العدسة: محمد العربي

لم يكن خفيا أن الكيان الجديد الذي شكلته السعودية ومصر والدول الأخرى المطلة على البحر الأحمر باستثناء إريتريا مساء الأربعاء، كان واحدا ضمن عدة تصورات لفكرة الأمن التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في المنطقة لمواجهة إيران، والتي تعد بديلا لفكرة الناتو العربي الذي ربما مازال بحاجة لمزيد من الدراسات والخطوات.

ويضم التكتل الجديد الذي يحمل اسم “كيان البحر الأحمر” دول مصر والسعودية والسودان واليمن والأردن والصومال وجيبوتي، ويهدف لحماية حركة الملاحة والتجارة التي تمر في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ومن المتوقع أن يتم تشكيل لجنة فنية يكون مقرها القاهرة لوضع التصورات الكاملة لإدارة عملية الأمن والتنمية في الدول المشاركة بالكيان الجديد.

وتشير التقديرات التي تحدثت عن كيان البحر الأحمر، أن الهدف الأساسي من ورائه وقف التوغل الإيراني والتركي والقطري، بمنطقة القرن الأفريقي، إلا أن عدم مشاركة إريتريا ضمن الاتفاق، رغم أنها تحتل أكثر من 1150 كم على ساحل البحر الأحمر، وكذلك إثيوبيا التي تمثل مركز الثقل في القرن الأفريقي، يشير بأن الأمور لن تكون هادئة، وأن الكيان الجديد ربما يواجه عقبات وصعوبات من جهات عدة.

الأهداف السعودية

ويرى المتابعون أنه بالرغم أن البيان الرسمي الذي صدر عن وزارة الخارجية السعودية أكد أن الهدف من الكيان الجديد تنمية الدول المطلة على البحر الأحمر من خلال تبادل الخبرات وإقامة المشروعات المشتركة بين السبع دول، إلا أن الهدف الحقيقي الذي لم يشر إليه البيان إلا بكلمات مقتضبة، كان تأمين البحر الأحمر، من خليج عدن وباب المندب، وحتى العقبة وقناة السويس، وهو الهدف الذي يحمي في الأساس أكثر من 13% من التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر.

ووفق بيان الخارجية فإن الكيان الجديد جرى تأسيسه برغبة من العاهل السعودي الملك سلمان لمنع أي قوى خارجية من لعب أدوار سلبية في المنطقة الاستراتيجية، من خلال الدول السبع على تعزيز سبل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول العربية والأفريقية المُشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والسعي لتحقيق مصالحها المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار إقليميًا ودوليًا.

وتشير تحليلات داعمة للخطوة السعودية أن المملكة تعمل منذ فترة، على تشكيل هذا الكيان، استجابةً للتحديات الأمنية التي تواجه المنطقة بسبب كثرة النزاعات العسكرية والتدخلات غير الشرعية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وفي ظل الحاجة الماسة للتصدي لتحركات إيران وتركيا وقطر.

وحسب نفس المصادر فإنه في مطلع عام 2016، سعت تركيا إلى تأسيس وجود عسكري لها في البحر الأحمر وخليج عدن، وأنشأت قاعدة عسكرية في الصومال تحت غطاء تدريب الجنود الصوماليين، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج أراضيها، بالإضافة لقاعدة أخريفي جزيرة سواكن السودانية الإستراتيجية

ووفقا لنفس التحليل فإنه بمحازاة التوغل التركي، يسير التحرك الإيراني، والذي تعتبره السعودية لا يقل خطورة عن نظيره التركي، حيث تمارس إيران وجودها العسكري بالمنطقة عبْر شكلين أساسيين: الأول من خلال الاعتماد على نفسها بإنشاء قواعد عسكرية عائمة ضمن نطاق المياه الدولية في البحر الأحمر، لاسيما قبالة اليمن، ويتمثل الشكل الثاني، في الوجود العسكري بالوكالة، عن طريق دعم ميليشيا الحوثيين باليمن.

ترتيب الأدوار

ويرى المراقبون أن الكيان الجديد تقوده السعودية بشكل واضح، وأنها ستقوم بتحمل التكلفة المالية التي تتطلبها الإجراءات الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى الضغوط الدينية والتمويلية التي سوف تمارسها على دول جيبوتي والصومال والسودان، لتقليل تعاونهم مع إيران وتركيا وقطر، مستخدمة سلاح القروض والمعونات في تحقيق أهدافها، وعلى الجانب الآخر فإن مصر سوف تتولى تنفيذ العمليات العسكرية من خلال قواتها المسلحة، وسلاحها البحري الذي يعد الأكبر والأقوى بين الدول المشاركة في الكيان الجديد.

لماذا تغيرت مصر

وانطلاقا من التقيبمات السابقة فإن مشاركة مصر في التحالف الجديد، يخالف توجهها السابق بعدم توريط جيشها في عمليات عسكرية ضد إيران، وهو ما كان سببا في عدم مشاركتها في عملية عاصفة الحزم التي تتبناها السعودية باليمن، أو مشاركتها في أي حلف عسكري، مثل حلف الناتو العربي الذي طرحته الولايات المتحدة، فما هو الذي غير الموقف المصري بشكل مفاجئ

ووفقا لـ “عمرو الديب” المحاضر المصري بمعهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في مدينة نيجني نوفغورود الروسية، فإن القيادة المصرية كانت ترفض تماما الدخول في أي صراع عسكري بعيدا عن أراضيها، ولكنها مستعدة للدخول في صراع بحري أو جوي بالقرب من مضيق باب المندب مع إيران في حالة تهديد حركة الملاحة البحرية في قناة السويس، وهذا بالفعل ما تراه مصر خطرا حقيقيا، لذلك يركز الجيش المصري على تدعيم القوات البحرية بأحدث القطع سواء من فرنسا أو روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.

ونوه الديب بأن مصر ترفض الدخول في أي حلف عسكري يستهدف إيران، لأنها ترى أن التهديدات الإيرانية غير واقعية حتى الآن، ولم تصل للتهديد المباشر، لذلك الرفض المصري مستمر حتى الآن مرورا بمحاولة تكوين حلف سني في عام 2015 أو الدخول في حرب اليمن من خلال الحلف العربي، وصولا لحلف الناتو العربي الذي أراده دونالد ترامب.

وحسب رؤية الديب فإن الموقف المصري أجهض جميع محاولات تكوين أحلاف عسكرية برعاية أمريكية، لذلك يبدو أن تأسيس كيان لدول البحر الأحمر سيكون بديلا لحلف الناتو العربي المحكوم عليه بالفشل كغيره من محاولات تأسيس أحلاف عسكرية في المنطقة، خصوصا وأن تأسيس هذا الكيان يتماشى مع المصالح الاستراتيجية المصرية في حوض البحر الأحمر، وسيكون أيضا هذا الكيان له دور في تقليل المخاطر التي تتمثل في زيادة نفوذ تركيا في منطقة القرن الأفريقي.

هل يصمت الآخرون

ووفق المتابعين فإن الكيان الجديد، ربما لم يحقق الهدف المرجو منه وهو التصدي للتوغل الإيراني والتركي والقطري في منطقة القرن الأفريقي، خاصة وأن الكيان يهدف لحماية المصالح السعودية والإماراتية تحديدا، بعد فشل مجلس التعاون الخليجي في الاتفاق على آلية واحدة واضحة لمواجهة إيران، نتيجة الانشقاق الذي يعيشه المجلس للمرة الأولى منذ إنشائه، بسبب الموقف من قطر، وللخلافات السعودية الكويتية، ما دفع كل من الرياض وأبو ظبي للبحث عن كيان جديد يضمن لهما الحفاظ على مكاسبهما الاقتصادية، وهو ما توفر في الكيان الجديد، والذي جرى تأسيسه بعد يومين من انتهاء القمة الخليجية بالرياض.

ويشير نفس الفريق من المراقبين إلى أن السبب الآخر الذي دفع بهذا الكيان للنور، متعلق بالضغوط الدولية التي تمارسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد السعودية والإمارات من أجل إنهاء الحرب الدائرة باليمن، وهي الضغوط التي حققت تقدما بعد مفاوضات شاقة في السويد برعاية الأمم المتحدة، ما يعني تثبيت الأمور على أرض الواقع على ما هي عليه، وبالتالي إنهاء عاصفة الحزم التي تديرها السعودية والإمارت في اليمن، ما يجعل وجود الرياض وأبو ظبي في الموانئ اليمنية بحاجة إلى إعادة نظر، وهو ما يمثل ميزة ومكسب إيران التي تسيطر على منطقة باب المندب، وتتخذ من إثيوبيا قاعدة دعم لوجيستي للحوثيين.

ويرى المراقبون أن التهديدات السابقة لإيران بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تم منعها من تصدير نفطها، وأنه في هذه الحالة سيتم منع تصدير كل النفط الصادر من المنطقة، يشير إلى أن الكيان الجديد الذي تتقدمه مصر والسعودية يمكن أن يقابله كيانات أخرى وليس كيان واحد، في ظل التواجد العسكري القوي لتركيا في المنطقة، وبالتالي فإن تحويل الكيان الجديد كمشروع بديل للناتو العربي سوف يفشل كما فشل المقترح الأصلي.