منصور عطية

دخلت مطامع الجنرال خليفة حفتر في إخضاع المدينة الباقية خارج قبضته في الشرق الليبي تحت سيطرته حيّز التنفيذ، بعد إعلانه بدء عملية “تحرير” درنة ممن يصفهم بالإرهابيين، إنهاءً لحصار مطبق على المدينة فرضه قبل نحو 4 سنوات.

ولم يكن الحديث عن تلك العملية العسكرية أكثر ثراءً عن الدورين المصري والإماراتي فيها، سياسيًا وعسكريًا، تواصلًا للدعم الذي يقدماه لحفتر منذ انقلابه تحت لافتة عملية الكرامة في 2014.

درنة حرب بعد الحصار

فبعد ساعات من انطلاق العملية العسكرية لقوات حفتر أعلن مقاتلو مجلس شورى مجاهدي درنة استعادة مواقع سيطرت عليها في وقت سابق قوات حفتر.

وقالت مصادر من مجلس شورى درنة، إنَّ الاشتباكات بين الجانبين أسفرت عن مقتل تسعة من مقاتلي قوات حفتر وإصابة ثلاثين مقابل مقتل أحد عناصر المجلس وإصابة ثلاثة، وتمكن مقاتلو المجلس من تدمير دبابة وعربتين عسكريتين، إحداهما من نوع تايجر، بحسب تقارير إعلامية.

وكان خليفة حفتر- الذي عاد قبل أيام من رحلة علاجية بفرنسا- قد أعلن في وقت سابق فشل مساعي الصلح التي كانت تستهدف تجنيب مدينة درنة ويلات الحرب، على حد قوله.

واتهم- في كلمة له بمناسبة الذكرى الرابعة لانطلاق ما تسمى عملية الكرامة- من وصفهم بالجهلة بتحويل درنة إلى إمارة للإرهابيين، معلنًا بدء ساعة الصفر لتحريرها، حسب تعبيره.

وتمنع قوات حفتر سكان درنة المحاصرة منذ 4 سنوات من النزوح عنها أو إدخال المساعدات الإنسانية إليها.

ونشر ما يسمى الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر في الأسابيع الأخيرة وحدات جديدة في منطقة درنة، وزار اللواء المتقاعد في نهاية الشهر الماضي قواته المتمركزة خارج المدينة.

ودرنة هي المدينة الوحيدة في الشرق الليبي الخارجة عن سيطرة قوات اللواء خليفة حفتر، وهي واقعة على الطريق الساحلي الرئيسي بين بنغازي ومصر، واقتصرت قوات حفتر في المدة الماضية على تطويق المدينة مع شنّ غارات جوية وقصف بين الحين والآخر.

يشار إلى أنّ درنة وقعت في العام 2014 تحت سيطرة تنظيم الدولة “داعش” الذي طرده مجلس شورى مجاهدي درنة في يوليو 2015 بعد معارك دامية.

دور مصري إماراتي مشبوه

ولا يمكن الحديث عن الحرب المشتعلة في المدينة بمعزل عن الدور المصري والإماراتي الذي يصفه مراقبون بالمركزي في هذه المعركة، حيث عملتا على انتقال حفتر من مربع التهديد طيلة أشهر ماضية لشن الحرب على درنة.

ونقلت مصادر عن المبعوث الدولي لليبيا غسان سلامة حديثه قبل أيام عن أن درنة لم تكن أولوية لدى حفتر، وأنه كان يرغب في التوجه لمهاجمة العاصمة طرابلس، وأن مصر هي من دفعت حفتر نحو درنة.

وبحسب المصادر، فإنَّ حفتر كان يرى أن حصاره البري والبحري لدرنة كافٍ لتطويعها، وأن عليه التوجُّه نحو طرابلس بعد أن فشل في الحصول على اعتراف مؤسسات الدولة بزعامته، وطموحه لتولي منصب رئيس الدولة، وهو ما ترفضه القوى السياسية في طرابلس.

المصادر ذاتها قالت، إن القاهرة مارست ضغوطًا على حفتر لوضع درنة على رأس أولوياته وعدم التحضير لمهاجمة طرابلس.

وأسباب مصر في ذلك تعود لرغبتها في بسط قوات حفتر نفوذها على كامل مدن الشرق الليبي، لا سيما أنَّ درنة تقع على الطريق الواصل بين بنغازي والحدود المصرية، إضافة إلى اتهامات مصر للجماعات الإسلامية في درنة بأنها تأوي بين صفوفها “إرهابيين” متورطين في الهجمات التي تستهدف الجيش المصري في سيناء ومناطق أخرى من مصر.

كما تتهم السلطات المصرية مجلس شورى مجاهدي درنة -المسيطر على المدينة- بإيواء عمر رفاعي سرور، الذي تتهمه القاهرة بالتخطيط لهجمات طالت الجيش في سيناء والواحات.

وفي السياق ذاته، يرى مراقبون أنّ حضور رئيس اللجنة المصرية المكلفة بالملف الليبي اللواء محمود الكشكي الاحتفال الاثنين الماضي بـ”عملية الكرامة”، الذي أعلن فيه حفتر حربه على درنة، بمثابة رسالة دعم مصري لحرب حفتر الجديدة.

أما عن دور الإمارات- الطرف الثاني في الحلف الداعم لحفتر- فإنّ أبو ظبي قدمت- بحسب مصادر ليبية- دعمًا عسكريًا نوعيًا لحرب حفتر على درنة، وبحسب المصادر، فإنّ الإمارات تشارك في الحرب عبر طائرات مسيرة تنطلق من قاعدة الأبرق التي تبعد نحو مئة كيلومتر عن درنة.

وتقول المصادر أيضًا، إن الإمارات نقلت هذه الطائرات من قاعدة الخادم العسكرية التي أقامتها في شرق ليبيا إلى مطار الأبرق، وإنها شاركت بفاعلية في القصف الذي طال المدينة في اليومين الماضيين.

وقبيل اقتحام قوات حفتر، قال الناطق الرسمي باسم مجلس شورى مجاهدي درنة محمد المنصوري، إنَّ أحد مقاتلي المجلس ويدعى صالح الماجري قتل في قصف جوي إماراتي مصري استهدف مواقع لمقاتلي المجلس على أحد محاور المعارك بضواحي مدينة درنة (أقصى شرق ليبيا).

وتحدث المنصوري عن مشاركة أفراد من الجيش المصري ومرتزقة من تشاد في الهجمات التي تعرضت لها مواقع المجلس.

الغارات المصرية لم تكن الأولى من نوعها بل سبقتها غارات أخرى على المدينة ذاتها، ففي أكتوبر الماضي قتل وأصيب عشرات المدنيين في قصف مجهول للطيران الحربي، أكدت شواهد رصدها (العدسة) أنه ينتمي للقوت الجوية المصرية.

وفي مايو 2017 أعلن الجيش المصري أنّ طائرات حربية دمرت المقر الرئيسي لمجلس شورى مجاهدي درنة شرقي ليبيا، وذلك بعد إشارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن قواته ضربت من أسماهم الإرهابيين ردًا على هجوم استهدف حافلة للأقباط في المنيا بصعيد مصر.

وفي فبراير 2015 شن سلاح الجو المصري غارات على مواقع قال، إنها تابعة لتنظيم “داعش” في مدينة “درنة”، ردًا على إعلان التنظيم ذبح 21 من أقباط مصر على ساحل طرابلس.

كما كشفت مصادر أنّ عملية اقتحام درنة تمت بإشراف مصري كامل، بعيدًا عن الغارات الجوية، وبحث مشاركة قوات مصرية في عملية الاقتحام، وهي الأمور التي بحثها حفتر خلال زيارته الأخيرة للقاهرة.

وأشارت إلى أنّ ضباطًا مصريين “وصلوا أكثر من مرة إلى معسكر لملودة القريب من درنة، في إطار إعداد الخطط العسكرية اللازمة لاقتحام المدينة”.