بينما يغشى الغموضُ نتائجَ الزيارات الخارجية لقادة السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، في إطار سعيهم لتحقيق التوازن وفك الاشتباكات بين الصراع الدولي والإقليمي في البلاد المتخمة بالأزمات المتراكمة، عبّر خبراء ليبيون عن خشيتهم من عودة تضارب المصالح الخارجية في ظل حالة المراوحة السياسية التي لا تزال تعيشها البلاد.
وأنهى رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ثلاث زيارات متتالية إلى باريس والقاهرة وأنقرة، فيما لا يزال رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، يقوم بزيارة عدد من العواصم الخليجية، زار منها حتى الآن الكويت وأبوظبي، بعدما استقبل المنفي والدبيية عدداً من الرؤساء والوزراء الأوروبيين في طرابلس.
وكانت أول زيارة مشتركة لوزراء خارجية فرنسا، جون ايف لودريان، وألمانيا، هايكو ماس، وإيطاليا، لويجي دي مايو، في 25 مارس/ آذار الماضي، أعقبتها زيارة لرئيس الوزراء المالطي، روبرت أبيلا، الاثنين الماضي، وفي اليوم التالي زيارة لكل من رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي ونظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.
وكذلك زيارة رئيس الحكومة إلى العاصمة الليبية موسكو في 15 إبريل/ نيسان 2021.
- قرارات دون تنفيذ..
إلى ذلك، ترى الباحثة الليبية في الشأن السياسي، هنية فحيمة، أن أوضاع البلاد في ظل السلطة الجديدة تعيش مراوحة داخلية بسبب عدم إنجاز أي تقدم في مهام المرحلة المؤقتة، وذلك بعد نحو شهر من توليها مهامها.
وقالت “لم يتبق من عمر السلطة التنفيذية سوى ثمانية أشهر ولم يتجاوز قادتها حتى الآن حد إصدار القرارات دون تفعيلها، فالمنفي أصدر قراراً واحداً بإنشاء مفوضية المصالحة الوطنية دون أن يسمي أعضاءها، والدبيبة أصدر ما يزيد عن عشرة قرارات ولم ير المواطن منها سوى دفعة من لقاح كورونا”.
ومقابل تلك المراوحة، ترى فحيمة أن “المنفي والدبيبة ذهبا لإغراق وضعهما بالزيارات الخارجية بحثاً عن حلول لقضايا كبرى تتطلب فترات طويلة”، معبرة عن خشيتها من عدم قدرتهما على استيعاب التغيرات الإقليمية والدولية أو التعامل معها. وعلى حد تعبيرها فـ”اللغة الاقتصادية التي يتحدث بها الدبيبة والوعود بحصص كبيرة في مشاريع الإنماء وإعادة الإعمار في ليبيا قد تزيد من تضارب المصالح الدولية”.
- قلق أوروبي من تركيا..
وترى الباحثة السياسية الليبية أن من بين المتغيرات الجديدة ذهاب الاتحاد الأوروبي لتوحيد موقفه في الملف الليبي، موضحة أن “القلق الأوروبي يتركز في الوجود التركي في ليبيا، سواء عسكرياً أو عبر الاتفاق البحري الموقع مع حكومة الوفاق، مقابل إصرار أنقرة على الإبقاء على قواتها كضامن لاستمرار مصالحها، وأكبرها الاتفاق البحري”.
وهنا لا بد من عدم تجاهل أن التخوف الغربي الأكبر هو بسبب تمدد النفوذ الروسي في الأراضي الليبية، وليس الوجود التركي.
ووفق قراءة فحيمة فإن “إبداء الدبيبة استعداده لتشكيل لجان مشتركة لإعادة النظر في الحدود المائية مع البلدين، بما يحفظ حقوق ليبيا واليونان وتركيا، يعني محاولة لسحب ليبيا من أتون الصراع القائم في شرق المتوسط”، لكنها أشارت إلى أن تلك “خطوة غير كافية”.
وللتوضيح أكثر، لفتت فحيمة إلى أن “الصراع في شرق المتوسط رغم انخفاض حدته بين القاهرة وأنقرة إلا أنه ما يزال مجالاً من مجالات الصراع المرتبطة بشدة بالملف الليبي”، مضيفة أن “الدبيبة والمنفي يسعيان للحفاظ على الاتفاق البحري مع تركيا لأنه في مصلحة ليبيا، لكنه بشكل أو بآخر تداخل مع صراعات أخرى على مواقع الطاقة أهمها الصراع بين شركتي النفط؛ إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، في ليبيا”.
وأوضحت أن مواقف الشركتين العملاقتين المتقاربة حالياً في مواجهة تركيا “تعني مستوى جديداً من الصراع لا يمكن لليبيا الانفصال عنه”، مرجحة أن تتزايد الزيارات الأوروبية المتوجسة من الوجود التركي والروسي للضغط أكثر على طرابلس.
وبينما احتفظت إيطاليا بسفارتها مفتوحة في ليبيا خلال الفترة الماضية، باردت فرنسا بإعادة فتح سفارتها في طرابلس، نهاية مارس/ آذار الماضي، كما أكدت اليونان ومالطا قرب إعادة فتح سفارتهما في طرابلس، بل السعي لافتتاح قنصليات في بنغازي، وهو “حراك أوروبي جديد في مستوى متقدم أكثر”، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق.
ووضع البرق تصريحات وزير الخارجية الإيطالي، بشأن سعيه لافتتاح قنصلية في الجنوب الليبي، في سياق “سعي جدي إيطالي لحلحلة ملف المهاجرين غير الشرعيين الذي أرهق بلاده”، مشيراً من جانب آخر إلى تحسن العلاقات الإيطالية الفرنسية باعتبار أن باريس ترى في الجنوب الليبي مجالاً استراتيجياً وتاريخياً لنفوذها في أفريقيا.
وأعرب البرق عن خشيته من إمكانية أن يجلب تركيز قادة ليبيا الجدد على الخارج تضارباً في مصالح المتدخلين في البلاد، معتبراً أن “الأخطر من ذلك تشابك الملف العسكري بالمصالح الاقتصادية في ظل فشل لجنة 5 + 5 العسكرية في تنفيذ أغلب بنود الاتفاق العسكري، ما سيشكل مستجداً في التحديات التي يمكن أن ترهق كاهل السلطة الليبية الجديدة”.
ومن بين المؤشرات المقلقة، وفق البرق، تصريحات وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الاثنين الماضي، التي أكد فيها استمرار بلاده في حماية مصالحها في عدد من الدول، وأبرزها ليبيا، ما يشير وفق تقديره إلى “تعثر في الملف العسكري في ليبيا وتحديداً مسألة المفاوضات بشأن مغادرة القوات الأجنبية مقابل زيادة تشديد أغلب المسؤولين الأوروبيين الذين زاروا طرابلس على ضرورة خروج تلك القوات من ليبيا”.
- قلق أمريكي من روسيا..
وعلّق البرق على عزم مسؤول روسي رفيع زيارة طرابلس قريباً، قائلاً إنها “خطوة قد تدفع واشنطن لمزيد من الانخراط في الملف الليبي”. وأردف بالقول “لم يعد خافياً أن السبب الرئيسي للاهتمام الأميركي المتزايد بالملف الليبي هو التوجس من الوجود الروسي العسكري في ليبيا وسعي موسكو لزيادة حجمه”.
وهو ما لمحت إليه أمس الخميس الدبلوماسية الأميركية والمبعوثة الأممية السابقة بالإنابة إلى ليبيا سيتفاني وليامز، في تصريحات لصحيفة “لاستامبا” الإيطالية، بخصوص عزم واشنطن لعب “دور أساسي” في ليبيا.
وفي سياق التوجس الغربي من الوجود الروسي في ليبيا نقلت صحيفة “ذا تلغراف” عن وزير الدفاع البريطاني، بين والاس، دعوته الى “مواجهة مجموعات المرتزقة الروس” في ليبيا وسورية، مشيراً إلى حاجة بلاده وشركائها إلى ضرورة مواجهة المرتزقة الروس الذين زودتهم موسكو بدبابات وطائرات وآليات حديثة.
وجاءت دعوة الوزير البريطاني متزامنة مع كلمة لوزير الدفاع الإيطالي، لورينزو غويريني، أمام مجلس النواب في بلاده، اعتبر فيها أن العملية السياسية في ليبيا “حساسة وتطورت على خلفية وقف إطلاق نار هش يهدده وجود مرتزقة أجانب ومليشيات”، مؤكداً ضرورة دعم بلاده للعملية السياسية الليبية الجديدة.
ويتساءل البرق “هل يستطيع المنفي والدبيبة وشركاؤهم في السلطة استيعاب كل هذه التحديات الخارجية وفك تعقيداتها في زمن قصير مطلوب منها أيضا الإيفاء بمهامها الكبيرة وعلى رأسها تهيئة الأوضاع الأمنية للانتخابات المقبلة؟”.
اقرأ أيضًا: هل حان وقت الصراع الروسي الغربي في ليبيا؟
اضف تعليقا