الإرهاب كلمة خطيرة مشبعة بمعان مقززة تصرف الأذهان مباشرة إلى مشاهد الدماء المسفوحة والأشلاء المبتورة وجثث الأبرياء المكومة، وتثير مشاعر كثيرة يختلط فيها الحزن والغضب والخوف معاً، ولا توجد نفس بشرية سوية تقبل أن يتعرض أحد إلى عمل إرهابي من أي نوع كان، كما أن ضحايا هذا الغول يجدون تعاطفاً في كل أصقاع العالم حتى ممن لا إحساس لديهم، وبالمقابل يجد مرتكبو العمليات الإرهابية نفوراً كاملا أيضاً، ويتحولون في نظر الجميع إلى وحوش كاسرة يتوجب القضاء عليها بأي شكل ودون شفقة ولا رحمة، بل وربما دون محاكمات عادلة وقانونية.

هنا انتبهت قوى الاستكبار في عديد البلدان إلى هذه الآفة الخطيرة وما تحدثه من تأثير عظيم في نفوس العامة فتفتقت غرائز الشر لديهم عن آمكانية توظيفها لصالحهم واستثمار ما أمكن من خلالها حتى وإن كان على حساب أرواح الأبرياء، وقد ظهر هذا في أمريكا وفي الدول الأوروبية بإلصاق هذه التهمة بكل من لا يتماهى مع سياستهم، وكان ذلك في البداية تحت تأثير الشيطان الأكبر إسرائيل التي حاولت بكل مقاييس المكر والخداع أن تسبغ على كفاح أبناء فلسطين المحتلة صفة الإرهاب حتى تتم محاصرتهم دولياً، أو على الأقل عدم التعاطف معهم وقد نجحت في ذلك بأقدار كبيرة.

على نفس الشاكلة سارت بقية دول الاستبداد وخاصة في بلاد العرب، فصنفت كل معارضيها تصنيفاً إرهابياً، ثم نكلت بهم وزجت بمن وقع بين أيديها في السجون ولاحقت من استطاع الإفلات من قبضتها إلى خارج حدودها عبر إلصاق هذه التهمة السحرية دونما اعتراض من أحد، بل إن الولايات المتحدة الامريكية فرضت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على أغلب الدول إمضاء معاهدات لتتبع أعدائها تحت عنوان محاربة الإرهاب.

تدمير نفَس الحرية

اعتماد هذه السياسة أي إسباغ صفة الإرهاب على كل أشكال المعارضة تحوَل إلى إستراتيجية متكاملة الأركان بعد أن ظهرت ثورات الربيع العربي، إذا كان من العسير إقناع الرأي العام الدولي أن الشعوب التي انتفضت طلباً للحرية واعتماد مبادئ الديمقراطية التي كان الغرب يتباهى بها ويقيس تقدم الدول عبرها بعد أن تمت ثورة الياسمين في تونس وتلتها مصر ثم ليبيا وتوجهت شرقاً نحو اليمن وسوريا، فبعد أن أحس عرابو الخارج والداخل بالخطر المحدق وأدركوا أن عروشاً كثيرة باتت مهددة، بل إن الأمر قد يؤدي إلى إزالة إسرائيل ذاتها بعد أن تحرر المارد العربي من عقاله.

لذلك سارعوا بإخراج التميمة السحرية من جراب سحرهم الأسود، ولم تكن سوى صفة الإرهاب وانطلقت الشرارة من سوريا باستقدام كل المشبوهين والقتلة المأجورين وتم إلباسهم رداء التقوى وإظهارهم في صورة المسلمين المتشددين في حين كانوا لوقت قريب منتشرين في أكثر من بلد عربي تحت رعاية أجهزة المخابرات السعودية والإماراتية، تمولهم وتسمم عقولهم بفكرها المتحجر المسموم، وتم اخراد جرائمهم على أساس انهم يسعون إلى تكوين دولة اسلامية تحت مسمى داعش، وارتكبوا فضائع يشيب لها الولدان حرصوا على توثيقها صوتاً وصورة مع ترويجها عبر وسائل إعلام أسيادهم الذين وظفوهم لهذا الهدف حتى تكون شاهداً مقززاً ومنفراً ليس لأشكالهم فقط، بل وحتى للإسلام في حد ذاته أو لمطالب الحرية والديمقراطية .

وتحت هذا المبرر المزيف يتم استثمار تهمة الإرهاب اليوم في أكثر من بلد عربي يوجد فيه بريق أمل في مقاومة المستبد ، فالسيسي قائد الانقلاب على الشرعية بقوة العسكر في مصر يقتل معارضيه ليلاً نهاراً ويخنق كل صوت حر تحت عنوان محاربة الإرهاب، وبلغ به الأمر إلى قتل رئيس شرعي منتخب في جريمة علنية لم يسبقه إليها أحد، وبشار سوريا قتل أكثر من 400 ألف من شعبه وشرد أكثر من 12 مليوناً منهم تحت نفس الذريعة، وحفتر يقصف الأحياء السكنية في طرابلس ليبيا منذ سنوات ويقتل النساء والأطفال تحت نفس هذا العنوان، وكل الشرفاء يُبادون في أكثر من موضع في الأرض لا لشيء سوى لأنهم طالبوا بحقهم في العيش الكريم الآمن بعد أن وجدوا أنفسهم مجبرين على الاختيار بين تحمل القهر والإذلال أو الموت الشنيع بعد اتهامهم بالإرهاب .

أليس التنغيص على الملوك والسلاطين عيشة الترف والمجون والاستكبار إرهابا؟ !!! .