العدسة – أحمد حسين:

إشارات يمكن اعتبارها إيجابية شهدتها الفترة القصيرة الماضية، على نحو يبشر باندثار الأزمة الخليجية التي تجاوزت العام والنصف، منذ إعلان كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصارها على قطر.

لكن في المقابل، يمكن رصد تطورات أخرى تدفع باتجاه معاكس، ربما تشير إلى استمرار الأزمة التي باتت لا تعني الدوحة، وتراها دول الحصار عبئا لم يقدم أو يؤخر.

وفي القلب من تلك التفاعلات تقف الكويت التي يفترض أنها تلعب دور الوسيط بين طرفي الأزمة، لكن ممارساتها على أرض الواقع ترمي إلى غير ذلك، لدرجة اتهامها بالانحياز إلى الطرف القطري.

إشارات الإيجابية

ولعل أحدث الأحجار التي ألقتها الكويت في مياه الأزمة، تلك التصريحات التي جاءت على لسان وزير خارجيتها الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، الإثنين، بمناسبة اليوم الوطني في قطر.

الصباح الذي هنأ أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بهذه المناسبة، وصف علاقة البلدين بـ”القوية والمتينة”، مشيرا إلى أنهما سيفرحان معا في استضافة الدوحة لمونديال 2022.

وأشاد الوزير بالإنجازات التي حققتها قطر و”الطفرات الكبيرة التي حققتها في البنى التحتية وصولا إلى عام 2022 لنفرح سويا في إقامة أكبر حدث في المنطقة وهو كأس العالم”.

نائب الوزير خالد الجار الله، نفى السبت الماضي، أن تكون قطر قد أعطت ظهرها للمصالحة الخليجية، مؤكدا أن الدوحة “لم تحرق مراكب العودة إلى المصالحة على الإطلاق ولن تحرقها”.

وفي التاسع من ديسمبر الجاري، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إن جميع دول مجلس التعاون الخليجي يمثلون أسرة واحدة عادة، وأي خلاف يحدث بين أفرادها أمر طبيعي قد يحدث داخل الأسرة الواحدة، بل ويظل ذلك أمرا بسيطا لن يصعب حله، في إشارة إلى الأزمة الخليجية، التي تطلع إلى انتهائها بـ”استجابة قطر إلى الشروط” التي وضعتها دول الحصار.

وفي مؤتمر صحفي أعقب اجتماع الدورة الـ39 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الذي احتضنته مدينة الرياض، أكد الجبير بلهجة هادئة أن “الاختلاف مع الأشقاء في قطر ليس كما يصوره البعض، ولكن بعض السياسيات القطرية أساءت لمجلس التعاون..”.

الجبير نفسه كانت له تصريحات أخرى إيجابية في أكتوبر الماضي، حين كشف أن دول مجلس التعاون الخليجي ضمنت عدم تأثر التعاون العسكري والأمني بينها بالخلافات السياسية مع قطر.

وأضاف، في كلمته خلال منتدى الأمن الإقليمي بالبحرين، أن هناك عددا من الضباط القطريين في القواعد العسكرية في البحرين، والعكس صحيح بوجود ضباط خليجيين بقاعدة العديد القطرية.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي يعد الرقم الأصعب في الأزمة خاصة بعد حادث مقتل الصحفي جمال خاشقجي وتطوراتها، تحدث في خضم المعركة بصورة إيجابية عن قطر للمرة الأولى منذ فرض الحصار.

وخلال حضوره المؤتمر الاستثماري “دافوس الصحراء” بالرياض، أكتوبر الماضي، قال: “المملكة العربية السعودية وفي 5 سنوات قادمة ستكون مختلفة تماما، والبحرين ستكون مختلفة تماما والكويت، وحتى قطر، رغم خلافنا معها، لديها اقتصاد قوي وستكون مختلفة تماما بعد 5 سنوات..”.

 

في المقابل، فإن ثمة إشارات معاكسة تقود حتما إلى نتيجتين، أولاهما أن الأزمة مستمرة ولا أفق منظور لحلها، والثانية أن الكويت انتقلت رسميا إلى المعسكر القطري، وربما يحين الوقت ليخرج خلافها مع دول الحصار إلى العلن، بعيدا عن الغرف المغلقة.

قبل أيام أذاعت فضائية الجزيرة حلقة وثائقية جديدة من برنامج “ما خفي أعظم”، كشفت فيه تفاصيل عملية غزو عسكري لدولة قطر بدعم مباشر من الإمارات والسعودية والبحرين عام 1996، بلقاء حصري مع “بول باريل” الذي قالت إنه قاد العملية ويتحدث لأول مرة عن هذا الملف.

من جانب قطر لا يصب هذا الفيلم نهائيا في اتجاه إنهاء الأزمة، بل يزيدا تعقيدا، بجانب التعقيد الذي تمارسه دول الحصار بشكل روتيني.

ففي سبتمبر الماضي، قال الجبير بلهجة حادة، إن بلاده لا تريد أن يكون لها أي تعامل مع قطر التي تدعم الإرهاب منذ التسعينيات، على حد قوله.

وخلال ندوة نظمها مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، رد على سؤال بشأن ما وصفه صحفي بتوتر العلاقات مع الدوحة، قائلا: “هو ليس توتر علاقات، نحن لا نريد أن يكون لنا أي تعامل معهم”.

وعلى مدار الأشهر الماضية، تسببت تصريحات متبادلة بين مسؤولي السعودية والكويت في نشوب أزمات دبلوماسية كادت أن تتطور، لولا أن الطرفان التزما الهدوء وسيطرا على الوضع، حتى الآن.

ففي مارس الماضي أطلق نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع الكويتي، ناصر صباح الأحمد الصباح تصريحات قال فيها إن “التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضروري باعتبارها جارا ذا حضارة عريقة”.

وأصرّ الوزير على إقحام السعودية في الأمر عند الحديث عن الإجراءات التي يقودها ولي العهد بكلمات تضمنت اتهامات ضمنية لابن سلمان بالانفراد بالقرار والديكتاتورية، حيث قال: “لدي احترام وتقدير كبيرين لصاحب السمو الأمير محمد بن سلمان لكننا نختلف تماما.. نحن دولة لها دستور والطريقة التي تتعامل فيها بالنظام الدستوري والبرلمان أصعب بكثير من اتخاذ قرار من قبل الحكومة وتفعل ما تشاء فرديا دون الرجوع للبرلمان”.

اللافت أن تلك الأزمة جاءت بعد أقل من شهرين على أزمة أخرى كادت تتطور دبلوماسيا بسبب تغريدة للمستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس هيئة الشباب والرياضة “تركي آل الشيخ”.

المسؤول السعودي المثير للجدل وصف في تغريدة على تويتر وزير التجارة والصناعة والدولة للشباب الكويتي خالد الروضان بـ”المرتزق” بعد أن عبر الوزير الكويتي عن تقديره لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لما قدمه من أجل رفع الإيقاف عن الرياضة الكويتية خلال زيارة رسمية قاد فيها وفدا كويتيا إلى الدوحة.

وقال خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي، في تصريحات صحفية إنه في إطار تلك العلاقات الأخوية “عبرنا عن الأسف والعتب للإساءة التي وجهت للفاضل الوزير خالد الروضان الذي يحظى بثقة تامة وتقدير بالغ من الجميع”.

ورأى أن تلك الإساءة “تمس العلاقات الأخوية الحميمة والمتميزة بين البلدين الشقيقين”، معربا عن ثقته بأن “الأشقاء في المملكة لن يقلوا عنا حرصا على علاقاتنا الأخوية والبعد بها عن كل ما من شأنه المساس والإساءة لها”، لكن هؤلاء الأشقاء خيبوا ظن المسؤول الكويتي، فقد اعتبرت الرياض تعليق آل الشيخ “لا يتجاوز المألوف”، كونها صدرت منه بصفته رئيس اللجنة الأولمبية وهو منصب لا صفة سياسية له.

المقدمات تقود إلى النتائج

ولم تكن العلاقات بأي حال من الأحوال على طبيعتها بين السعودية والكويت منذ اندلاع الأزمة الخليجية وإعلان الأخيرة وساطتها للحل، حيث تخلل تلك الفترة العديد من الشواهد التي أبقت فقط على شعرة معاوية في تلك العلاقات المتوترة.

ففي يناير الماضي، وقبل أيام قليلة من تغريدة “آل الشيخ”، زار وزير الدفاع الكويتي الدوحة والتقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بعد أيام من استقبال الكويت نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية على رأس وفد رفيع.

وفي نوفمبر، افتتح رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، الفريق الركن طيار غانم بن شاهين الغانم، ملحقية عسكرية لبلاده في الكويت، واعتبر البيان الصادر عن وزارة الدفاع القطرية، أن افتتاح الملحقية “يعكس توسع المصالح المشتركة وما وصلت إليه آفاق التعاون بين البلدين الشقيقين في جميع المجالات، لا سيما في المجال الدفاعي والتعاون العسكري”.

تعاون عسكري غير مسبوق بين قطر أحد طرفي الأزمة والكويت صاحبة دور الوساطة، يلقي بظلال الشك والريبة على هذا الدور إلى حد يصبح معه في عداد الموتى.

هذا الاستنتاج يترافق مع اتهامات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للكويت بعدم الحياد في الأزمة الخليجية، وبأنها تتخذ موقفًا محابيًا لقطر.

ففي أواخر أكتوبر الماضي، نشر حساب “العهد الجديد” على تويتر، ما قال إنها تفاصيل ما جرى بين العاهل السعودي وأمير الكويت خلال زيارة الأخير إلى الرياض، منتصف الشهر ذاته لبحث تداعيات الأزمة الخليجية.

وقال الحساب الذي يعرف نفسه بأنه قريب من مراكز صنع القرار في السعودية، إن أمير الكويت “شعر بأنه لا يوجد حل للأزمة المتواصلة منذ شهور، وأن الدور قادم على الكويت”.

الملك سلمان اتهم الكويت صراحة بعدم الحياد وبأنها تتخذ موقفًا محابيًا لقطر، رغم أنها تقود جهود الوساطة بين رباعي الحصار وقطر منذ اندلاع الأزمة في يونيو الماضي، وبحسب التغريدات، قال الملك للأمير: إحنا نعرف موقفكم مع قطر وليس محايد، فرد عليه: يا طويل العمر، ما شفت كلمتي في المؤتمر الصحفي مع ترامب، قال: شفتها، وهي مع قطر.

وأشار حساب “العهد الجديد” إلى أنه عقب محادثاتهما، جلس أمير الكويت على مأدبة الغداء وهو ضيق الصدر ولم يأكل، ليوصل إلى السعوديين رسالة احتجاج.

وبالتزامن مع افتتاح الملحقية العسكرية، نفت وزارة الدفاع الكويتية، الأنباء التي تداولتها وسائل إعلام ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حول وجود تحركات عسكرية (لم تسم مصدرها) تجاه البلاد.

وفي هذا السياق لا يمكن نسيان الأزمة التي سببتها تصريحات أمير الكويت، بنجاح بلاده في منع عمل عسكري ضد قطر من جانب دول الحصار.

وفي المقابل، أصدرت دول حصار قطر بيانًا مشتركًا قالت فيه إنها “تأسف على ما قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري”، مؤكدة أن “الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحًا بأي حال، وأن الأزمة مع قطر ليست خلافًا خليجيًا فحسب، لكنها مع عديد من الدول العربية والإسلامية”.