بطريقة دراماتيكية تجدد الأمل لدى مصر للمنافسة على مقعد المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، بعد أن رفع أصوات اليابان المنسحبة رصيد مرشحة مصر مشيرة خطاب إلى 18 صوتًا.

بهذه النتيجة التي شهدتها الجولة الرابعة، الخميس، تُجرى جولة خامسة اليوم الجمعة 13 أكتوبر 2017، بين خطاب والمرشحة الفرنسية “أودري أزولاي” المتساوية معها في عدد الأصوات، لتصعد الفائزة منهما للجولة الختامية التي تنافس فيها المرشح القطري “حمد الكواري” صاحب الـ22 صوتًا في الجولة الأولى، على المقعد.

ولعل السيناريو الأرجح في هاتين الجولتين، يشير إلى أن تدعم قطر بثقلها المرشحة الفرنسية، بعد الهجوم الضاري الذي شنه الإعلام المصري والبعثة المرافقة لمشيرة خطاب ضده وضد بلاده، تارة تصريحًا وأخرى تلميحًا، بتسييس الانتخابات والتدخل بالمال لحسمها.

في المقابل، فإن الجولة النهائية قد تعكس الصورة، فتتعمد مصر التي ستكون خارج المنافسة حينها، رد الصفعة للمرشح القطري بمساندة المرشحة الفرنسية ضد “الكواري”، الأمر الذي يحسم المنصب لصالحها في حال نجحت في إقناع من صوتوا لخطاب من أجل التصويت لـ”أزولاي”.

لكن السيناريو، الذي تبقى فرص حدوثه قليلة للغاية، يذهب إلى تفوق المرشحة المصرية على الفرنسية في جولة المناصفة، ومن ثم مقابلة المرشح القطري في الجولة النهائية والقدرة على حسم الانتخابات لصالحها.

لماذا “إسرائيل” في الصورة؟

فضلًا عن العداء بين قطر وإسرائيل، والموقف المصري المناهض للدوحة كونها أحد دول الحصار، والتقارب غير المسبوق بين مصر والاحتلال، فإن ثمة أسباب أخرى تجعل من السعي الإسرائيلي لإسقاط المرشح القطري أمرًا حتميًا.

مرشح قطر معروف بكرهه وعداءه للاحتلال الإسرائيلي، وفي أعقاب تصدره الجولة الأولى شنت إسرائيل هجومًا عليه، وأدانت ما قالت إنها “جهوده في نشر الكتب المعادية والمحرضة على إسرائيل في معارض الدوحة للكتاب في كل السنوات اللي شغل فيها منصب وزير الثقافة”.

الرجل كتب مقدمة كتاب اسمه “القدس في عيون الشعراء” للباحث السوري محمد قجة عام 2013، حين كان وزيرًا للثقافة، والذي تم فيه تجميع القصائد التي تتحدث عن القدس، وتعادي الاحتلال.

واتهم البعض الكواري بأنه يحصل على رعاية ودعم إسرائيل في انتخابات اليونسكو، رغم أن سفير إسرائيل لدى السويد، جبرائيل روسينبرج، وصف مرشح قطر بأنه معادٍ للسامية، في تغريدة له على حسابه الرسمي بـ”تويتر”.

وتبدو خطورة تولي شخص مثل الكواري لهذا المنصب، ينبع من خطورة القرارات التي اتخذتها المنظمة مؤخرًا ضد الاحتلال، ما يجعل إقصائه مصلحة إسرائيلية يسعى إليها الاحتلال.

ولعل من أبرز القرارات التي صدرت عن اليونسكو ضد المصالح الإسرائيلية تمثلت في التالي:

-في أكتوبر 2011 أعلنت اليونسكو قبول فلطسين كدولة فيها، ورُفع العلم الفلسطيني داخل أروقتها.

-في مايو 2017 صادقت المنظمة على اعتبار مدينة القدس مدينة محتلة وليس لإسرائيل أي حق فيها وطالبت بسحب السيادة الإسرائيلية من عليها.

-وفي يوليو 2017 اعتبرت اليونسكو البلدة القديمة في مدينة الخليل الفلسطينية موقع تراث عالمي مهدد من قبل الاحتلال الاسرائيلي.

هذه القرارات تضمنت أيضًا الاعتراف بأن المقابر في مدينة الخليل وقبر راحيل في بيت لحم هي مقابر إسلامية، كما رفضت المنظمة وصف الأماكن التاريخية في القدس بأسمائها اليهودية وقالت إنها إرث تاريخي فلسطيني وأعلنت أسمائها العربية كالمسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، ورفضت الاعتراف بأية صلة أو علاقة يهودية بمدينة القدس.

هذه القرارات كان رد الفعل المباشر عليها وقف التمويل الأمريكي للمنظمة، الأمر الذي أدخلها في دوامة من الضغوط المالية.

في المقابل فإن موقف المرشحة المصرية كان على النقيض تمامًا، حيث نشرت عبر حسابها على تويتر في أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات صورة تجمعها برئيس الطائفة اليهودية في مصر “ماجدة هارون”، معربة عن شكرها للطائفة على دعمها في المعركة.

مشيرة خطاب و ماجدة هارون

مشيرة خطاب و ماجدة هارون

هل ترد الجميل

خريطة المنافسة على الانتخابات، وربطها بما سبق يقود إلى أن الحليف القوى لإسرائيل هو مصر، التي تستطيع من خلالها أن تحقق مآربها في إسقاط المرشح القطري.

الدعم الإسرائيلي المرجح لمرشحة مصر، يعيد إلى الأذهان مجموعة من المواقف المصرية في المحافل الدولية كانت تصب في صالح إسرائيل بشكل مباشر، لحد يدفعنا إلى التساؤل: هلى ترد إسرائيل الجميل لمصر؟.

المواقف المصرية كان أبرزها التالي:

-التصويت لصالح منح إسرائيل عضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجى في الأمم المتحدة في نوفمبر 2015.

-التصويت لصالح رئاسة إسرائيل للجنة القانونية في الأمم المتحدة في يونيو 2016، للمرة الأولى منذ إعلان دولة الاحتلال.

-سحب قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي من مجلس الأمن في ديسمبر 2016، بعد تقديمه في حدث تاريخي أثار الجدل.

التقارب المصري الإسرائيلي غير المسبوق، خلال الفترة الماضية تجلى في لقاء معلن هو الأول من نوعه بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو سبتمبر الماضي.

هذا التقارب يرجح أن ينعكس على دعم إسرائيلي غير محدود لصالح أن تضمن سيطرة مصر على مقعد مدير عام اليونسكو، بما يسمح لها بتمرير قرارات ليست على شاكلة القرارات السابقة التي أزعجت إسرائيل كثيرًا.

ولعل وجود مصر على رأس المنظمة، يحقق مصالح الاحتلال، التي قد تصل ربما لسحب القرارات المناهضة لها والتي سبق الإشارة إليها، عن طريق طلب إعادة التصويت عليها.

هذه المعادلة تجعل من الصراع على المنصب محمومًا، وبمثابة حرب حقيقية تدفع أطرافها لاستخدام الأسلحة المشروعة وغير المشروعة.

تدخل إسرائيل العملي في الانتخابات، ربما يأتي عن طريق إقناع فرنسا، في حال خسارة مرشحتها أمام مرشحة مصر، بتصويت أنصارها داخل المجلس التنفيذي للمنظمة لصالح مصر ضد قطر، بما يضمن لها تفوقًا.