العدسة – منصور عطية

تهديد غير مسبوق من الرئيس الأمريكي دونالد “ترامب”، بقطع المساعدات المالية التي تقدمها بلاده للسلطة الفلسطينية، حتى تعود إلى مسار التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي عطله قرار “ترامب” اعتبار القدس عاصمة موحدة للاحتلال.

فما حجم تلك المساعدات وإسهامها في موازنة رام الله؟ وهل تخضع السلطة للابتزاز الأمريكي؟ وما هي السيناريوهات والبدائل المحتملة لتلك الأزمة الناشبة؟.

 

ابتزاز أمريكي مفضوح

التهديد الأمريكي جاء عبر تغريدة على “تويتر”، قال “ترامب” فيها إن بلاده دفعت للفلسطينيين “مئات الملايين من الدولارات سنويا، ولم تحصل على تقدير أو احترام”.

وعبر الرئيس الأمريكي عن اعتقاده، بأن الفلسطينيين لم يعودوا مستعدين للمشاركة في المباحثات مع إسرائيل بشأن السلام، وتساءل عن دواعي استمرار “دفع الولايات المتحدة هذه المبالغ الهائلة للفلسطينيين”.

وجاءت تغريدة “ترامب” بشأن المساعدات للفلسطينيين، بعد أن كشفت نيكي هيلي، مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، الثلاثاء، عن خطط أمريكية لوقف تمويل وكالة “غوث” وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وردا على أسئلة الصحفيين بشأن التمويل الأمريكي المستقبلي للأونروا، قالت “هايلي”: “قال الرئيس فعلا أنه لا يريد إعطاء تمويل إضافي، أو وقف التمويل، لحين موافقة الفلسطينيين على العودة إلى مائدة التفاوض”.

في المقابل كان الرد الفلسطيني على التهديد الأمريكي واضحًا، حيث قال نبيل أبو ردينة، الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية: إن “مدينة القدس ومقدساتها لليست للبيع، لا بالذهب ولا بالفضة”.

وأضاف أن “السلام الحقيقي والمفاوضات يقومان على أساس الشرعية العربية والدولية، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وإذا كانت الولايات المتحدة، حريصة على مصالحها في الشرق الأوسط، فعليها أن تلتزم بمبادئ ومرجعيات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلا فإن الولايات المتحدة تدفع المنطقة إلى الهاوية”.

“حنان عشراوي” عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ردت على تغريدة “ترامب”، قالت: “إن الحقوق الفلسطينية ليست للبيع، وقيام “ترامب” بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، لا يشكل انتهاكا للقانون الدولي فحسب، وإنما تدميرا شاملا لأسس ومتطلبات السلام، كما أنه يكرس ضم إسرائيل غير الشرعي لعاصمتنا”.

وأضافت: “لن نخضع للابتزاز، لقد أفشل الرئيس “ترامب” سعينا للحصول على السلام والحرية والعدالة، والآن يقوم بلومنا والتهديد بمعاقبتنا على نتائج سياساته هو المتهورة وغير المسؤولة”.

 

خريطة المساعدات بلغة الأرقام

وللاقتراب أكثر من الموقف المرتقب وسيناريوهات تلك الأزمة، وتداعيات القرار الأمريكي المحتمل بقطع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، لا بد من معرفة حجم تلك المساعدات وأوجه إنفاقها.

وفق تقارير إعلامية، فإن الدعم المالي الأمريكي الذي يقدم للسلطة الفلسطينية لا يتجاوز الـ300 مليون دولار سنويًّا، من أصل 1.2 مليار دولار، هي قيمة المساعدات الخارجية الممنوحة لها، ومعظمها لا يذهب مباشرة إلى خزينة السلطة، وإنما لمصلحة المشاريع الإنمائية التي تنفذها “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)”.

في حين يبلغ حجم المبلغ الذي تمد به أمريكا الخزينة الفلسطينية سنويًّا 50 مليون دولار، يُخصص غالبيته لتطوير الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، التي يصل عدد منتسبيها إلى 66 ألفًا.

وبلغت موازنة السلطة للعام الحالي 4.4 مليارات دولار، وتعتمد على ثلاثة مصادر لتمويل نفقاتها؛ أولها الضرائب المحلية بأنواعها المختلفة (وتشمل بالأساس ضريبة الدخل، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الملكية)، وتشكل نحو 25% من الإيرادات الكلية للسلطة، وتقدر بنحو 1.1 مليار دولار سنويًّا.

في حين أن المصدر الثاني لتمويل الموازنة، هو إيرادات المقاصة، وهي الضرائب على الواردات السلعية التي تحولها إسرائيل شهريًّا للسلطة، وفقاً لبروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بينهما سنة 1994، وتشكل حصيلتها النقدية نحو 50% من الإيرادات الكلية للسلطة، وتبلغ 2.5 مليار دولار سنويًّا.

أما المصدر الثالث لتمويل الموازنة، فهو المساعدات الخارجية، وتشكل ما بين 16-25% من تمويل الموازنة، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 1.2 مليار دولار.

وعليه فإن التاثير السلبي المحتمل لقطع المساعدات الأمريكية، ربما لن يكون بالحجم الذي قد يتصوره البعض، لكن بطبيعة الحال فإنه سوف يترك أثرًا وجب على السلطة تدبيره، في حال استمر النزاع بين الفريقين وأصر كلاهما على مواقفه.

 

سيناريوهات الأزمة وبدائلها

مبدئيًّا فإن وقف المساعدات المالية الأمريكية، سيؤدي إلى تقليص الإمكانيات المالية للسلطة الفلسطينية، بمقدار الربع تقريبًا، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على قدراتها على تنفيذ مشاريعها، ودفع رواتب موظفيها، كما سيؤدي إلى ضيق اقتصادي على الفلسطينيين عمومًا.

ولعل السيناريو الأول الذي يتبادر إلى الذهن، أن تكون هناك مبادرات من دول أخرى قادرة على تعويض هذا المبلغ، أو حتى أن تبادر السلطة إلى الطلب من تلك الدول والكيانات بتعويض النقص.

الاتحاد الأوروبي والدول العربية- وفي مقدمتها دول الخليج النفطية الغنية- يمكنها نظريًّا جبر هذا الخلل وسد الفراغ الذي ستخلفه أمريكا.

ولعل هذا المبلغ يبدو بسيطًا بالنسبة لقدرات وإمكانيات الدول العربية، التي يمكنها حينها أن تتفق على زيادة مخصصاتها للسلطة الفلسطينية بما يعوض النقص، على نحو موزع بينها، بحيث تتحمل الدول القادرة تلك المبالغ متجمعة.

أما السيناريو الثاني، فقد يكون من خلال ضغوط تمارسها الدول الكبرى، والدول العربية المرتبطة بالقضية الفلسطينية وبعلاقات وثيقة مع أمريكا، مثل السعودية ومصر، على إدارة “ترامب” لمراجعة مواقفها، بالتوازي مع دعم الموقف الشعبي الفلسطيني على الأرض.

 

داخليًّا، وحتى يتحقق أحد هذين السيناريوهين، فإن السلطة قد تلجأ لخطوات أخرى للتغلب على أزمة قطع المساعدات الأمريكية، كوقف تمويل بعض المشاريع الثانوية، أو فرض زيادة طفيفة على الضرائب، وخفض رواتب الموظفين.

لكن الأمر لا يخلو من سيناريوهات أخرى مناقضة لما سبق بيانه، فبدلًا من الضغط على أمريكا، قد تلجأ دول عربية، مثل السعودية ومصر، إلى الضغط على السلطة الفلسطينية للخضوع للابتزاز الأمريكي، والموافقة على استعادة مسار المفاوضات مع الاحتلال، تحت دعاوى كثيرة، في مقدمتها الحرص على دفع عملية السلام واستقرار المنطقة، وغيره ذلك.

الحديث عن العلاقات الوثيقة بين الاحتلال ومصر من ناحية، وما أثير بشأن التطبيع السعودي الإسرائيلي من ناحية أخرى، يعززان من إمكانية تحقق هذا السيناريو.