إذا ذهب الليبيون حقًا إلى صناديق الاقتراع كما هو مخطط له، في ٢٤ ديسمبر، فستكون هذه لحظة من صنع التاريخ، وواقعًا جديدًا في البلاد التي دمرها الصراع. لم يكن لدولة شمال إفريقيا رئيس من قبل، ناهيك عن إدارة رئيس ينتخبها الشعب مباشرة. بعد الاستقلال في عام ١٩٥١، أصبحت البلاد مملكة بقيادة الملك إدريس الأول، حتى أطاح به العقيد الراحل معمر القذافي في عام ١٩٦٩، فأصبحت ليبيا جمهورية.

علاوة على ذلك، إذا كانت نتيجة الانتخابات مقبولة عالميًا من قبل جميع الفاعلين السياسيين في الدولة الممزقة، فإن عملية الانتخابات الديمقراطية أخيرًا ستكون أول محاولة جادة لبدء عملية أخرى أكثر أهمية، وهي بداية حل النزاع وبناء الدولة بعد عقد طويل من الخلافات السياسية والنضال المسلح.

لطالما كانت الانتخابات هي الرغبة الأكثر توحيدًا لغالبية الليبيين الذين دفعوا ثمنًا باهظًا في جميع أنحاء البلاد خلال السنوات العشر الماضية. 

مباشرة بعد الإطاحة بالنظام السابق من قبل التمرد المسلح، وبدعم كبير من القوى الخارجية، بما في ذلك الناتو في عام ٢٠١١، كان لدى الليبيين فرصة ذهبية لتسوية خلافاتهم والمصالحة قبل أي انتخابات. ولكن بدلًا من ذلك، وتحت ضغط القوى الغربية، أُجريت انتخابات برلمانية واندفعت البلاد لإجراء انتخابات في عام ٢٠١٢، حيث أراد الغرب إظهار أن الإطاحة بالقذافي كانت قضية جديرة بالاهتمام. حدثت الانتخابات في مجتمع ممزق، تهيمن عليه القبائل والنخبة السياسية المختلة، ومعظمهم من المنفيين واللاجئين الذين لم يروا ليبيا على الإطلاق، منذ عقود خلال عهد القذافي. لم تحدث أي عملية مصالحة على الإطلاق وساد شعور بالانتقام وتصفية الحسابات، مما أدى إلى مزيد من التفرقة بين الناس.

تم سجن الآلاف وتهجيرهم، وكذلك تم طرد البيروقراطيين المتمرسين بكيفية عمل الحكومة، لتحل محلهم النخبة التي لم تكن لديها أي خبرة حكومية تذكر. بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٥، كانت أفضل المؤهلات التي يمكن أن يحصل عليها أي بيروقراطي هم مناهضو القذافي. الغرب، الذي ساعد في تأجيج الحرب الأهلية، لم يفكر بجدية في اليوم الذي تلا رحيل القذافي، وكيف ستنتهي ليبيا، فلم تتوقف الدولة عن العمل بشكل صحيح فحسب، بل كانت ليبيا نفسها ولا تزال على شفا التقسيم، والانتخابات المقبلة قد تعزز هذه الفكرة أيضًا.

على الرغم من كل الخلافات القانونية والإجرائية السابقة، من المتوقع أن تعلن لجنة الانتخابات قريبًا عن القائمة الرسمية النهائية للمرشحين الرئاسيين. 

وعلينا أن نتذكر أن الانتخابات القادمة لا تُجرى لأن البلاد جاهزة للانتخابات، إيمانًا منها أن مثل هذه الخطوة ستحل الصراع، بل سيقوم الليبيون بالتصويت وهم يعلمون جيدًا أن الانتخابات ليست الحل للعديد من مشاكل بلادهم. في الواقع، إنهم يصوتون للتخلص من النخبة السياسية، بما في ذلك البرلمانيون المنتخبون، الذين فشلوا في خدمة الشعب بأي شكل من الأشكال.

بعيدًا عن ذلك، فإن الانتخابات وحكومة الوحدة الوطنية -إن وجدت- ستخرج من الإطار الخاص الذي نظمته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، مستشعرين أن القادة السياسيين لن يتفقوا، ولن يرحبوا بأي تغيير جوهري في الوضع الراهن، والذي يخدم مصالحهم. شكلت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا منتدى الحوار السياسي الليبي، حيث أصبحت الهيئة المكونة من ٧٥ عضوًا برلمانًا مصغرًا تشارك في سلسلة المناقشات السياسية.

انتهى المنتدى برسم خارطة سياسية لإنقاذ البلاد، واُنتخب رئيسًا للوزراء، ومجلسًا رئاسيًا مكون من ثلاثة أعضاء. وتوقعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حدوث مشاكل، من قبل ما أسماه زعيم بعثة الأمم المتحدة السابق في ليبيا،غسان سلامة، “حزب الوضع الراهن”، والذي جعل من الإلزامي أن تتضمن خارطة الطريق بندًا ينص على أنه كلما اختلفت مؤسسات الدولة بشأن أي قضية، سيتولى المنتدى حلها. وأدى هذا إلى تهميش جميع الفاعلين السياسيين كلما فشلوا في الاتفاق على أي قضية.

وبالتالي، فإن هذه الانتخابات لا تتعلق بحل مشاكل البلاد العديدة، بل بالأحرى، يأمل الشعب أن تظهر نخبة سياسية مختلفة من خلال التصويت على رئيس وتشريع جديد، أي وجوه جديدة أكثر جدية في البلاد وشعبها.

عادة ما يتم تجاهل هذه الحقيقة من قبل المعلقين، الذين ينغمسون في مناقشة الانتخابات كوسيلة لإنهاء الصراع، وتوحيد مؤسسات الدولة، وإعادة ضبط الاقتصاد وإنهاء هيمنة الميليشيات.

في الواقع، تقوم ليبيا بمجازفة كبيرة، وذلك من خلال الذهاب إلى صناديق الاقتراع في مثل هذا الجو السياسي والقانوني المسموم. الانتخابات لن تنهي الصراعات، لكنها قد تنتج خطة لتحقيق هذه الغاية، وهذه الانتخابات قد تترك ليبيا حيث كانت بعد انتخابات ٢٠١٤، والتي أسفرت عن حكومتين وبرلمان أكثر انقسامًا.

بأي حال من الأحوال، هذا لا يعني عدم إجراء الانتخابات، فإن ذلك يعني أن “حزب الوضع الراهن” سوف يطيل عمره الذي كان ينبغي أن ينتهي قبل سنوات.

بعبارة أخرى، فإن الانتخابات غير المؤكدة، هي استفتاء على ما يعرف بـ “ثورة ١٧ فبراير” ٢٠١١، والتي فشلت حتى الآن من كل جانب. النجاح الوحيد الذي حققته الثورة حتى الآن، وما زالت تحققه، هو جعل غالبية الليبيين يشعرون بالحنين إلى ليبيا القذافي، لا سيما في مجالات الأمن والاستقرار.

تتجلى هذه الحقيقة في نجل القذافي سيف الإسلام، المرشح للرئاسة. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يهيمن الموالون للقذافي على البرلمان المقبل، وذلك في حال أجريت الانتخابات مرة أخرى بطريقة حرة ديمقراطية. وبحسب مفوضية الانتخابات، حتى ٤ ديسمبر/ كانون الأول، تم تسجيل ٣٩٦٧ شخصًا لخوض الانتخابات التشريعية، نصفهم على الأقل ليسوا مؤيدين “للثورة”، وهذا بالطبع لا يعني أنهم من أنصار القذافي. ومع ذلك، قد تكون الظروف المعيشية للشعب الليبي على مدى العقد الماضي، أكبر داعم لسيف الإسلام.

ولكن من غير المعقول أن نتخيل أن ليبيا ستصبح ديمقراطية للغاية بقيادة سيف الإسلام، لكن الرجل حتى الآن يحظى بالمقدمة في كل استطلاع رأي. في الواقع، إن مثل هذه الاستطلاعات ليست تفسيرًا احترافيًا أو دقيقًا للرأي العام، لكنها مؤشر على ما هو آت.