العدسة – موسى العتيبي

مابين حين وآخر يتحدث العاملون في القطاع العقاري في مصر، عن احتمالات بانهيار كبير في سوق العقارات، وحدوث ما يطلق عليه البعض بالفقاعة العقارية، وأن هذا الأمر بات وشيكا للغاية، للحد الذي يؤكد البعض احتمالية حدوثه بدءا من العام القادم 2018.

ولأن سوق العقارات هو السوق الأهم بالنسبة لملايين المصريين، الذين قرروا استثمار مدخراتهم وأموالهم فيه لحمايتها من التآكل تحت وطأة التراجع العنيف لسعر الجنيه، فإن الأمر يهم بلا شك قطاعا واسعا من المصريين.

وبين نصائح تؤكد أهمية الحذر في التعامل مع سوق العقار خلال الفترة المقبلة، وأن هناك هبوطا حادا ستشهده العقارات والأراضي، بسبب الفقاعة العقارية المرتقبة، ونصائح أخرى تؤكد أن سوق العقارات سيظل الأفضل على الإطلاق، يبقى كثير من المصريين حائرين!.

هل نحن مقبلون فعلا على فقاعة عقارية؟ وما هي تلك الفقاعة؟ وما أسباب حدوثها؟.. في التقرير التالي نجيب عن كل ذلك بالتفصيل:

ماذا يُعنى بالفقاعة؟

بشكل عام يطلق اقتصاد الفقاعة أو اقتصاد البالون، حين تتسبب المضاربة على سلعة ما في تزايد سعرها، بطريقة تؤدي لتزايد المضاربة عليها.

وقتها يبلغ سعر هذه السلعة مستويات خيالية، في تشبيه انتفاخ البالون، حتى يبلغ مرحلة ما يسمى بانفجار الفقاعة أو البالون (الانهيار) وحدوث هبوط حاد ومفاجئ في سعر هذه السلعة.

وتعرف الفقاعة العقارية، على وجه الخصوص بأنها ارتفاع معدلات بيع العقارات بصورة تفوق حجم الشراء، ما يترتب عليه لجوء مقتني الوحدات للبيع بأسعار منخفضة، ويزداد الموقف حدة عند اعتماد شريحة من مقتني الوحدات على القروض الشخصية، أو التمويل العقاري في شراء هذه الوحدات بغرض الاستثمار أو السكن الثاني، حيث سيضطرون إلى البيع السريع بأسعار أكثر انخفاضًا لتفادي تعرضهم لأزمة مالية.

مراقبون توقعوا أن تحدث فقاعة عقارية هائلة في مصر، في الوقت القريب، وتكون بدايتها عام 2018، وربما تتسبب في إفلاس المئات من شركات المقاولات والتسويق العقاري، مرجعين ذلك لعدة أمور:

إغلاق الشقق وتسقيع الأراضي

يؤكد خبراء ومختصون أن ظاهرة “تسقيع” الشقق والأراضي، هي من أبرز عوامل انفجار الفقاعات العقارية بالعالم، حيث أن الوضع الاقتصادي (الآن) في مصر أقرب لاقتصاد الفقاعة، فقد بدأ بشيوع ظاهرة “التسقيع” ويُقصد بها الاستثمار في الأراضي والعقارات وحبسه لفترة زمنية لتعطيل دورة رأس المال، وزيادة الطلب، كل ذلك بغرض المضاربة على أسعارها، ومن ثم الاستفادة من فروق الأسعار صعوداً.

وقد أدى هذا لزيادة أسعار الأراضي والعقارات زيادات متتالية رهيبة دون مبرر اقتصادي منطقي، تزامن هذا مع استثمارات رهيبة في مجال العقارات، وبخاصة ذات المستوى فائق الرفاهية وبصورة تفوق استيعاب احتياجات السوق الاستهلاكية (ظهور مفهوم “الكومباوند” السكني أو الأحياء السكنية المنعزلة).

تزامن هذا مع نمو ظاهرة بناء الأبراج العشوائية في الأراضي الزراعية بطول مصر وعرضها، فعشرات الآلاف من الأبراج الشاهقة التي استنزفت مئات المليارات من الجنيهات، من مدخرات وودائع المصريين، وأصبحت شاهداً حياً على استثمار المضاربة الباحث عن الربح السريع الكبير.

كل تلك العمليات المتسارعة من التسقيع والمضاربة على العقارات، تنذر بحدوث سقوط أو هبوط موازٍ له في التسارع في قطاع العقارات والأراضي بمصر، ويتوقع خبراء أن يكون بداية العام المقبل، خصوصا وأن عامي 2016، و2017،  كانا نقطة فاصلة في اندفاع شريحة كبيرة من الأفراد إلى اقتناء العقار بهدف الاستثمار فيه، وهربًا من معدلات التضخم المرتفعة، ولحفظ قيمة المدخرات بالجنيه المصري الذي شهد تراجعًا كبيرًا أمام الدولار، إلى أن تم التعويم الكامل لتتجاوز قيمته بعد التعويم 100% عن قيمته قبل التعويم.

وبحسب إحصاء أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن هناك 7.7 مليون وحدة عقارية غير مستغلة تتوزع بين 2 مليون وحدة سكنية مغلقة لأسباب الهجرة أو امتلاك أكثر من وحدة، فيما هناك 5.7 وحدة مغلقة لأسباب عدم وصول المرافق أو عجز أصحابها عن تحمل تكاليف التشطيب.

تراجع الاقتصاد في مصر

ما يزيد من فرصة حدوث فقاعة عقارية هو أن الأوضاع الاقتصادية في مصر تزداد سوءًا، سواء على مستوى النمو، أو على مستوى التضخم، وبالتالي لا يوجد ما يقابل الارتفاعات الكبيرة في سوق العقارات، ما يدعمها أو يجعلها مستمرة على نفس الوتيرة بل على العكس تماما.

ويشهد الاقتصاد المصري تراجعًا ملحوظًا في معدلات النمو الاقتصادي، ففي أعقاب ثورة يناير بلغ معدل النمو الاقتصادي 2.2% فقط، ليرتفع على استحياء إلى ما يناهز 4% تقريبًا في العامين الماضيين، كما انتقل معدل البطالة على الرغم من ذلك إلى خانة العشرات، حتى وصل إلى 13% عام 2013، ليستمر بنفس المستوى حتى عام 2015، كما انخفضت المدخرات المحلية بنسبة 27.1% بين عامي 2009 إلى 2013 تقريبًا.

وتشهد الفترة الحالية منذ بداية تعويم الجنيه المصري، والارتفاع المضطرد لمعدل التضخم، تراجعًا حادًّا في الطلب الحقيقي، بسبب التراجع الكبير في القوة الشرائية، على مستوى كافة القطاعات، لينال القطاع العقاري النصيب الأكبر من هذا التراجع بسبب وجود الفقاعة السعرية التي تشكلت على مدار العامين الماضيين، والتي لن تتوقف عند ذلك الحد أيضًا، لارتفاع مدخلات الإنتاج العقاري كالحديد والأسمنت، واستمرار جنون أسعار الأراضي، الذي تعززه الدولة نفسها من خلال المتاجرة في الأراضي الجديدة المطروحة كما هو مبين من طروحات العاصمة الإدارية الجديدة.

سميح ساويرس رئيس شركة أوراسكوم القابضة للفنادق والتنمية، وأحد أقطاب الاستثمار العقاري والسياحي في مصر، قد توقع  في أواخر شهر نوفمبر 2016، أن ينمو القطاع العقاري في مصر حتى العام المقبل، وربما بعد عام آخر، وبعد ذلك من المتوقع أن يدخل في فقاعة، بسبب «هوامش الربح الجنونية»، والعدد الكبير من المطورين العقاريين الذين يعملون في القطاع.

وفي الوقت نفسه؛ فإن الطلب على العقارات بدأ في الانخفاض، بينما ترتفع الأسعار، وكل ذلك يعتبر مؤشرًا على حدوث أزمة وشيكة في القطاع.

” العاصمة الإدارية الجديدة “

 

“إحدى أراضي البناء “

الضريبة العقارية الجديدة

الضريبة العقارية الجديدة المزمع إقرارها على الشقق المغلقة، قد تتسبب أيضا في إحداث طفرة سلبية كبيرة في سوق العقارات حيث سيسعى كثير من المواطنين للتخلص من الشقق المغلقة عبر البيع هربا من دفع الضريبة الجديدة، وهو ما سيساهم أيضا في تلك الطفرة المرتقبة.

وكان علاء والي، رئيس لجنة الإسكان في مجلس النواب، قد صرح الشهر الماضي قائلا: إن هناك مشروع قانون مزمع مناقشته داخل مجلس النواب، خلال الفترة المقبلة، يقضي  بإلزام أصحاب الشقق المغلقة دفع ضريبة مقابل إغلاقها، مؤكدا أنه سيتم إقراره خلال دور الانعقاد الحالي حال موافقة الأغلبية عليه.

وعن قيمة الضريبة في مشروع القانون الجديد، قال “والي” في تصريحات لمصراوي : “الضريبة ستكون شهر من القيمة الإيجارية للشقة، بمعنى أنه لو وجدت شقة مغلقة في منطقة ما وقيمتها الإيجارية 800 جنيه في الشهر، ستكون الضريبة 800 جنيه في السنة، وسيتم مضاعفتها العام القادم، طالما ظلت مغلقة.

وتوقع رئيس لجنة الإسكان في مجلس النواب، أن يكون حصيلة هذا المشروع أكثر من 10 مليارات جنيه”، مؤكدا أن موضوع “الشقق المغلقة” أصبح في غاية الخطورة، ولا يمكن للبرلمان السكوت عليه، وخاصة ما يدخل في اختصاص لجنة الإسكان، وهو الوحدات السكنية المغلقة وغير المستغلة.

وعلى هذا الأساس يرى مراقبون وخبراء، أنه في حالة تطبيق الضريبه الجديدة، فإن كثيرا من المصريين سيسعون للتخلص من العقار، لأنه بذلك سيخسر أكثر وأكثر، طالما ظلت شقته مغلقة أو “مسقعة”، بحسب ما يسميها البعض، وهو ما يعني مزيدا من العرض عن الطلب و انهيار أسعار العقارات.

“علاء والي” رئيس لجنة الإسكان في مجلس النواب

وجهة نظر مغايرة

وجهة نظر أخرى، تقول: إن مصر ليست مقبلة على فقاعة عقارية كما يشير خبراء واقتصاديون، مرجعون ذلك إلى أن الزيادة في أسعار العقارات في مصر ليست زيادة وهمية، نتجت عن المضاربة، ولكنها ناتجة عن زيادة حقيقية في التكلفة.

أصحاب وجهة النظر يؤكدون أن “ما يحدث في أسعار العقارات من زيادات متواصلة ليست فقاعة، أو نتيجة تقدير خاطئ لسعر العقار، ولكنه ناتج عن زيادة حقيقية في التكلفة”.

وارتفع سعر متر الأرض الذي كان يتراوح بين ألف و 1500 جنيه، إلى 4 آلاف أو 5 آلاف جنيه، كما أن باقي مدخلات البناء زادت نتيجة لتعويم الجنيه بنسبة قاربت على الـ 50 %.

وعلى هذا الأساس يقول خبراء: إن مصر لن تحدث فيها فقاعة عقارية على غرار ما حدث في أمريكا أو دبي في عامي 2007 و2008؛ لأن المصريين يتعاملون عادة مع شركات التطوير العقاري مباشرة، بدون وسيط، وفي الأغلب يكون تمويل شراء العقارات ذاتيًّا، وليس من خلال الائتمان البنكي”.

وتوقعوا أن تشهد السوق المصرية بعض التباطؤ في المبيعات لكن “الأسعار في كل الأحوال لن تهبط” في ظل زيادة تكلفة مدخلات بناء العقارات.