العدسة – منصور عطية
على الرغم من القطيعة والأزمة غير المسبوقة في العلاقات بين مصر وقطر، إلا أنَّ الحديث دائمًا ما يتجدَّد بشأن إمكانية التقارب بين البلدين، والرسائل والمؤشرات الإيجابية المتكررة في هذا الصدد.
وكان للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013 اليد في الوصول بالأزمة إلى وضعها الحالي، فبينما اعتبر النظام المصري جماعة الإخوان منظمة إرهابية ويشنّ ضدها حربًا شرسة، تحتضن الدوحة العديد من قياداتها وأعضائها وتفتح لهم منابرها الإعلامية.
ثم جاءت الأزمة الخليجية في يونيو الماضي، لتزيد الطين بلة، وتدخل أطراف أخرى كالسعودية والإمارات على خط الأزمة لتضاعف تعقيداتها، إلى حد اتهامهما بعرقلة التقارب.
اتهامات كاذبة
أحدث ما يمكن أن نسميه الرسائل الإيجابية التي توجهها قطر لمصر، كانت عبر تصريحات صحفية للشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، الذي قال إن بلاده “تأمل دائمًا في سد الفجوة بينها وبين مصر”.
وخلال مشاركته في إحدى جلسات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بسويسرا، الثلاثاء، وصف “آل ثاني” الادعاء بمحاولة قطر زعزعة استقرار مصر بأنها “اتهامات كاذبة.. وليس هناك ما يدعو إلى أن تصبح قطر عاملًا مزعزعًا للاستقرار في مصر”.
وقال الوزير القطري: “نحن نأمل دائمًا في سد الفجوة بين الدوحة والقاهرة، ونعتقد أن الاختلافات التي بيننا ليست أساسية”، متابعًا: “نحن نهتم باستقرار مصر، وأولئك الذين يدّعون أن قطر تحاول أن تلعب دورًا مزعزعًا لاستقرارها، يوجهون اتهامات كاذبة”.
وأضاف “آل ثاني”: “إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية عربية، فإن استقرار مصر مهم جدا للمنطقة. وإذا نظرنا إليه من منظور اقتصادي، فلدينا استثمارات قائمة هناك، والحرص على أن تكون استثماراتنا في بيئة مناسبة هو من أولوياتنا”.
إذن فإنَّ النظرة القطرية الشاملة لاستقرار لمنطقة ودور مصر فيها من ناحية، ومصالح الدوحة الاقتصادية من ناحية أخرى هما المحركان الرئيسيان لما بدا أنها محاولة للتقارب مع القاهرة، والبحث عن مشتركات تقزم القضايا الخلافية بينهما.
رسائل إيجابية سابقة
لكن اللافت في هذا السياق أنَّ الرسائل القطرية الإيجابية تجاه مصر والدفاعة باتجاه رغبتها بالتقارب لم تكن وليدة اللحظة، بل تكررت على مدار الفترة الماضية خاصة مع اشتداد الأزمة الخليجية.
في 20 نوفمبر الماضي، اتهم نائب رئيس الوزراء القطري وزير الدولة لشؤون الدفاع خالد العطية، في مقابلة مع تليفزيون قطر، دولة خليجية (لم يسمها) بعرقلة المصالحة بين قطر ومصر.
“العطية” قال: “معظم الإعلام المصري الذي يشتم قطر مدفوع من إحدى الدول الخليجية، وليس من مصر، وكل المحاولات التي قمنا لتقريب وجهات النظر مع الأشقاء، كانت تعرقل من طرف خارجي”.
وعن كواليس التقارب مع مصر، أكد الوزير أن الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية نبيل العربي جمعه في لقاء مع وزير الخارجية المصري وقتها نبيل فهمي، وتم الاتفاق على تحويل الودائع القطرية إلى سندات، بموافقة جاءت من الأمير خلال 5 دقائق فقط.
وأضاف: “وتفاجأنا لاحقًا بالرئيس (المؤقت) عدلي منصور يخرج في التلفزيون ليقول: فاض الكيل على قطر، وهذا يثبت أنه كلما جئنا لنبني جسور تقارب مع مصر يدخل طرف ثالث. وأنا احترت لذلك”.
في اليوم نفسه ومن العاصمة الأمريكية واشنطن قال وزير الخارجية القطري إنه “من مصلحة الدوحة أن تبقى مصر آمنة ومستقرة”، مؤكدًا أن توتر العلاقات مع القاهرة “لا تتحمل قطر المسؤولية عنه”.
“آل ثاني”، أضاف خلال مؤتمر صحفي، أن قطر كانت منفتحة على مصر، مبينًا أن سلطات بلاده تعتبرها دولة مركزية مهمة، وأشار إلى أن “هناك لاعبين إقليميين يقومون بلعبة خطرة دون استراتيجية واضحة”.
التلميحات القطرية تبدو واضحة للعيان أنها تقصد كلًا من السعودية والإمارات، خاصة الأخيرة التي تسعى للعب أدوار وُصفت بالمشبوهة في العديد من البلدان وعلى رأسها مصر لتمكين الثورات المضادة ومحاربة تيار الإسلام السياسي.
لكن ما الذي قد يدفع مصر للقبول بالتقارب مع قطر، وما مصير المعضلة الأساسية في الأزمة بينهما وهي الموقف من جماعة الإخوان المسلمين؟.
معززات التقارب ومصير الإخوان
بداية فإن أيامًا تفصل مصر عن انتخابات رئاسية بات في حكم المؤكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسي سيحظى من خلالها بفترة رئاسية ثانية، وهو هنا ربما يكون في حاجة إلى فرض حالة من الهدوء مدفوعة بمنطلقات جديدة في السياستين الداخلية والخارجية لمصر، أو التعديل في الحالية.
تلك الحالة من الهدوء قد تستلزم إزاحة ملف الإخوان من قائمة القضايا التي تؤرّق النظام، وإيجاد صيغة مقبولة شعبيا لإنهاء تلك الأزمة سواء كانت عبر مصالحة أو غيرها من أطر الاتفاق، الأمر الذي ينسحب على تعزيز لتوجهات التقارب مع قطر.
وعلى الدوام كانت مصالح القاهرة أو مصالح النظام بشكل دقيق فيما بعد 3 يوليو هي المحرك الرئيسي لسياسات النظام، وعليه فإنَّ ما يمكن أن تجنيه القاهرة من مكاسب اقتصادية ألمح إليه وزير الخارجية القطري يبقى لامعًا في عيون السيسي، خاصة مع انحسار الدعم المالي الذي تقدمه كل من السعودية والإمارات على مدار السنوات الماضية.
تصريحا “العطية” و”آل ثاني” سالفا الذكر، كشفا استعداد الدوحة ضمنيًا للقيام بالدور الإماراتي في دعم نظام ما بعد يوليو 2013، فضلًا عن قدرتها على اللعب بالإخوان كورقة تفاوض.
“العطية” أسهب كثيرًا في الحديث عن محاولات بلاده للتقارب مع مصر حتى بعد الإطاحة بمرسي، ومن بينها الاتفاق على تحويل الودائع القطرية إلى سندات، في عهد عدلي منصور، حينما كان السيسي وزيرًا للدفاع لكنه كان ممسكًا بالسلطة بصفته قائد الجيش الذي أطاح بالرئيس.
ومن كلماته أيضًا أن توجيهات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كانت في عدم تأثر الالتزامات القطرية تجاه مصر (يقصد الدعم المالي ووعود الاستثمار التي اتفق عليها في عهد مرسي) بأزمة الإخوان.
وهذا يبدو كدليل آخر ليس على استخدام قطر لورقة الإخوان فقط، بل على استعدادها للعب الدور الاقتصادي الذي قامت به الإمارات فيما بعد وعلى مدار السنوات اللاحقة لتلك الفترة.
كما يمكن القول بأن قطر تراهن على أن يكون الإخوان ورقة رابحة في أية تسوية للأزمة الخليجية وبالتالي تسوية الأزمة مع مصر وإحياء العلاقات بينهما، وهو ما كشفته تصريحات لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير في نوفمبر الماضي.
ففي لقاء متلفز مع فضائية “سي بي سي” كشف الجبير أن قطر “استجابت عمليًا” لبعض مطالب دول الحصار، بينما يُنتظر منها الاستجابة لمطالب أخرى تتعلق بمن أسماهم أعضاء المنظمات الإرهابية المتواجدين على أرضيها.
وأشار إلى أنه من المنتظر الآن “ماذا سيفعلون بالمطلوبين وممولي الإرهاب وأعضاء المنظمات الإرهابية المتواجدين في قطر، بما فيها الإخوان المسلمين، وكذلك التحريض والكراهية؟”.
اضف تعليقا