العدسة – معتز أشرف

كل السيناريوهات باتب ممكنة مع الغضب غير المسبوق في الأردن، وبدء تراجع العاهل الأردني تحت سطوة التظاهرات ضد الزيادة في أسعار المحروقات، وارتفاع سقف المطالب الشعبية بإقالة الحكومة، وسحب قانون الضريبة، وسط حديث عن تأثير خارجي مشجِّع للمستضعفين في المنطقة لإشعال ربيع عربي جديد.. فهل تكون الإجابة الأردن علي غرار الإجابة تونس في 2011 ؟ أم أنَّ المؤامرة أكبر، وإجهاض الغضب معدٌّ بدقة؟ دعونا نرصد ما حدث ونستشرف المقبل.

الانتصار الأول!

في انتصار شعبي واسع خضع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لصوت الجماهير الأردنية الغاضبة، وأمر رئيس الوزراء، في وقت سابق من يوم الجمعة، بوقف قرارات تعديل تعرفة المحروقات والكهرباء لشهر يونيو الحالي، الذي اتخذته لجنة تسعير المحروقات ومجلس مفوضي الهيئة، الخميس، بعدما أثارت الزيادة مزيدًا من غضب المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجًا على مشروع الضريبة.. وبلغة تودد قالت الأميرة هيا بنت الحسين عبر صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي تويتر : ‘أقف قلبًا وقالبًا وراء بلدنا الأردن وشعبه وأطلب من العلي القدير أن يحمي وطننا الغالي الأردن’.

الاحتجاجات استمرت في العاصمة عمان وامتدت لتطول مناطق متفرقة بالأردن، الجمعة، ضد مشروع قانون ضريبة الدخل؛ حيث طالب المتظاهرون الحكومة بالتراجع عن مشروع القانون وإيجاد بدائل لدعم الموازنة دون التأثير على محدودي الدخل، في توسيع لدوائر الغضب وتصعيد لقائمة المطالب، وصرَّح رئيس مجلس النقباء الأردنيين نقيب الأطباء الدكتور علي العبوس، أن المجلس قرر الاستجابة لدعوة رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة لعقد لقاء في المجلس، السبت، حول مشروع قانون ضريبة الدخل بحضور رئيس الوزراء هاني الملقي، مؤكدًا أن المجلس سيعقد اجتماعًا لتقييم نتائج اللقاء واتخاذ القرارات المناسبة، فيما شدَّد على حق المواطنين بالتعبير عن آرائهم بالطرق السلمية والحضارية.

الغاضبون أطلقوا هتافات منها “الشعب يريد إسقاط الحكومة”، و”ما خلقنا لنعيش بذلّ خلقنا لنعيش بحرية” و”يا ملقي اسمع اسمع، شعب الأردن ما بيركع”، في إشارة إلى رئيس الوزراء هاني الملقي، وأغلقوا في  العاصمة عمان طريق المطار احتجاجًا على مشروع قانون ضريبة الدخل، قبل أن تتدخل قوات الدرك وتعيد فتح الطريق، في حين تجمع محتجون آخرون بين الدوارين الثالث والرابع بعد منع الأمن وصولهم إلى مقر رئاسة الوزراء.

وأغلق المحتجون الطريق الرئيسي وسط مدينة السلط بشكل كامل، احتجاجًا على القرارات والقوانين الاقتصادية، كما امتدَّ الغضب، وتوجهت مسيرة من حي الطفايلة في جبل التاج شرقي العاصمة عمان باتجاه الديوان الملكي في سابقة جديدة احتجاجًا على مشروع القانون والمطالبة برحيل الحكومة، كما نفذ المئات من أهالي الفحيص وقفة احتجاجية للسبب ذاته وطالبوا برحيل الحكومة وحل مجلس النواب، وهو ما تكرر في محافظة إربد، إلا أن محتجين أغلقوا الطريق الرئيسي بين منطقتي صما والطيبة بالحجارة والإطارات المشتعلة، احتجاجًا على مشروع قانون ضريبة الدخل، وفي جرش شمال الأردن توافد المئات من أبناء وقرى وبلدات المحافظة إلى ساحة بلدية جرش الكبرى للمشاركة في الاعتصام ضد مشروع القانون الجديد ورفع الأسعار.

ترضية أم تضحية! 

وفي تصعيد للتوتر وفيما يبدو أنه اتجاه للتضحية بالحكومة أو علي الأقل امتصاص الغضب مؤقتًا، وقّع عدد من أعضاء مجلس النواب الأردني عريضة أبلغت الملك عبد الله الثاني بأن حكومة البلاد لم تعد تحظى بثقتهم بسبب سياسة الجباية التي تتبعها، ووصل العدد نحو 30 من أعضاء البرلمان من  كتلة الإصلاح النيابية وارتفع إلى 70 نائبًا، وطالبوا الحكومة بالامتناع عن إدراج مشروع قانون ضريبة الدخل على الدورة الاستثنائية لمجلس النواب المزمع عقدها بعد عيد الفطر.

يأتي هذا في ظل إصدار وزير الداخلية سمير مبيضين توجيهات لكافة الأجهزة الأمنية بـ”التحلي بأقصى درجات ضبط النفس” في التعامل مع الاحتجاجات، لكنّه دعاهم إلى التعامل “بكل حزم” مع أية محاولات للخروج على القانون والقيام بـ”أعمال تخريبية وإغلاق الطرق أو محاولات الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة أو محالات الاعتداء على منتسبي الأجهزة الأمنية” بالتزامن مع تسريبات قد تثير مزيدًا من الغضب؛ حيث كشف مصدر حكومي لوسائل الإعلام في وقت سابق أن الحكومة ترفض سحب مشروع قانون الضريبة، وذلك بالتزامن مع عقد اجتماع بحضور رئيس الوزراء هاني الملقي وأعضاء مجلس النواب والنقابات المهنية، وعدد من الوزراء لبحث تداعيات مشروع القانون الجديد.

التضحية بالحكومة ظهرت بوضوح في حديث رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، عندما أكّد أنّ البرلمان لن يكون في جيب الحكومة ولم يذعن لإملاءات صندوق النقد الدولي، مضيفًا أنّ مجلس النواب سيقف إلى جانب الوطن ومطالب المواطنين ولن ينحاز للحكومة، مضيفًا أن “الأردن أكبر من الحكومة وقانون الضريبة”، وعلى المجلس تحمل مسؤولياته أمام مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل.

وبحسب مراقبين أردنيين، ففي الوقت الذي نقلت فيه وسائل الإعلام عن مصادر حكومية قولها: إن الملقي يتابع المشهد من مركز إدارة الأزمات، تسعى الحكومة التي لم تعلق على المشهد المشتعل منذ الأربعاء إلى تهدئة الشارع من الحديقة الخلفية وباستدعاء أدواتها الناعمة مجددًا؛ حيث تسَيَّد مجلس النواب وفوضى التصريحات الإعلامية الساعات الأخيرة بعد ليلة الجمعة المشتعلة، فالمجلس الذي أقر كل القوانين التي رفضها الشعب لم يتحرك فجأة ليرمم صورته، وإن بدا الأمر كذلك في بدايته؛ حيث بدأت القصة بتلويح 16 نائبًا بالاستقالات الجماعية، ثم توقيع أكثر من 70 نائبًا على مذكرة لردّ مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، وهو عدد تواجد في أكثر من مذكرة عملت على امتصاص غضب الشارع، ثم عند التصويت يختفي الجميع ويبقى أقل من 30 نائبًا معارضًا يقولون “لا” لوحدهم.

في الطرف الآخر من اللعبة بحسب وكالة البوصلة الأردنية  استدعت الحكومة أذرعها الإعلامية في الدقائق الأخيرة من الليلة لبث الشائعات والأخبار المتضاربة، والتي بدأت ببثّ شائعات بإقالة حكومة الملقي، ثم الحديث عن خطاب ملكي، ثم إعلان مجلس النقباء تعليق التصعيد وهو ما تمّ نفيه من قبل نقيب الصحفيين تمامًا، ثم بثّ أنباء عن سحب قانون الضريبة وانتهاء الاعتصام أمام الرابع بعد تصريح النقباء، وكلها أخبار تأكدت من عدم صحتها ما يشير إلى وجود من يوجه الأوامر بنشر هذه الأخبار في هذا الوقت بالتزامن مع تلويح مجلس النقباء بالتصعيد وإبقاء خياراته مفتوحة في حال لم تسحب الحكومة مشروع قانون الضريبة، وتلغي تعديلات نظام الخدمة المدنية.

أفق غير محدد

الأفق الأردني غير محدَّد رغم التحركات الملكية المجهضة للحراك الغاضب، والسيناريوهات مفتوحة بحسب المراقبين، إلا أن تراجع الحكومة يقف في مقدمة السيناريوهات الراجحة مع تدخل العاهل الأردني، وذلك يتمثل بأن يعلن رئيس الوزراء سحب مشروع قانون ضريبة الدخل من مجلس النواب، والإعلان عن صيغة توافقية بشأن قانون الخدمة المدنية، إلا أنَّ السيناريو معرض للتصعيد مع دعوات المتظاهرين لرحيل الحكومة والتراجع عن رفع أسعار الخبز.

ويتحدث البعض عن تحمل البرلمان لمسئولية حل الأزمة، بأن يعلن عن صيغة تقبل بها النقابات وتقنع الغاضبين، على أن تطبق بعد انعقاد مجلس النواب في دورة استثنائية كان مخططًا لها أن تلتئم نهاية يوليو القادم، وسط دعوات بتعجيل الدعوة لها لتبدأ خلال أيام، غير أن صوت الغضب قد يكون أعلى من ذلك السيناريو كثيرًا، فيما يذهب البعض إلى فشل الحوار وتمدّد الغضب إلى قطاعات أكبر تبني علي الغضب المخزون في الحراك السابق خلال الفترات السابقة ضد رئيس الوزراء هاني الملقي، فيما يراهن البعض على كسب الملك- الذي يعود للأردن مساء اليوم من زيارة خارجية- للجولة عن طريق سحب مشروع القانون، وبين هؤلاء يقف أنصار صندوق النقد الدولي في ترقب لما يحدث، خاصة أن وفد الصندوق يزور البلاد حاليًا للاطمئنان على تنفيذ البرنامج الاقتصادي سبب الأزمة الذي يتوقع أن ينتهي نهاية 2019.

وبحسب الكاتب “حلمي الأسمر” فقد يكون إضراب الأردن مقدمة “ربيع عربي ” قادم، مؤكدًا وجود حالة اجماع أردني غير مسبوق في قضية واحدة تمس الجميع بشكل يكاد يتلامس مع أجواء حراكات الربيع العربي التي بدأت تلوح مع تلك النشاطات المحمومة التي ألهب مشاعرها مشروع قانونٍ أقلّ ما يوصف به أنه مجنون ومتطرّف، يسلب ما بقي في جيوب الأردنيين من قروشٍ قليلة، وربما يكون هذا الإضراب، بغضّ النظر عن حجم المشاركة الشعبية فيه، “بروفة”، أو تمرينًا بالذخيرة الحية لربيع أردني ساخن قادم.