العدسة – منصور عطية

“الاحتلال التركي لمدينة عفرين السورية”.. عبارة باتت مألوفة لدى متابعي وسائل الإعلام الموالية لدول حصار قطر، في سياق حملة إعلامية مستعرة ضد أنقرة، تقودها الإمارات على وجه التحديد.

هذه الحملة لم تقتصر على الإعلام الساعي لتشويه صورة تركيا في أذهان الشعوب العربية فقط، لكنها انسحبت على تحركات عسكرية إماراتية مشبوهة أصبحت تشكل مصدر قلق كبير للأتراك، وسط تساؤلات بشأن تداعيات تلك الحرب وما يمكن أن تسفر عنه من مواجهات أخرى.

حظر المسلسلات و”احتلال” عفرين

ملامح هذه التحركات المتسارعة كشفتها تقارير إعلامية، تحدثت عن متابعة دوائر صنع القرار في تركيا بتوجس غير مسبوق لما تحول إلى مرحلة الاستهداف المباشر والمكشوف لتركيا على العديد من الأصعدة.

المحور الأول للتحركات التي تتزعمها دولة الإمارات، كان في المحور الإعلامي عبر حرب إعلامية تمثلت أبرز خطواتها مؤخرا في حظر بث المسلسلات التركية، بينما تصاعد هجوم إعلام الحصار على تركيا، في أعقاب تمكن الجيشين التركي والسوري الحر من السيطرة على مدينة عفرين شمال سوريا.

وجاء التصعيد الإعلامي الإماراتي والسعودي ضد تركيا، بعد أيام من قرار وقف بث المسلسلات التركية على قنوات مجموعة “إم بي سي” السعودية العاملة من الإمارات، والأنباء التي وصلت تركيا عن أن القرار سياسي، وله أبعاد إقليمية تقودها الإمارات من أجل وقف التأثير التركي على الشعوب العربية.

وطوال الأيام الماضية، شنت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية العاملة من دبي وأبوظبي بشكل خاص، هجوما غير مسبوق على تركيا، واستضافت ناطقين أكرادًا وعربًا من أجل مهاجمة الدور التركي في سوريا واتهام أنقرة بالسعي لاحتلال أراضٍ عربية.

وركز الخطاب الإعلامي لها على بث أخبار تتعلق بـ”قتل المدنيين السوريين في عفرين”، و”احتلال تركيا أراضيَ سورية”، وغيرها من العناوين المتعلقة التي تشوه صورة عملية “غصن الزيتون”، وصورة تركيا في العالم العربي بشكل عام.

تحركات عسكرية

أما المحور الثاني، فانقسم إلى حدثين أولهما: الأنباء التي تناولت تزعم الإمارات اجتماعا عُقد على متن يخت في البحر الأحمر إلى جانب عدد من زعماء المنطقة، وهدف إلى بحث سبل مواجهة تركيا.

الحدث الثاني، كان مشاركة أبوظبي في مناورات عسكرية إلى جانب إسرائيل وأمريكا ودول أخرى في اليونان، على خلفية تصاعد التوتر بين أنقرة وأثينا في بحر إيجه.

هذه الأنباء جاءت بالتزامن مع ما كشفته وسائل إعلام دولية نقلا عن مصدرين مطلعين من قولهما: إن “قمة سرية أواخر 2015 جمعت بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وولي ولي العهد السعودي آنذاك محمد بن سلمان الذي أصبح وليا للعهد، وولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وملك الأردن عبدالله الثاني، عقدت على متن يخت في البحر الأحمر، نظمها رجل الأعمال الأمريكي اللبناني جورج نادر، مستشار ولي عهد أبوظبي”.

وحسب الموقع، فإن “نادر”، الذي خضع مؤخرا للتحقيق بشأن تمويل حملة دونالد ترامب لانتخابات الرئاسة الأمريكية الماضية، عرض على المشاركين في الاجتماع تشكيل تحالف إقليمي من 6 دول عربية، بحيث تصبح هذه الدول المتحالفة قوة تعول عليها الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ تركيا وإيران في المنطقة.

هل تتطور المواجهة؟

ولعل التساؤل الأبرز بعد رصد أبرز ملامح خطة دول الحصار بقيادة الإمارات، هو إلى أي مدى يمكن أن تتطور مواجهة هذا المحور مع تركيا.

ربما كان الأمر يتوقف عند حدود التراشق الإعلامي، وبث متبادل للبرامج والمواد الإعلامية المختلفة، لكن التحركات العسكرية الإماراتية تثير القلق بشأن نية أبوظبي الإقدام على مزيد من الخطوات.

يبدو الحديث المبكر عن ضربة عسكرية محتملة غير منطقي لعدة أسباب؛ في مقدمتها القدرات الكبيرة التي يتمتع بها الجيش التركي، وعضوية أنقرة في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

لكن بالنظر إلى عوامل أخرى في مقدمتها المعارضة الأوروبية والغربية الواسعة للتدخل التركي في عفرين، واحتمالات المواجهة بين أنقرة وواشنطن في منبج السورية، رغم أنه يؤجل الحديث عن احتمالات مواجهة عسكرية بين دول الحصار وتركيا لكنه لا يستبعدها.

في المقابل، فإن المساندة العسكرية التركية لقطر بقاعدتها في الدوحة، إبان الأزمة الخليجية الحالية، كانت من بين العوامل التي ألغت ضربة عسكرية كانت دول الحصار تنوي توجيهها لقطر.

وفي هذه الحالة، فإن الأمر ينطوي على تصعيد كبير في الحملات الإعلامية المضادة من دول الحصار، والتي تعتبر تركيا بادئة فيما يتعلق بهذا المجال، من خلال مجموعة من المسلسلات والأعمال الفنية لتركيا، اخترقت صميم الثقافة العربية، وتعلق بها الملايين من المشاهدين بالمنطقة.

وليس مستبعدا أيضا أن تتضمن المواجهة تصعيدا دبلوماسيا، على مستوى العلاقات الثنائية بين تركيا من جانب، ودول الحصار كل على حدة من جانب آخر، أو على مستوى تقديم شكاوى فردية وجماعية لدى الجهات الدولية المعنية، مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمجلس الدولي لحقوق الإنسان.

ثمة توجه آخر قد تلجأ إليه دول الحصار، ويعني التدخل العسكري بالوكالة، من خلال تقديم الدعم المادي واللوجيستي لقوات النظام السوري أو الميليشيات الكردية التي تخوض قتالا شرسا مع الجيش التركي في عدة جبهات.

للصراع جذور

القيادة الإماراتية لكل الجهود السابقة التي تحارب تركيا، تعود إلى خلافات ترجع جذورها إلى ثورات الربيع العربي، التي ساندتها أنقرة منذ البداية، بينما حاربتها الإمارات وسعت لتمكين الثورات المضادة في تلك الدول، على أرضية معاداة تيار الإسلام السياسي الذي قاد الثورات.

الملف المصري المرتبط بتعامل البلدين مع الثورات كان خير شاهد، فبينما مولت الإمارات علانية التحركات التي انتهت إلى الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013، ودعمت بقوة مستمرة حتى الآن نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، احتضنت تركيا الفارين من مؤيديه والمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وناصبت السيسي العداء.

وخلال العامين الأخيرين، كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في يوليو 2016، والأزمة الخليجية يونيو 2017، هما الحدث الأبرز في تعاظم الأزمة بين البلدين على نحو غير مسبوق.

تقارير إعلامية تحدثت عن اتهام السلطات التركية للإمارات بإنفاق نحو 3 مليارات دولار من أجل تمويل المحاولة الانقلابية الفاشلة للإطاحة بأردوغان ونظامه، عن طريق المتهم الأول بالتورط فيها، رجل الدين المعارض، عبدالله كولن وجماعته المعروفة باسم “الخدمة”، والمتغلغلة في الدولة التركية.

أما الأزمة الخليجية، فقادت إلى فهم أكبر للدور الإماراتي في محاولة الانقلاب الفاشلة، حينما كان أردوغان في طليعة المساندين لقطر ضد حصار الرباعي العربي، ليس بالكلمات فقط بل بالقوة المسلحة، حيث انتقلت القوات التركية إلى قاعدتها العسكرية الوليدة في قطر.

تقارير أخرى نقلت عن مصدرين؛ أحدهما دبلوماسي وآخر أمني، ما قيل إنها معلومات جديدة، حول دور أبوظبي في مساعدة جماعة “كولن” للقيام بمحاولة الانقلاب الفاشلة.

على الجانب الآخر، كانت منطقة شرق إفريقيا بما تمثله من أهمية إستراتيجية كبيرة، ساحة لصراع على النفوذ بين تركيا والإمارات.

لكن الإمارات تعرضت لصفعة قوية خلال الأيام الماضية، عندما تقدم الصومال بشكوى للجامعة العربية عقب توقيع شركة موانئ دبي اتفاقية مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي لاستغلال ميناء “بربرة”، ورفض برلمانها تلك الاتفاقية.