منذ صعود الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى سدة الرئاسة في بلاده، عاد الحديث بشدة حول الاتفاق النووي بين القوى العظمى من جهة، وإيران من جهة أخرى. حيث يطمح بايدن إلى العودة إلى الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، مع القيادة الإيرانية في 2015، بجانب كل الدول الكبرى بمجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا.
ويرى بايدن أن انسحاب سلفه، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 كان خطأ، كما يسعى حاليًا للعودة للاتفاق، ففي أبريل/نيسان الماضي، انطلقت محادثات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. ولا زالت المفاوضات جارية بين الأطراف المعنية، إلا أنها في حالة توقف حاليًا بسبب الفترة الانتقالية التي تعيشها إيران، بعد انتخاب رئيس جديد للبلاد.
وفي ذلك، قال كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي إن بلاده تعيش مرحلة انتقالية في ظل نقل السلطة الجاري، وإن مفاوضات فيينا ستنتظر تعيين الحكومة الجديدة، وسط توقعات باستئناف المفاوضات في أغسطس/آب القادم، مضيفًا أنه على مفاوضات فيينا الانتظار حتى تتسلم السلطة الجديدة في بلاده مهامها.
ومن جهتها، أبدت الولايات المتحدة استعدادها لاستمرار العملية التفاوضية بعد الفترة الانتقالية، حيث ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن مستعدة لمواصلة التفاوض، لكن الإيرانيين طلبوا مزيدًا من الوقت للتعامل مع الفترة الانتقالية. وأضافت الوزارة: “عندما تنتهي العملية الانتقالية في إيران نحن مستعدون لوضع خطط مواصلة مفاوضات فيينا”.
موقف إسرائيلي رافض للاتفاق
ومنذ البداية، ظهر اختلاف بين استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي تجاه الملف النووي الإيراني، ونظيرتها التي تتبناها إدارة بايدن، ففي الوقت الذي يسعى فيه بايدن إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران، ترى دولة الاحتلال الصهيوني أن استراتيجية الولايات المتحدة خاطئة، وأنها سوف تمكن إيران من الحصول على السلاح النووي في النهاية.
فكحومة بنيامين نتنياهو، التي شهدت الأشهر الأولى من حكم بايدن، أبدت رفضها مرارًا بأشد العبارات للعودة للاتفاق النووي. حيث صرح نتنياهو أن دولة الاحتلال “لن تكون ملزمة بأي اتفاق يمكّن إيران من تطوير أسلحة نووية”. كما أنه بعد الاتصال الأول الذي جمع بايدن بنتنياهو، صرح الأخير أنه أبلغ بايدن عزمه منع إيران من تملك سلاح نووي، سواء باتفاق أو بدونه.
كذلك وصف نتنياهو العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته الأولى عام 2015 بـ”الغباء”، حيث قال: “العودة إلى الاتفاق النووي بصيغته الأولى عام 2015 ستؤدي إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط، وهذا كابوس وغباء ويحظر أن يحدث”. وأضاف: “العودة إلى الاتفاق النووي تمهد الطريق أمام حكومة طهران لامتلاك ترسانة نووية”.
ماذا عن موقف حكومة بينيت؟
بينما كان موقف نتنياهو هو الرفض التام للاتفاق النووي، وما قد يتمخض عنه من التزامات، فإن الحكومة الائتلافية الجديدة، برئاسة نفتالي بينيت، وشريكه يائير لابيد، تقول إنها ستحاول التأثير بالمفاوضات الجارية في فيينا في محاولة للدفع باتجاه اتفاق أفضل من وجهة نظرها، مع عدم التزامها بأي اتفاق يتم التوصل إليه.
في هذا السياق، قال وزير الخارجية في دولة الاحتلال، يائير لابيد، عند تسلمه مهامه يوم 14 يونيو/حزيران الماضي: “سندير هذه المهمة سويا مع رئيس الوزراء بينيت، ولكن هناك مبدأ توجيهي واحد؛ إسرائيل ستقوم بعمل كل شيء ممكن لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية”. وفي اتصاله الهاتفي الأول يوم 18 يونيو/ حزيران، مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أعلن لابيد أنهما اتفقا على سياسة “لا مفاجآت” مع إبقاء قنوات الاتصال بينهما مفتوحة” حيال المفاوضات حول الملف الإيراني.
ما يعني أن الحكومتين الإسرائيليتين، الحالية والسابقة، تتفقان في وجوب منع إيران من امتلاك السلاح النووي، ولكنهما تختلفان في آلية التأثير على الولايات المتحدة الأمريكية، بهذا الملف.
ضمن المحادثات أم خارجها؟
ويرى مراقبون أن التحول الحقيقي في السياسة الإسرائيلية ما بين سياسة نتنياهو وسياسة الحكومة الحالية هو في الإصغاء إلى الأجهزة الأمنية في دولة الاحتلال. فوجهة نظر المستوى العسكري والاستخباراتي في الكيان الصهيوني تؤكد الآن أكثر من أي وقت مضى بأن سلوك نتنياهو خلال المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق عام 2015 كان خطأ.
بمعنى أن أجهزة أمن الاحتلال ترى أن عدم التعامل مع المحادثات التي جرت في عهد أوباما ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية تسبب بأضرار دبلوماسية للاحتلال، وسبب أيضا سوءًا في علاقاته مع أطراف الاتفاق الدولي مع إيران، ولم يجلب نفعًا كبيرًا؛ لأن الواقع يقول حاليًا إن الولايات المتحدة الأمريكية تعود إلى نفس التفاوض مع إيران. وعلى هذا، تقول الأجهزة أمن الكيان إن من الأفضل أن تكون دولة الاحتلال ضمن هذه المحادثات للتأثير عليها لتكون نتائجها إيجابية بالنسبة لها، وإن نجم عنها اتفاقا سيئًا، أن يكون بالحد الأدنى من السوء.
وهذا بالضبط ما تريد الحكومة الجديدة فعله، فهي تُصغي للأجهزة الأمنية التي تقول إن الطريقة الوحيدة للتأثير هي من داخل الاتفاق، في مقابل حكومة نتنياهو السابقة التي لم تصغٍ لأجهزة الأمن، وكانت سياستها مختلفة وتتمثل بمكافحة الاتفاق وعدم الاعتراف بشرعيته ومحاولة التأثير عليه، ليس من داخل الاتفاق والمفاوضات وإنما من داخل الرأي العام الأمريكي.
ولذلك، يبدو أن إدارة بايدن تفضّل حكومة بينيت الحالية على الحكومة السابقة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالملف الإيراني. كما أنها أسهل للضغط عليها من قبل الإدارة الأمريكية، لأنها لا تمتلك ما كان نتنياهو يمتلكه من علاقات قوية مع زعماء في العالم، حيث أنه هو رئيس الوزراء الأكثر بقاء في سدة الحكم في دولة الاحتلال. ولهذا ستضطر أيضًا الحكومة الجديدة للسير وفقًا للتفاهمات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
اضف تعليقا