يتركز اهتمام العالم بشكل شبه كامل في الوقت الحالي على أوكرانيا، في أعقاب الهجوم العسكري الروسي على البلاد. وقد أدان المجتمع الدولي هذا الهجوم بشكل واسع لأسباب عدة. ويعد أحد أهم هذه الأسباب هو الاقتصاد.
حيث يشعر المجتمع الدولي ككل بالقلق من هذه الحرب، ولكن عندما يتعلق الأمر بالدول الأوروبية، فإن لديهم مخاوف أعمق بسبب أزمة الطاقة المحتملة التي يواجهونها على المدى القصير والطويل.
وكرد فعل على اعتراف روسيا بمنطقتين انفصاليتين في شرق أوكرانيا (دونيتسك ولوهانسك)، ثم قرار الغزو الروسي لأوكرانيا وبدء عملية عسكرية ضد كييف، أعلنت ألمانيا وقف مشروع خط أنابيب غاز نورد ستريم 2 الذي تبلغ تكلفته 11 مليار دولار.
وللتوضيح، فإن “نورد ستريم 2” هو مشروع أنابيب لنقل الغاز الطبيعي عبر بحر البلطيق من أكبر حقول الغاز في روسيا، إلى ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية. فيما يبلغ طول الأنبوب حوالي 1230 كيلومترًا، ويمر بالقرب وبشكل متوازٍ مع خط الغاز الأصلي أنابيب “نورد ستريم 1” الذي ينقل حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا منذ عام 2012.
ويوفر الخط نفس كمية الغاز الطبيعي الذي ينقلها سلفه “نورد ستريم 1″، وهو ما يكفي لتزويد 26 مليون أسرة بالغاز. وحسب الخبراء، يحظى “نورد ستريم 2” بأهمية قصوى نظرًا لتلبيته نحو ثلث الطلب المستقبلي من الغاز للاتحاد الأوروبي، وبتكلفة أقل بـ25% عن فاتورة استيراده الحالية؛ لكونه يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق.
الغاز الروسي ورقة ضغط على أوروبا
والأسبوع الماضي، حذرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، من أن أوروبا يجب أن تسرع انتقالها إلى مصادر الطاقة المستدامة، كطريق نحو الاستقلال عن اعتمادها على الغاز الروسي، حيث تعد روسيا من أكبر موردي الغاز الطبيعي لأوروبا بتوفير حوالي 40 في المائة من إمدادات القارة.
ووسط هذه التوترات العالمية، صرح رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، أن بلاده يمكن أن تصبح مصدرًا رئيسيًا للغاز بعد استكشاف حقول جديدة. وشدد على قدرة ليبيا على أن تحتل هذه المكانة بسبب مخزونها الكبير من الطاقة، قائلًا إن هناك فرصة للتعاون مع الدول الأجنبية لمواجهة “التحديات الدولية من خلال استكشاف مواردها الطبيعية”. وأضاف أن “عدم الاستقرار في ليبيا كان له تأثير كبير على إنتاج النفط والغاز”.
أربع دول أجنبية تدعم مؤسسة النفط الليبية
وفي أعقاب خطاب الدبيبة، حثت سفارات الولايات المتحدة إلى جانب أربع دول أوروبية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة) جميع الجهات الفاعلة في ليبيا على “احترام الوحدة والنزاهة والاستقلال والحفاظ على الطبيعة غير السياسية والتقنية للمؤسسة الوطنية للنفط، حيث يعود عدم انقطاع عملياتها بالفائدة على جميع الليبيين”.
وجاء في البيان الذي نشرته السفارة الأمريكية في ليبيا: “نقدر التزام المؤسسة الوطنية للنفط بتحسين الشفافية المالية، ونحذر من الأعمال التي تقوض المؤسسة الوطنية للنفط، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعددة، 2571 (2021)، 2441 (2018)، 2259 (2015)، و 2146 (2014)”. كما شدد البيان على “ضرورة تجنب مثل هذه الأعمال التي قد تشكل تهديدًا لسلام ليبيا وأمنها واستقرارها”.
هل ليبيا خيار عملي بالنسبة لأوروبا؟
تمتلك الدولة الواقعة في شمال إفريقيا أكبر احتياطي نفطي في القارة وتاسع أكبر احتياطيات معروفة في العالم، حيث تبلغ احتياطيات النفط المؤكدة في البلاد 48.3 مليار برميل. ووفقًا للخبراء، فإن تكلفة استخراج الغاز والنفط في ليبيا أكثر ملاءمة مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة.
ويبلغ إنتاج ليبيا اليومي من النفط 1.2 مليون برميل، لكن هناك كمية يتم تصريفها في السوق السوداء، وبالطبع فإنها غير معروفة الكمية على وجه التحديد؛ ذلك أن مجرم الحرب، خليفة حفتر، يسيطر على العديد من المنشآت ويُزعم أنه يبيعها بشكل غير قانوني، مما يسمح له بكسب حوالي 450-500 مليون دولار شهريًا.
كما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، والتي ترجع ملكيتها للدولة، مؤخرًا أنه مع افتتاح حقل نفط جديد “حقل الطهارة” سيكون الحقل قادرًا على إنتاج 14000 برميل من النفط يوميًا. وذكرت الشركة أيضًا أن الحقل قد يكون لديه القدرة على زيادة الإنتاج إلى 40 ألف برميل يوميًا مع آبار إضافية في المستقبل.
وفي وقت سابق قال رئيس مؤسسة النفط الليبية، مصطفى صنع الله، إن ليبيا تعتزم الإبقاء على إنتاج النفط عند مستوى 1.2 مليون برميل يوميا في 2022، وإن مؤسسة النفط تعتزم تشغيل حقلين جديدين هذا العام، بما يضيف قرابة 18 ألف برميل يوميًا لطاقة الإنتاج. وأوضح وقتها أن قطاع النفط الليبي يستهدف الحفاظ على مستويات الإنتاج البالغة نحو 1.3 مليون برميل يوميًا، ومحاولة زيادتها من خلال افتتاح عدّة حقول جديدة، في مقدّمتها حقل إيران في حوض مرزق، وحقل إن سي 4، وحقل الطهارة بمنطقة الحمادة.
مخزون غاز يكفي 340 عامًا
وتمتلك ليبيا أيضًا 53 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز المؤكدة وفقًا للأرقام الصادرة عام 2021 والتي تضع البلاد بالفعل في المرتبة 21 في التسلسل الهرمي للاحتياطيات الموجودة بالفعل على أرض الواقع. ومع ذلك، احتلت ليبيا المرتبة 40 عندما يتعلق الأمر بالإنتاج.
وتعادل الاحتياطيات المؤكدة في البلاد ما يقرب من 340 ضعف استهلاكها السنوي مما يعني أن ليبيا لا يزال لديها 340 عامًا من الغاز المتبقي بناءً على مستويات الاستهلاك الحالية (وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام تستند إلى الاحتياطيات المؤكدة).
علاوة على ذلك، أظهرت البيانات السابقة أن ليبيا تصدر أكثر من 40 بالمئة من إنتاجها من الغاز. وبحسب المؤسسة الوطنية للنفط، فإن افتتاح حقل الطهارة النفطي سيمهد الطريق لليبيا لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى 6 ملايين قدم مكعب في اليوم.
إذن يمكن القول إن ليبيا -بهذه المعطيات التي أوردناها- قادرة على أن تكون مصدرًا قويًا لتوريد الغاز إلى القارة العجوز، الأمر الذي يصب في مصلحتها اقتصاديًا بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
اضف تعليقا