العدسة – منذر العلي

لقاء هو الأول من نوعه بين قادة الجارتين العربيتين المغرب والجزائر بعد أكثر من شهر ونصف، إثر الأزمة الدبلوماسية التي خلفتها تصريحات وزير الخارجية الجزائري.

وطالما كانت الجزائر سبب اندلاع الأزمة، فقد كان لها المبادرة في مصافحة بدأها رئيس الوزراء أحمد أويحيى للعاهل المغربي الملك محمد السادس، في افتتاح القمة الأفريقية الأوروبية الخامسة في العاصمة الإيفوارية أبيدجان، الأربعاء الماضي.

وعلى الرغم من الفتور الواضح في رد المصافحة من قبل ملك المغرب، إلا أن الودية التي غلفتها أعطت بصيصًا من الأمل على طريق إنهاء الخلافات والأزمات التاريخية بين البلدين، فهل يفعلان؟.

 

مصافحة بعد أزمة

“أويحيى” قال إنه “قدم للعاهل المغربي تحياته، وأبلغه سلام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة”، مشيرًا في تصريحات صحفية إلى أن “هذا أمر طبيعي بين الجيران.. بلّغوا سلام الشعب الجزائري إلى الأشقاء في المملكة”.

وتداولت مواقع إلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مقطع فيديو يُظهر، الملك محمد السادس وأويحيى، وهما يتصافحان، حيث يبدو “أويحيى” مبادرًا بمصافحة العاهل المغربي، بينما كان الأخير يتحدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

المصافحة تعد أول لقاء – إن جاز التعبير – بين مسؤولين من البلدين بعد حوالي شهر ونصف من أزمة دبلوماسية انفجرت على خلفية تصريحات وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، التي اتهم فيها المغرب بـ”تبييض أموال المخدرات في البنوك الأفريقية”.

وردت الرباط باستدعاء القائم بالأعمال في سفارة الجزائر بالمغرب احتجاجًا على التصريحات، وأدانت الخارجية المغربية التصريحات ووصفتها بأنها “تنم عن مستوى غير مسبوق من عدم المسؤولية في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين”.

وربما يمكن في هذا السياق تفسير مبادرة رئيس الوزراء الجزائري بالمصافحة، من قبيل اعتذار رسمي كانت تنتظره المغرب، حتى تستطيع أن تأخذ هي الأخرى خطوة إلى الأمام نحو تحسين العلاقات المتأزمة بينهما.

لكن الحقيقة أن أزمة هذا التصريح م تكن الأولى على طريق طويل من توتر العلاقات، التي كانت تزيدها التصريحات العدائية تأزمًا، ففي أغسطس الماضي، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في المغرب، ناصر بوريطة، أن العلاقات بين بلاده والجزائر دخلت “نفقًا مسدودًا على جميع المستويات”.

وأوضح في تصريحات صحفية أن “العلاقات مع الجزائر لا تعرف أي تطور”، مؤكدًا أنه لم تكن هناك أية زيارة ثنائية بين البلدين منذ أكثر من 7 سنوات.

وكان للأزمة السورية انعكاس سلبي على العلاقات المتوترة، حين أعلنت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية “رفضها القاطع” لما أثارته السلطات المغربية في أبريل الماضي، بتسهيل الجزائر دخول سوريين إلى أراضيها بطريقة غير شرعية.

وكانت السلطات المغربية اتهمت، قوات الأمن الجزائرية، بترحيل قسري لأفواج مهاجرين سوريين تجاه الأراضي المغربية.

” عبد القادر مساهل “

 

مصافحة “رئيس وزراء الجزائر” و “ملك المغرب”

 

الجزائر “على كف عفريت”

الشاهد الأبرز في تلك المصافحة غير العابرة، أنها تشي بتوجه جزائري نحو تحسين العلاقات مع المغرب، لأسباب ربما ليست العلاقات في حد ذاتها هي الهدف، بل أبعد من ذلك.

قد تكون الجزائر حاليًا في حاجة إلى تحقيق نوع من الاستقرار والهدوء في ظل الوضع السياسي المرتبك، انتظارًا للانتخابات الرئاسية المقبلة 2019، حيث يبدو الرئيس مصممًا على الترشح لولاية خامسة رغم وضعه الصحي المتدهور.

الحديث عن ترشح “بوتفليقة” من عدمه، يأتي متزامنًا مع دعوات متزايدة في أوساط النخبة المعارضة الجزائرية لتدخل الجيش من أجل عزل الرئيس وإجراء انتخابات مبكرة.

وفي أكتوبر الماضي، وقعت 3 شخصيات جزائرية، على بيان يطالب بعدم ترشح بوتفليقة، البالغ من العمر 80 عامًا، لولاية خامسة في 2019، من خلال “جبهة مشتركة” للتغيير وبمساعدة الجيش أو بحياده.

تلك الدعوات رد عليها طرفي المعادلة بوتفليقة والجيش على حد سواء، فالرئيس وجه رسالة إلى الجزائريين عشية الاحتفال بالذكرى 63 لاندلاع ثورة “التحرير” ضد الاستعمار الفرنسي والموافقة للأول من نوفمبر، قال إن “الوصول إلى السلطة في البلاد لن يكون إلا في المواعيد الانتخابية المحددة”.

كذلك كان موقف الجيش الجزائري حاسمًا، وهو ما أكده رئيس أركانه الفريق أحمد قايد صالح، الذي كرر 3 خطابات ألقاها أمام عسكريين، خلال عام 2017، بالتزام مؤسسته بالدستور، والخضوع لقائده الأعلى بوتفليقة.

وتصب جميع التوقعات في أن الرئيس لم يعد قادرًا على مباشرة مهامه الرئاسية، وأن المقربين منه باتوا الماسكين الحقيقيين بزمام القرار.

كما دل اختيار “أحمد أويحيى” رئيسًا للحكومة خلفًا لعبدالمجيد تبون الذي لم يستمر في منصبه أكثر من 3 أشهر، على أن “المربع المحيط بالرئيس استكمل وضع مركز القرار في قبضته”، إذ كان أويحيى يشغل منصب مدير الديوان الرئاسي، وهو حليف قوي لشقيق الرئيس سعيد بوتفليقة.

ومن خلال ربط هذه المور بالمصافحة سالفة الذكر، فإن “أويحيى” قد يكون هو المسؤول عن ملف تطبيع العلاقات مع المغرب، نظرًا لقربه الشديد من بوتفليقة وشقيقه.

هذا المربع، وفق تحليلات سياسية، استطاع التخلص من رئيس الحكومة الأسبق عبد المالك سلال، بعدما خشي من أن تكون لديه طموحات رئاسية، ثم تخلص من تبون، الذي فتح معركة الفساد، مُتعمدا قصقصة أجنحة رجال الأعمال المقربين من غريمه سعيد بوتفليقة، وفي مقدمهم رئيس منظمة أرباب العمل علي حدَاد.

هذا الوضع الداخلي المضطرب، ربما يحتم على القيادة الجزائرية تخفيف الضغوط على الجبهات الخارجية، وعدم إعطاء المغرب الفرصة للعب من أجل تفجير الأوضاع داخلها، بمصالحة حقيقة – قد تكون وقتية – لكنها تحقق الغرض المرجو منها.

هذا الغرض هو العدوء التام حتى 2019 حين يجلس خليفة “بوتفليقة” أو حتى هو نفسه على كرسي الرئاسة.

” عبد العزيز بوتفليقة “

 

أزمة لها جذور

تاريخيًا، فإن جذور الأزمة بين البلدين تمتد إلى عهد الاستعمار الفرنسي، حيث لم يكن هناك رسم للحدود بشكل دقيق وكامل بين البلدين المتجاورين، ولم تكن فرنسا معنية بذلك إلا بعد اكتشاف حقول من النفط ومناجم حديد في المنطقة الحدودية، حيث أعادت ترسيم الحدود وأدخلت منطقتي “الحاسي والبيض” و”كولومب بشار” ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر، حينها.

بعد استقلال الجزائر عام 1962 ومن قبله المغرب عام 1956، طالبت الرباط باسترجاع سيادتها على المنطقتين، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود إليها قبل الاستعمار، استنادًا إلى خريطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في عام 1956.

إلا أن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونج المنعقد في 1956.

وازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين في أعقاب رفض الجزائر تغيير خريطة الاستعمار، إلى أن اندلعت مناوشات تحولت إلى حرب ضروس في أكتوبر 1963، سميت بحرب الرمال.

تكبد الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب بتدخل منظمة الوحدة الأفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فبراير 1964.

ومنذ هذه اللحظة، لم ينته الصراع لكنه اتخذ صورًا غير عسكرية، ففي 15 يوليو 1972، وُقعت اتفاقية تقسيم الحدود بين الرئيس الجزائري هواري بومدين والملك المغربي آنذاك الحسن الثاني، إلا أن هذا الأمر لم ينه العداء.

فبعد إعلان تكوين جبهة البوليساريو، التي تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء المغربية بالجنوب عام 1973، كدولة مستقلة، قامت الجزائر بدعم الجبهة عسكريًا ولوجستيًا في قتالها مع القوات المغربية في نهاية السبعينيات.

وبعد أن هزم الجيش المغربي، قوات البوليساريو بعد عناء، في عام 1980 اتجه إلى بناء جدار أمني استمر تشييده نحو 7 سنوات، يمتد على طول الحدود الجنوبية بين البلدين الجارين.

في المقابل استمر دعم الجزائر لجبهة البوليساريو بدعوى “حق تقرير المصير والشرعية الأممية”، الأمر الذي لم يتقبله المغرب واعتبر ذلك وما يزال تآمرًا على وحدته الترابية.

هذا الخلاف السياسي بين الجزائر والمغرب حول مسألة الصحراء، تسبب في فشل كافة محاولات الصلح بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما، وهو ما جعل المغرب يدعو في الآونة الأخيرة الجزائر إلى التفاوض مباشرة لحل قضية الصحراء، لكن الأخيرة ترفض وتقول إنها ليست طرفًا في ذلك النزاع، وإنما تساند الشرعية الأممية.