العدسة – معتز أشرف:

هو أكثر نزاعات القرن الإفريقي دموية على مدى أكثر من عقدين من الزمن، إنه الصراع بين إثيوبيا وإرتيريا، لكن أطلقت الأولى ورودَ السلام في أجواء القارة السمراء بقرار من رئيس وزرائها الجديد آبي أحمد.

نرصد الأجواء بين البلدين بعد إطلاق بوادر للسلام، وفرص الالتقاء وأسباب التحول الهادف للسلام وردود الأفعال.

تقارب مهم!

إريتريا، كانت جزءًا من إثيوبيا قبل تصويتها على الاستقلال في 1993، ودخلت حربًا شاملة مع إثيوبيا عام 1998 أودت بحياة 70 ألفًا من الجانبين، وظل البلدان في حالة حرب على الحدود بينهما منذ ذلك الحين مع رفض إثيوبيا قبول اتفاقية السلام وترسيم الحدود لعام 2000، وقرار لجنة تحكيم دولية لصالح إريتريا عام 2002 بشأن المناطق الحدودية التي لا تعتبرها إثيوبيا جزءًا من إرتيريا، لكن إثيوبيا قررت السلام فتغيرت الأجواء.

رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد، أبيي أحمد، أعلن من جانبه قبل أسبوعين أنّ بلاده تقبل اتفاقية السلام بين البلدين ما اعتبر إشارة على اطلاق عملية جديدة بين البلدين يسودها التقارب، عززها أول تعليق من الجانب الآخر، حيث أعلن الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، أن بلاده سترسل وفدًا إلى العاصمة الإثيوبية قريبًا لبحث التفاصيل.
التحالف الحاكم “الجبهة الثورية الديمقراطية للشعب الإثيوبي” نشر على صفحته بموقع فيس بوك بيانًا أعلن فيه إنهاء خلافه الحدودي مع جارته إريتريا، وأكد هذه الرغبة “بلا تردد” في التطبيق الكامل لاتفاق الوساطة الموقع في الجزائر العام 2000.

وقال التحالف الحاكم في بيانه: إنّ “الحكومة الإثيوبية قررت أن تنفذ بالكامل اتفاق الجزائر (الموقع في العام 2000 لإنهاء النزاع بين البلدين) و(ما توصلت إليه) لجنة ترسيم الحدود”. وأضاف أنه “على الحكومة الإريترية تبني الموقف نفسه بلا شروط مسبقة والقبول بدعوتنا إلى إحلال السلام المفقود منذ فترة طويلة بين البلدين الشقيقين كما حدث في الماضي”.

من جانبه اعتبر أفورقي، في كلمة على التلفزيون الرسمي الإرتيري بمناسبة يوم الشهيد، أن إعلان أحمد يوم 5 يونيو يعد فرصة لتلبية رغبة الشعبين الإثيوبي والإرتيري في السلام وأن التغيير الذي حدث في إثيوبيا يجعل ذلك ممكنًا.

وقال الرئيس الإرتيري في كلمته: “سنرسل وفدًا إلى أديس أبابا للعمل على التطورات الحالية مباشرة وبشكل معمق ولوضع خطة للتعاون المستقبلي، فالشعب الإرتيري، وكذلك الشعب الإثيوبي، خسر فرصة (المصالحة) على مدى جيلين في أكثر من نصف قرن”.

ردود الأفعال

ردود الأفعال تجاه مبادرة إحياء السلام، تكللت بروح التفاؤل، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية: إن الولايات المتحدة تشعر بالتفاؤل، للتقدم الذي حققته في الآونة الأخيرة إثيوبيا وإريتريا في سبيل حل خلافاتهما القائمة منذ وقت طويل.

وذكر بيان للخارجية الأمريكية الخميس، أن أسياس أفورقي رئيس إريتريا  ورئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، “أبديا قيادة شجاعة باتخاذ هذه الخطوات تجاه السلام”.

وأضاف أن “الولايات المتحدة تتطلع إلى تطبيع كامل للعلاقات، وتحقيق لطموحاتنا المشتركة للبلدين، لينعما بالسلام الدائم والتنمية”.

وفي السياق ذاته أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن باريس تدعم مبادرة إثيوبيا لإنهاء خلافها الحدودي مع إريتريا، وقال الوزير في زيارة رسمية عقب الإعلان الإثيوبي: إن زيارته تهدف إلى “دعم التحول الذي تشهده إثيوبيا، كما تسعى فرنسا إلى استكشاف الفرص للاستثمار في إثيوبيا، والاستفادة من الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، التي اتخذتها الدولة لتحرير الاقتصاد، وطرح الشركات المملوكة للدولة أمام الاستثمار الأجنبي.

رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد، رحَّب كذلك بالتطورات الإيجابية الأخيرة في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، وأثنى رئيس المفوضية على كل من الدولتين وقادتهما، رئيس الوزراء الإثيوبي الدكتور أبي أحمد، والرئيس أسياس أفورقي، على هذه الخطوات الجريئة والمشجعة، وفقًا لبيان رسمي.

وشجّع رئيس المفوضية الدولتين على المثابرة على هذا الطريق، من أجل فتح فصل جديد من التعاون وحسن الجوار بين إريتريا وإثيوبيا، مؤكدًا أن السلام المستدام بين البلدين سيكون له تأثير إيجابي كبير على السلام والأمن، فضلًا عن التنمية والتكامل، في منطقة القرن الإفريقي والقارة ككل، وسيكون هذا أيضًا إسهامًا كبيرًا في هدف إنهاء جميع الصراعات و الحروب في القارة بحلول عام 2020.

 

أسباب التغير

يتحدث المراقبون عن التطور اللافت في إثيوبيا، وضربة آبي الجديدة لجمود العلاقة مع اريتريا بكثير من الاهتمام، وبحسب دراسة تحليلية حديثة فإنّ رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، يتبني منذ وصوله إلى السلطة في إثيوبيا، الثاني من أبريل 2018، حزمة من السياسات الديناميكية وغير التقليدية، تبدو مثيرةً للجدل بشأن طبيعة الفيدرالية الإثنية ومستقبلها، غير أنها تواجه التحديات المرتبطة بميراث هيمنة التيجراي على مؤسسات الدولة.

وينتمي رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد إلى أغلبية الأورومو بعد عقود من سيطرة أقلية التيجراي على الحكم، بينما هي لا تشكل أكثر من 6 % من سكان إثيوبيا البالغ عددهم 100 مليون نسمة، ويبدو عازمًا بحسب مراقبين على تغيير توجهات أديس أبابا مع الجيران وفي الإقليم؛ إذ سبق وزار مصر وبدت تصريحاته إيجابية بشأن مشكلة سد النهضة وحصة مصر من مياه النيل، كما أشار إلى انفتاحه على التواصل مع جارته الصومال لمساعدتها في الخروج من أزماتها.

ووفق د.خيري عمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، وواضع الدراسة، فإنّ آبي أحمد يتبنّى حزمة من السياسات تبدو ثوريةً، لإعادة هيكلة علاقات السلطة والثروة، فمنذ وصوله إلى السلطة، بدأ بعدة إجراءات متوازية، شكلت تغييرات في قيادات الجيش وأجهزة الاستخبارات، وهي ملفات ظلت جبهة التيجراي تعتبرها شأنًا خاصًا بها، ورفع حالة الطوارئ والعفو عن المعارضين السياسيين في الداخل والخارج،  وباستثناء التيجراي، لقيت سياسات رئيس الوزراء قبولًا لدى الجماعات الإثنية الأخرى.

وأضاف أنه يمكن القول إن التوجهات الجديدة تتجه نحو إرساء قواعد الانتقال نحو نموذج آخر للفيدرالية، تتراجع فيه سمات الهيمنة الإثنية، حيث يطمح داخليًا، لمراجعة النظام السياسي بشكل يؤدي لتطوير النظام الفيدرالي ويعالج الاختلال بين الجماعات الإثنية، أما خارجيًا، فإنها تعمل على مراجعة السياسة الخارجية لضمان الحد الملائم من التعاون الإقليمي لمساندة التنمية والخروج من المشكلات الاقتصادية، لاسيما السلام مع إريتريا وسياسة المياه مع مصر والسودان، من أجل إعادة تعريف إثيوبيا كدولة وطنية تجمع إثنيات مختلفة.

وأشارت الدراسة إلى أنه بينما كان رئيس الوزراء، آبي أحمد، متوجهًا إلى جولة خارجية، دعت جبهة تيجراي إلى عقد اجتماع طارئ للجنة المركزية في ميكيلي، عاصمة التيغراي، ضد قرار الحكومة الفيدرالية بقبول اتفاق الجزائر وقرار لجنة الحدود التي منحت مدينة بادمي لإريتريا، أعلنت جبهة التيجراي أن القرار المتعلق بإريتريا جاء في الوقت المناسب، ويلتقي جوهريًا مع مبادئ السلام التي اتبعتها الحكومة الإثيوبية منذ 18 عامًا، على الرغم من تأثيره المباشر على إقليم التيجراي.