من المتابعين أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، ولكنه هذه المرة يأتي ضمن حزمة مكتملة من الإجراءات، التي تشهدها المنطقة، تقوم على رعايتها الولايات المتحدة، كما تدعمها الأحداث المختلفة، التي تمثلت في كشف الغطاء صراحة عن انطلاق قطار التطبيع العربي الإسرائيلي بشكل لا يعكس على الإطلاق الأوضاع الحقيقية التي تعيشها القضية الفلسطينية.

صناعة البعبع

وتشير العديد من التحليلات التي تناولت التصعيد الأمريكي والخليجي المتمثل في السعودية الإمارات والبحرين، ضد إيران، إلى أن هناك ما يمكن تسميته صناعة البعبع الإيراني حتى يكون ذلك مبررا لمزيد من التطبيع وبالتالي المزيد من إسرائيل، وفي هذا الإطار يفهم المتابعون عدم وجود رغبة سعودية إماراتية لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن والتي لم يجن اليمنيون من خلالها إلا المزيد من المآسي الإنسانية، في الوقت الذي لم تتحرك آلة الحرب العربية تجاه سبب الأزمة وهي إيران، ولديها في ذلك العديد من المبررات أقلها احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث منذ ما يقرب من 40 عاما.

ويرى المتابعون أن إيران ليست بالقوة التي يتم تصديرها لإرهاب الدول العربية التى تمتلك أكبر الثروات النفطية والبشرية، كما أن إيران ليست بهذا الذكاء حتى نخشاها بنشر عقيدتها فى أرجاء الدول العربية والاسلامية، وإنما الأمر لا يعدو كونه صناعة للوهم صنعتها الأنظمة المستبدة من أجل ضمان المزيد من السيطرة على عقول مواطنيها، بالإضافة إلى أن البعبع الإيرانى هو صناعة أمريكية لإبتزار دول الخليج الغنية بالنفط .

وتشير قراءات أخرى إلى أن إيران استغلت هذه الدعاية من أجل فرض سيطرتها وفرض أمرا واقعا أنها قوة إقليمية يجب على المحيط الإقليمي والدولي أن يتعامل معها بهذا الشكل، ولذلك فقد وظفت هي الأخرى فوبيا داعش والتنظيمات المماثلة في ممارسة إرهابها المدعوم دوليا في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كرسالة مشتركة بأنها قادرة على المواجهة من جانب وأنها تستطيع أن تخلق لنفسها هلالا ومربعا ودائرة شيعية إيرانية وسط كل هذا التواجد السني والعربي.

لماذا الجامعة العربية

وطبقا لقراءات عديدة، فإن الفكرة ليست في انضمام إسرائيل للجامعة العربية، خاصة وأن الأخيرة أصبحت في حكم الميت إيكلنكيا، بعد أن توحدت رغبة الأنظمة الديكتاورية في الوطن العربي على منح بيت العرب أمرا بالهدم البطئ، نتيجة لمواقفه الداعمة للشعب السوري والليبي واليمني في بداية الربيع العربي، ويري المتابعون أن استخدام الجامعة كمظلة، يمكن أن تمنح ملينا للدول العربية بقبول إسرائيل ضمن منظومتها، مع التبشير بأن تتحول المنطقة في ظل الشقيقة الجديدة من العنف إلى الاستقرار ومن الجوع والعوز إلى التنمية والرفاهية، كما هو حال تبريرات الأنظمة التي قامت بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل بدءا من مصر وانتهاءً بتشاد.

ولذلك فإن قراءات البعض منذ عامين لحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومعه وزير الخارجية المصري سامح شكري لجنازة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، كان إعلانا واضحا بأن المشكلة ليست في قبول إسرائيل من عدمه، وإنما في أن إسرائيل لا تريد منح الفلسطينين ما يستطيعوا من خلاله العيش في الحدود الدنيا.

وطبقا للمراقبين فإن التعاطي العربي مع القضية الفلسطينية تطور في عصور القومية العربية، من أن التقصير في دعم القضية الفلسطينية، وعدم مواجهة العدو الإسرائيلي عار وخيانة، إلى اقتصار هذا العار وهذه الخيانة في عصر ما بعد القومية العربية، إلى أنها قاصرة على التفاوض مع العدو، وتوقيع الاتفاقات معه.

بينما في عصور الانفتاح والعولمة، صار من الجائز توقيع الاتفاقات السياسية مع العدو، بغرض استرداد الحقوق العربية، واستجابة لموازيين القوى. ولكن دون تطبيع كامل العلاقات مع العدو، أي مجرد سلام على الورق.

أما عصور ما بعد الانفتاح والعولمة، فقد صار من المقبول إقامة تطبيع اقتصادي، وعلاقات سرية، استجابة لحركة التجارة العالمية، وانفتاح الأسواق، ولكن بالطبع لم يعني هذا إقامة تطبيع ثقافي بين الشعوب. وبالطبع كان دعم القضية واجباً إلزامياً ظاهرياً في كل هذه المراحل.

ولكن، مع مرور الوقت، تم اكتشاف أن الشعب الفلسطيني لا يستحق الدعم والمساندة، وأن مناصرة قضيته تعني حرمان «الشعب اليهودي» من الحياة الطبيعية، وأنه من الظلم أن يمتلك العرب 22 دولة، ولا نقبل بامتلاك اليهود لدولةٍ واحدةٍ، كما صرح بذلك وبشكل واضح لا يقبل المواراة ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي والقريب جدا من الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد

وطبقا لهذا الراي فإن مصطلح التطبيع بكافة أشكاله، أصبح في زمن الماضي بعد أن حل مكانه، إقامة علاقات وتحالفات من أجل المصالح العليا ومواجهة الأعداء المشتركين، وهو ما يبرر انتقال العلاقات السرية إلى العلن، والتعامل مع إسرائيل كدولة صديقة، سوف تتحول مع مرور الوقت واختلاف المصالح إلى دولة شقيقة.

شكرا ترامب

وطبقا للمراقبين فإن الشكر الذي قدمه الحاخام الإسرائيلي “شلومو ريسكين” حاخام مستوطنة أفرات ورئيس مؤسسة “نور التوراة” للرئيس الأمريكي ترامب أثناء زيارته لتل أبيب والضفة الغربية ، وقال إنه نجح في جعل إسرائيل واحدة من الدول العربية السنية التي تحارب الإرهاب، لم يكن إلا تعبيرا عن الخطوات التي قامت بها أمريكا بضم السعودية صراحة لحظيرة تل أبيب، حيث أشار الحاخام صراحة أن ترامب نجح في أخذ عدد من السنة في مقدمتهم السعودية، وأوجد هنا مركزا إسلاميا ضد الإرهاب الدولي، وضد إرهاب الفلسطينيين الذي يمارسونه علينا، وضد حماس وحزب الله.

وتشير عدة تحذيرات إلى أن المشكلة ليست في قبول إسرائيل داخل الجامعة، لأنها موجودة بالفعل من خلال شراكات امتدت لأكثر من 22 دولة من دول الجامعة، ولكن في أن يكون هذا التواجد إعلانا بانتهاء حلم الدولة الفلسطينية، وفرض الأمر الواقع بقبول دولة محصورة داخل إسرائيل، التي يمكن أن تحل في مقعد فلسطين بالجامعة العربية، وبالتالي تنتهي القضية الفلسطينية بشكل تام.

وتدعم قراءات أخرى هذا التصور خاصة في ظل الضغط التي تمارسه دولة إسلامية كبرى ذات تأثير مثل السعودية، التي لم يقتصر دورها على تقديم مبادرة السلام العربية عن طريق الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وإنما تطور هذا الدور بدعوة السعودية الفلسطينيين بأن يقبلوا بصفقة القرن التي تطرح تنازلهم عن القدس الشرقية عاصمة لهم، ومطالبة الفلسطينيين بتقبل بقاء المستعمرات اليهودية في عمق أراضي الضفة الغربية، مع التعويض عليهم بالموافقة على عودة مليون ونصف المليون من المهجرين الفلسطينيين، ولكن ليس إلى الضفة الغربية المحتلة، بل إلى دولة فلسطينية في غزة.

ويرى المتابعون أن هذا السلوك السعودي لم يقتصر على الجانب السياسي، حيث واكبه دعم شرعي من خلال فتوى سعودية رسمية تؤكد أن اليهود من الموحدين ولا يجوز قتالهم. وتبعه هاشتاجات وتغريدات كثيرة على تويتر تقول بأن الرياض أهم من القدس، وغيرها من الإجراءات التي انتهت مؤخرا بإعلان ترامب بشكل واضح عن خدمات جليلة قدمتها الرياض لضمان بقاء إسرائيل دون أن يوضح نوعية هذه الخدمات، إلا أنها في النهاية لا تصب على الإطلاق في صالح القضية الفلسطينية.