العدسة – ياسين وجدي:

في مناخ صعب يتصدره “مؤتمر وارسو” ، أطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالون اختبار جديد ، نحو السعودية والإمارات!

الرسالة الإيرانية جاءت ناعمة إلى الخصمين اللدودين في الرياض وأبو ظبي تطلب بناء علاقات جديدة.

و خلال مشاركته قبل أيام في اجتماع بالعاصمة طهران تم تنظيمه بمناسبة إحياء الذكرى الأربعين لاندلاع الثورة “الإسلامية”، وشارك فيه سفراء ووزراء خارجية إيرانيون سابقون، أعرب محمد جواد ظريف عن رغبة بلاده في إقامة علاقات جيدة مع كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات مؤكدا أن بلاده لديها علاقات جيدة مع بلدان المنطقة.

الدبلوماسي الإيراني الأبرز قيّم في كلمته الأهم في الأيام الماضية علاقات بلاده مع عدد من بلدان المنطقة،قائلا :” علاقات إيران مع جيرانها جيدة بشكل لم يرَ مطلقًا عبر التاريخ، ونحن سعداء بذلك ، لنا علاقات لا مثيل لها مع روسيا، وتركيا، وباكستان، والعراق، ومع بعض البلدان في الخليج العربي”.

وبرر “ظريف” رغبة إيران في إقامة نفس العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة بقوله :” لا توجد لدينا أية مشكلة في إقامة علاقات معقولة مع العالم بخلاف الأمور الاستثنائية”.

وتأتي هذه التصريحات في اتجاه مضاد لتصريحات ديسمبر 2018 لذات الدبلوماسي الذي اتهم السعودية بأنها تسعى إلى إلحاق الأذى بإيران، وأنها حين فشلت اتهمت إيران بأنها تنتهج سياسة توسعية، مؤكدا أن السعودية مشكلة المنطقة.

وبشأن الاتهامات (السعودية-الإماراتية) الموجهة إلى إيران بأنها تسعى إلى السيطرة على المنطقة، قال ظريف إن إنفاق بلاده العسكري أقل بكثير من دول مثل السعودية والإمارات موضحا أن الإنفاق العسكري في السعودية العام الماضي بلغ 69 مليار دولار، وبلغ مثل هذا الإنفاق في الإمارات 22 مليار دولار، في حين كانت ميزانية إيران العسكرية أقل من 16 مليار دولار.

وسبق هذه التصريحات تهديد صريح في سبتمبر الماضي ، عندما حذر الحرس الثوري الإيراني السعودية والإمارات باحترام خطوط إيران الحمراء، وإلا فعليهما تحمل العواقب، بعد أن لاحقت الاتهامات الإيرانية كلاً من السعودية والإمارات بتمويل خمسة مسلحين هاجموا عرضاً عسكرياً في جنوب غرب إيران في ذلك الوقت.

المعسكر الآخر

وفي المقابل ، كانت ردود الأفعال الأولية غير مرحبة وتمضي في سياق التصعيد وفق ما هو مرصود.

مقطع فيديو من جلسات مؤتمر وارسو الذي عقد بالعاصمة البولندية على مدار يومين، ونشره حساب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، على موقع “يوتيوب”، قبل أن يحذفه بعد وقت قصير وتنشره القناة العبرية الـ”13″ ، كشف بوضوح استمرار المواقف على ما هي عليه من مواجهة.

 

وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، عبر عن الموقف القديم بالتزامن مع تصريحات “ظريف” الناعمة قائلا في كلمته التي تم تسريبها عبر مكتب بنيامين نتنياهو،:” إن الأيادي الإيرانية تلعب دورا مدمرا في المنطقة”.

ونقلت القناة العبرية الـ”13″ (العاشرة العبرية سابقا)، مساء الخميس 14 فبراير ، أن الجبير أطلق الكثير من التصريحات النارية والمهمة ضد إيران ، من بينها أن الحضور في مؤتمر وارسو أجمعوا على أن أبرز التحديات التي يواجهونها هي دور إيران المزعزع لأمن واستقرار المنطقة.

وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، صعد في اللهجة أكثر ، حيث اعتبر في المقطع المتلفز أن مواجهة ما وصفه بـ”التهديد الإيراني”، يعد “أخطر وأهم” من القضية الفلسطينية في الوقت الحالي، وكان بجانبه وزير الخارجية البحريني ونظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، ووزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير.

وقال وزير خارجية البحرين بكل وضوح : “لقد نشأنا ونحن نقول إن الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي هو أهم قضية، ويجب أن يتم حلها بهذه الطريقة أو تلك، لكن في المراحل الأخيرة رأينا تحديا أكبر، وهو الأخطر في تاريخنا الحديث وهو تهديد الجمهورية الإيرانية”.

أفق الرسائل 

وما بين رسائل التودد الإيراني ورسائل التحدي للحلف السعودي الإماراتي، تلوح في الأفق سيناريوهات عدة بحسب المراقبين.

أول السيناريوهات هو استمرار إيران في الترميم والتحييد في الملف السعودي الإماراتي قدر الاستطاعة مهما كانت الردود السلبية ، ويستند من يرى هذا الاتجاه إلى إعلان وزير الخارجية الإيراني نفسه في أغسطس 2018 أن هناك تعليمات واضحة من رئيس الجمهورية الإيرانية لترميم العلاقات الإيرانية مع السعودية والإمارات والبحرين، والترحيب دوما بالحوار.

وهو ما ظهر في رسائل تحمل نفس النغمة من الدعوة للحوار ، برزت في نوفمبر 2018 عندما أعلن وزير الخارجية الإيراني نفسه أن إيران مستعدة للحوار مع الرياض إذا أعادت النظر في سياستها، مشيرا إلى أن بلاده ترغب في إقامة علاقات جيدة مع دول الجوار وذلك بالتزامن مع تزايد الضغوط على الرياض بسبب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.

وكانت الرسالة الأقوى من “محمد جواد ظريف”  في هذا الاتجاه في 24 ديسمبر 2018 ، حيث أكد في مقابلة مع مجلة ” Le Point” الفرنسية، أن “بلاده ستهرع إلى مساعدة السعودية في حال وقوع هجوم عليها، بنفس الطريقة التي دعمت بها قطر خلال الأزمة الخليجية، والكويت حين تعرضت لهجوم من قبل العراق أوائل التسعينيات”.

السيناريو الثاني هو التصعيد ولكن بأداة أخرى غير وزارة الخارجية الإيرانية ، حيث يظهر “الحرس الثوري” في ملف التصعيد.

ونقلت وكالة فارس مؤخرا عن الجنرال حسين سلامي نائب قائد الحرس الثوري الإيراني رسالة شديدة اللهجة إلى السعودية والإمارات حيث قال لهما : “إذا تجاوزتم خطوطنا الحمراء فسنتجاوز بالتأكيد خطوطكم الحمراء. تعرفون العاصفة التي يمكن أن تثيرها الأمة الإيرانية”.

السيناريو الثالث بحسب مراقبين هو الوقوف في المنتصف ، بحيث تستمر لغة النصح الدبلوماسي والتهديد العسكري دون انجرار له في انتظار فرصة سانحة لتنفيذ أجندات الطرفين لإقصاء الطرف الثاني أو إضعافه بشكل أكبر.

يتبنى هذا الاتجاه المحلل السياسي الروسي بيوتر أكوبوف، قائلا في مقال له تعليقا على مؤتمر وارسو: “إسرائيل يمكن أن تخوض حربا افتراضية لا أكثر مع إيران”، مؤكدا عبثية اعتماد الكيان الصهيوني على العرب، لأنهم لن يحاربوا إيران.

وأضاف قائلا : “يمكن لنتنياهو أن يتحدث كما يشاء عن ردع إيران، وعن الحرب مع إيران، فلن تدخل دولة عربية واحدة في تحالف علني مع إسرائيل أو صراع مباشر مع إيران”

وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، لجأ لهذا الأسلوب ، ووضع شروط التعامل في هجوم إعلامي جديد الخميس 14 فبراير على إيران ، حيث أعرب في ختام تصعيده عن أمله في أن “تعدل إيران سياساتها وتحترم القوانين الدولية وتحترم مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، ومبدأ حسن الجوار، وتكف عن دعمها للإرهاب وتسليم صواريخ باليستية للمنظمات الإرهابية”.

ولم يمض وقت كبير حيث رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف  الجمعة 15 فبراير في مستهل زيارته لميونيخ مؤكدا أن الحرب على إيران ستكون انتحارا ولو أن الغرب وأمريكا أدركوا سريعا أخطائهم طيلة العقود الأربعة الأخيرة فإنهم سيجعلون الحياة أسهل لهم وللمنطقة.