لم تعد العلاقات التي تربط المملكة العربية السعودية بروسيا تقتصر على تحالف مجموعة “أوبك+” النفطية، وتوسعت في السنوات الأخيرة لتشمل القطاعات العسكرية، في تقارب بات يغضب الولايات المتحدة الأمريكية.
لم تعد العلاقات التي تربط المملكة العربية السعودية بروسيا تقتصر على تحالف مجموعة “أوبك+” النفطية، وتوسعت في السنوات الأخيرة لتشمل القطاعات العسكرية، في تقارب بات يُغضب الولايات المتحدة الأمريكية.
ووقعت السعودية وروسيا، في أغسطس الماضي، اتفاقية “تهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين”.
وعقب الاتفاقية قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: إنه “يحث جميع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة على تجنب المعاملات الجديدة الرئيسة مع قطاع الدفاع الروسي، كما هو موضح في قانون مكافحة أعداء أمريكا (كاستا)”، في إشارة إلى العقوبات التي يفرضها هذا القانون على أي تعاون عسكري مع روسيا.
كما أعلن مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون التقني العسكري، فلاديمير كوجين، في فبراير 2018، أنه تم التوقيع على الوثائق الخاصة بتوريد دفعة المنظومات الصاروخية الروسية من طراز “إس-400” للدفاع الجوي إلى المملكة العربية السعودية، كما جرى تنسيق كل معايير الاتفاق المناسب.
لكن مدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، ديمتري شوغايف، ذكر في تصريحات صحفية لاحقة، أن قضية بيع منظومة “إس-400” للسعودية معلَّقة.
بين روسيا وأمريكا
ويأتي هذا التقارب السعودي الروسي لعدة أسباب، كان آخرها تعليق الولايات المتحدة بيع الأسلحة للسعودية، في فبراير الماضي، إلى أجل غير مسمى، بسبب “مخاوف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان”.
إضافة إلى أن صفقات السلاح الأمريكية، خاصةً الثقيلة منها مثل الطائرات الحربية ومنظومة الدفاع الصاروخي “باتريوت”، عادةً ما تتطلب إجراءات وموافقات كثيرة، علاوة على أن مدة التسلم تمتد لفترات طويلة.
ولكن الصفقات السعودية الروسية التي لن تتطلب الكثير من أجل تنفيذها، ربما تُفقد السعودية أحد أقوى حلفائها، وتُعرضها لعقوبات شبيهة بالتي فرضتها واشنطن على تركيا والهند والصين بعد امتلاكها منظومة الدفاع الروسية “إس400″، وهو ما لا ترغب فيه الرياض، في ظل مساعيها الحثيثة لتحسين اقتصادها.
وقال سفير السعودية لدى روسيا، رائد كريملي، في تصريحات صحفية سابقة، إن بلاده تأمل أن لا تفرض واشنطن عقوبات عليها بسبب شرائها أنظمة صواريخ الدفاع الجوي الروسية “إس-400”.
وقال كريملي: إن “الاتفاق السعودي الروسي بشأن شراء الأسلحة قيد الإعداد، على الرغم من العقوبات الأمريكية المحتملة”.
وترى بعض الآراء أن السعودية لا تسعى لتقارب كبير حقيقي مع روسيا، وما حدث في الفترة الأخيرة مجرد محاولات من المملكة لإعادة واشنطن إلى مربعها وتعزيز التعاون مجدداً بين البلدين.
إلا أن آراء أخرى تعتقد أن المملكة قد تكون جادة فعلاً بتحويل مشترياتها من الأسلحة للجانب الروسي، بعد المماطلة الأمريكية بهذا الشأن، وتزايد التهديدات التي تواجهها الرياض من جماعة الحوثي في اليمن بشكل خاص.
تهديد التحالف بين واشنطن والرياض
وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، قال في تصريحات صحفية عام 2018، بعد توقيع الاتفاق، المعلق حالياً، مع روسيا على شراء منظومة “إس 400”: إن “بلاده تجري مشاورات مع روسيا حول شراء أسلحة دفاعية منها”.
وحول الانتقادات التي وجهتها واشنطن لحلفائها الذين ينوون شراء “إس-400″، تابع: “هناك أمران لا نساوم في المملكة عليهما، وهما عقيدتنا وأمننا”.
وفي تحليل سياسي وعسكري كتب باتريك شميدت، الضابط السابق بسلاح البحرية الأمريكية الذي خدم سابقاً في الخليج: “كان على إدارة جو بايدن أن توازن بعناية بين إظهار قدرتها على النهوض بحقوق الإنسان، وتجنب التحركات التي تضر بعلاقات الولايات المتحدة مع حكومات الخليج”.
وأضاف شميدت، في المقال المنشور بالإنجليزية على الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “تتطلع الرياض إلى دعم واشنطن وسط التهديدات الجوية المستمرة من إيران ووكلائها الإقليميين (الحوثيين)”.
وتابع: “لقد واجهت السعودية تهديدات جوية متزايدة منذ تدخلها العسكري في اليمن عام 2015، وتجاهل الولايات المتحدة هذه التهديدات يهدد العلاقات بين البلدين، ولذلك توجهت الرياض نحو موسكو”.
ورأى أن حصول السعودية على الأسلحة الروسية وفي مقدمتها منظومة “إس 400″، من شأنه تهديد علاقاتها مع واشنطن، ومن المرجح أن يقود الأخيرة إلى استخدام قانون “مكافحة أعداء أمريكا” (كاتسا).
وأشار إلى أن شراء السعودية للمنظومة الصاروخية الروسية سيؤدي إلى عرقلة صفقات أسلحة بما يزيد على 120 مليار دولار بين الرياض وواشنطن، وسيعلق الجهود الأمريكية لتحسين أنظمة الدفاع الصاروخي السعودي المرتبطة بالاتصالات والاستخبارات وأنظمة التحكم والسيطرة، وهي تكنولوجيا غير متوافرة بالمملكة.
علاوة على ذلك أوضح الضابط شميدت، أن نظام “إس 400” ليس هو الحل لاحتياجات الدفاع السعودية، فمن الناحية العملية يفتقر النظام إلى إمكانية التشغيل البيني مع شبكة المراقبة الجوية الإقليمية الواسعة للولايات المتحدة، والتي تتألف من أجهزة استشعار أرضية وبحرية وجوية وفضائية تشكل العمود الفقري للدفاع الجوي السعودي.
لذلك يعتقد ضابط البحرية الأمريكية، أنه “من الصعب تصديق أن السعوديين مهتمون بجدية بصواريخ (إس-400)”.
ورأى أن المملكة كانت تقصد من اتفاقيتها استخدامها على الأرجح كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة؛ للحفاظ على شراكتهما الاستراتيجية.
وحث شميدت، واشنطن على إعادة نشر منظومة “باتريوت” في السعودية؛ لمساعدتها على مواجهة التهديدات الصاروخية، حتى يتم حل مسألة اقتناء المملكة هذه المنظومة أو يتم تطبيق إجراءات دفاعية سعودية جديدة.
توتر أمريكي سعودي
في هذا السياق، أشار الصحفي الإسباني ألفارو إسكالونيلا، في مقال بمجلة “Atalayar” الإسبانية العريقة، إلى خلاف وتوتر في العلاقات السعودية الأمريكية منذ وصول الرئيس الحالي جو بايدن إلى الحكم.
وقال إسكالونيلا: “في 2019 عزز البنتاغون وجوده العسكري بالسعودية من خلال إرسال قوات وبطاريتي صواريخ باتريوت بعد أن أدت غارة جوية (من الحوثي) على منشآت تابعة لشركة أرامكو إلى تعطيل إمدادات النفط”.
وذكر الصحفي الإسباني، أن “واشنطن بعهد بايدن تفسر التهديدات في الخليج على أنها انخفضت ولم تعد حليفتها بحاجة إلى الانتشار اللوجستي والعسكري الأمريكي، لكن الرياض لديها رأي مختلف، فهي لا تفهم القرار الأمريكي في ظل تواصل الهجمات التي يشنها المتمردون باليمن، علاوة عن تهديد الأزمة الأفغانية للاستقرار في المنطقة”.
وتابع: “على الرغم من أن المسؤولين السعوديين ظاهرياً وصفوا العلاقة مع واشنطن بأنها قوية ودائمة وتاريخية، فإن هناك استياءً قوياً داخل المملكة”.
كما لم تقدم واشنطن أي تلميح إلى الاحتكاك مع السعودية، إلا أن وزير دفاعها لويد أوستن، ألغى زيارة للرياض في سبتمبر الماضي، متذرعاً بأسباب تتعلق بالجدول الزمني خلال جولته، آنذاك، في الشرق الأوسط.
ورأى الصحفي إسكالونيلا، أن السعودية تعتقد أنها بحاجة إلى تعزيزات دفاعية لمنشآتها النفطية ومواقعها العسكرية والمدنية التي استهدفها هجوم الحوثيين، لذلك توجهت إلى الكرملين، في ابتعاد ملحوظ عن فلك الولايات المتحدة.
لكنه استدرك قائلاً: “إذا تحققت الصفقات الروسية السعودية فقد تؤدي إلى خلاف بين واشنطن والرياض، كالذي حدث مع أنقرة التي واجهت عقوبات أمريكية قاسية رغم أنها ثاني أكبر شريك لحلف الناتو”.
هدف آخر للسعودية
واتفق الصحفي الإسباني وضابط البحرية الأمريكية، في اعتقاد أن الهدف الرئيس للسعودية من توجهها نحو روسيا عسكرياً، هو استعادة انتباه حليفها التاريخي وتعزيز العلاقات التي فقدت زخمها منذ وصول بايدن.
حسن ديماسي، المحلل السياسي، اتفقت وجهة نظره كذلك مع سابقيه، وقال في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: إن “التعاون العسكري السعودي الروسي ربما يكون محاولةً من قِبل الرياض لتغيير نظرة الإدارة الأمريكية الجديدة تجاهها”.
وأضاف: “السعودية منزعجة من تراجع الاهتمام الأمريكي بالعلاقات معها وبمنطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، وهي تعرف أن علاقات واشنطن مع موسكو متوترة وعدائية، لذلك توجهت لتوطيد علاقتها مع الأخيرة؛ لدفع الولايات المتحدة إلى التراجع عن توجهاتها الحالية تجاه الرياض”.
وأشار إلى أن هدف الرياض من هذه المناورة سينجح، فالولايات المتحدة لن تفقد أقوى حليف لها بالمنطقة، كما أن شركات السلاح الأمريكية لن تترك السوق السعودية الغنية لخصومها في روسيا.
ولفت إلى أنه بغض النظر عن وجهة نظر بايدن تجاه السعودية، فإن كثيراً من الأطراف ذات النفوذ في الولايات المتحدة الذين يخشون بشكل أساسي، التهديدات الإيرانية والإرهابية لواشنطن وحلفائها بالمنطقة، يرون أن العلاقات مع الرياض يجب أن تظل شاملة وعلى جميع الأصعدة.
ولا يستبعد ديماسي أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على السعودية في حال مضت في صفقات السلاح مع روسيا، خاصةً منظومة “إس 400”.
اضف تعليقا