مرَّ أكثر من عامين على الأزمة الخليجية وفرض حصار رباعي على قطر، ولم تنجح خلالها أيُّ جهود إقليمية ودولية في التوصل إلى حلٍ للأزمة التي بدأت في 5 يونيو 2017، دون مسوغات حقيقية.
وتسعى الدول الأربع، خاصةً الإمارات، منذ بداية الحصار المفروض على قطر، إلى تقويض أي مبادرات لحل الأزمة عن طريق الحوار القائم على احترام السيادة، كما تحاول تشويه سمعة قطر بمؤتمرات وندوات مشبوهة في أوروبا والولايات المتحدة، بهدف إخضاع الدوحة للوصاية وتجريدها من استقلالية قرارها.
وخاضت الكويت عدة محاولات لعقد صلح بين الدول الخليجية، ومحاولة لمّ الشمل من جديد، لكن تعنُّت دول الحصار صعَّب توصُّلها إلى حل يرضي جميع الأطراف، إلا أن تحركات أخيرة لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وبوادر تراجع سعودي، قد تحمل في ثناياها صلحاً ثنائياً بين قطر والسعودية، خاصة بعد الخلافات الأخيرة بين أبوظبي والرياض بسبب حرب اليمن.
رسالة سعودية إلى الكويت
التحركات الجديدة للشيخ صباح الأحمد سبقتها زيارة سعودية للكويت، نقل خلالها وزير الدولة عضو مجلس الوزراء السعودي، الأمير تركي بن محمد بن فهد آل سعود، رسالة شفوية من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى أمير الكويت.
وعلى ما يبدو، فإن تلك الرسالة تتعلق بإعادة العلاقات مع قطر وتقديم تنازلات من الرياض، خصوصاً بعد أن شعرت بـ”الخيانة” من قِبل أبوظبي والتي كشفتها تحركاتها الأخيرة في اليمن دون تنسيق مع المملكة، وفي مقدمتها دعم انفصال الجنوب، وهو ما اعتبره رئيس لجنة العلاقات العامة السعودية – الأمريكية، سلمان الأنصاري، “استغفالاً للسعودية”، بحجة “الإخوان”، من أجل “أطماع توسعية” في المنطقة.
وقال الأنصاري في تغريدة نشرها على موقع “تويتر”، في 3 سبتمبر الحالي، في إشارة واضحة إلى أبوظبي: إن “عداوتنا الصريحة لتنظيم الإخوان المتطرف لا تعني بأي حال من الأحوال، أن يتم استغفالنا باستخدام هذه العداوة لتحقيق أطماع استيلائية وخارجة عن الأهداف الاستراتيجية المتفق عليها مسبقاً والمتطابقة مع القانون الدولي، من خلال تمرير مشاريع تقسيمية عبثية”.
وأضاف: إنَّ “ضيق الأفق مشكلة”، واصفاً الأمر بـ”الخيانة”.
ورغم أن الأنصاري لم يذكر دولة الإمارات صراحة، فإن حديثه يصبُّ في السياسة التي تنتهجها أبوظبي باليمن، حيث سعت إلى بسط سيطرة القوات الانفصالية على مناطق جنوبي البلاد في سبيل الوصول إلى تقسيمها، وهو ما أشارت إليه صراحةً شخصيات إماراتية مقربة من السلطة مثل عبد الخالق عبد الله، مستشار ولي عهد البلاد محمد بن زايد.
تحركات كويتية بعد رسالة سعودية
في 29 أغسطس الماضي، شهدت الدوحة زيارة لرئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، التقى خلالها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ناقلاً له رسالة من أمير الكويت.
وعلى الطرف الآخر جاء الرد القطري برسالة جوابية من أمير قطر، في 3 سبتمبر الجاري، بعث بها ممثلَه الشخصي الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، إلى الشيخ صباح الأحمد.
ورفعت هذه الزيارة توقعات مراقبين للأزمة الخليجية، وأن تحركاً كويتياً يبدو أنه سيكون نشطاً مع بدء عودة الحياة السياسية بالمنطقة، واعتبار زيارة الممثل الشخصي لأمير قطر للكويت دليلاً ثانياً على صحة توقعات وتخمينات المراقبين بشأن الدور الكويتي لحلحلة الأزمة.
لكن تلك التحركات كانت قد سبقتها الرسالة الشفوية السعودية إلى أمير الكويت، وهو ما جعل كثيرين يرجحون أن تدفع السعودية نحو “صلح ثنائي”.
أزمة الخليج في واشنطن
وتأتي هذه الخطوات مع الإعلان عن توجُّه أمير الكويت إلى واشنطن في زيارة خاصة تتبعها أخرى رسمية، لإجراء مباحثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس 12 سبتمبر الجاري، وتحدثت وسائل إعلام عن مناقشة الأزمة الخليجية خلالها.
وقال السفير الأمريكي لدى الكويت لورانس سيلفرمان، في 3 أغسطس الماضي، إن الأزمة الخليجية ستكون حاضرة ضمن الملفات التي سيناقشها أمير الكويت في لقائه المقرر مع الرئيس الأمريكي بواشنطن هذا الشهر.
وصرّح سيلفرمان في مؤتمر صحفي عُقد بالسفارة الأمريكية في الكويت، قائلاً: “أنا متأكد أن الخلاف الخليجي سيكون على قائمة الموضوعات التي سيطرحها أمير الكويت خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي”.
وأضاف: “أعتقد أن حلّه ما زال يمثل أولوية كبيرة لدى أمير الكويت إلى يومنا هذا، تماماً كما هو بالنسبة لنا، وأنا متأكد أنه سيجري نقاش جاد بشأنه، وبشأن الطريقة المثلى لاستعادة الوحدة الكاملة لمجلس التعاون الخليجي”، وفقاً لـ”الجزيرة نت”.
صلح “ثنائي”!
ويرى متابعون للأزمة الخليجية أن أحداث اليمن المتسارعة ربما تساعد أكثر في حلحلة الأزمة بصلح ثنائي بين السعودية وقطر، بعدما وجدت الرياض نفسها أقرب إلى الوصول لنقطة حرجة، خاصة بعد أن تلقت ضربتين من حليفتها الإمارات في مدة وجيزة، من خلال إعلان أبوظبي سحب معظم قواتها من اليمن، وانقلابها على الحكومة اليمنية المدعومة سعودياً في جنوبي البلاد.
وكشف حساب عُماني شهير بموقع التواصل “تويتر”، عما وصفه بـ”انفراجة” قريبة للأزمة بين قطر والسعودية بما لا يمس سيادة البلدين.
حساب “الشاهين” الذي يحظى بمتابعة واسعة في سلطنة عمان، قال في تغريدة له بـ”تويتر”: إنه “توجد أخبار سارّة قريباً وبوادر انفراج (ثنائي الأطراف) في الأزمة الخليجية بين قطر والسعودية”.
وأضاف: “سيتم تغليب صوت الحكمة على صوت إذاعة هنا دحلان”، في إشارة إلى القيادي الفلسطيني الهارب محمد دحلان، المقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
قطر والسعودية.. من التمنيات إلى المدركات
وتقول فاطمة عايد الرشيدي، مستشارة علاقات دولية ومنظمات أممية: إن المصالحة بين قطر والسعودية “انتقلت من التمنّيات إلى المدركات” في الوقت الراهن، مشيرة إلى أن عديداً من المؤشرات توضح أن المعلومات المترددة بشأن مبادرة الصلح أصبحت أقرب إلى الصحة.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن الرشيدي، قولها: إن “السعودية هي الجهة الأقرب إلى الدول الخليجية كافة، وإنها الجارة الكبرى والامتداد الجغرافي والأُسري لقطر ودول الخليج أيضاً، وهناك بعض المبادرات التي جرت خلال الفترة الماضية، بعضها معلن وبعضها غير معلن، بين الجانبين القطري والسعودي”.
وشددت على أنه في حال صحة الخطوات بين البلدين، فإنها ستكون الباب الذي يمكن من خلاله حل الأزمة مع جميع دول “الحصار”، حسب وصفها.
وأشارت إلى أن “الفطنة الدبلوماسية القطرية للأمير تميم بن حمد ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قد تكون سبباً في إتمام الصلح مع السعودية، ليكون مدخلاً لحل جميع الخلافات، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات”.
وتأتي تلك الدلائل بالتزامن مع تأكيدات من الدوحة لرسائلها السابقة وإعلان استعدادها للحوار من أجل لملمة الصف الخليجي، على الرغم من الحصار الجائر المفروض عليها منذ 5 يونيو 2017.
وبالتزامن مع زيارة رئيس مجلس الأمة الكويتي لقطر في 29 أغسطس الماضي، قال وزير الدفاع القطري خالد محمد العطية، في لقاء جماهيري بالدوحة، إن قطر منفتحة على حوار غير مشروط مع دول الحصار متى أرادت تلك الدول، في إشارة فسَّرها مراقبون بأنها رسالة إلى الثلاثي الخليجي المحاصر لقطر بأن الأزمة لا يمكن أن تنتهي إلا بالحوار وليس غيره.
وأضاف العطية: “قطر قد تخطت مرحلة الحصار إلى بناء البلد والاهتمام بالكوادر الوطنية، فضلاً عن التوسع في العلاقات الخارجية، حيث بسطت أجنحتها شرقاً وغرباً في علاقاتها مع دول العالم”.
وبالتزامن مع كشف الدوحة عن شعار بطولة كأس العالم 2022 التي ستستضيفها، تساءل الإعلامي القطري جابر الحرمي، بشكل غير مباشر، عن إمكانية تجاوز الخلافات في الأزمة الخليجية.
وقال الحرمي في منشور له على صفحته بـ”تويتر”: “هل يمكن أن يكون الكشف عن شعار كأس العالم 2022 وما حمله من رمزية تجمع ثقافة وتراث منطقتنا وشعوبها، منطلقاً لتجاوز كل الخلافات السياسية..؟! شعوبنا تستحق أن تفرح.. بعيداً عن الدماء والآلام”.
خوف إماراتي
وخلال الفترة الماضية أصاب الدبلوماسية الإماراتية “توتر وتهور”، بعد نشر وكالة “تسنيم” الإيرانية خبراً غير مؤكد أو موثق؛ يدّعي أن قطر أرسلت رسالة إلى السعودية عبر الوسيط الكويتي، تطلب فيها تسوية الخلاف معها بعيداً عن الإمارات.
ومع الدقائق الأولى لنشر الخبر على الوكالة الإيرانية، بدت الإمارات مرتبكة من أعلى رأسها الدبلوماسي؛ المتمثل في موقف وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، الذي نشر -بشكل غريب وغير معهود له- رابط مقال لحبيب الصايغ من صحيفة “الخليج” الإماراتية، حول الموضوع.
وحمل مقال الصايغ الذي تبناه قرقاش، ونُشر بصحيفة محسوبة على السلطات في أبوظبي، تهديداً مبطناً لدولة الكويت، مع تحذير صريح لها من ضرورة عدم التوسط في أي حل للأزمة الخليجية يستبعد الإمارات، أو لا تكون هي على رأسه.
وشن كاتب المقال هجوماً غير مباشر على الكويت؛ في حال رعت اتفاق مصالحة بين قطر والسعودية دون الإمارات، مع تلميحه إلى مهمة الوسيط في إنهاء الأزمة الخليجية، بمعنى إرشاد الكويت إلى ما يجب عليها أن تفعله.
اضف تعليقا