تركيا تستطيع

طبول معركة جديدة بين أنقره وواشنطن بسبب تدخلات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في القرار التركي وهو ما يرفضها بشدة نظيره رجب طيب أردوغان.

وبات اسم “منظومة إس- 400 ” الروسية كفيلا باستخدام “ترامب ” لحسابه الرسمي في التهديدات على تويتر كعادته، ولكن تركيا حتى الآن لم تتورط في التراشق وتظهر قدرا من الحنكة السياسية في التعامل مع المشهد المعقد فهل تنجح وهل تتخطى الفخ الأمريكي المنصوب خاصة في حلف الناتو وما هي سيناريوهات الأزمة؟

مواجهة جديدة

في البداية يبدو أن قدر تركيا في عهد “ترامب” هو الاستمرار في مواجهة الحرائق التي يشعلها بين حين وحين الرئيس الأمريكي ، وهو ما تجسد في شراء أنقره منظومة إس- 400 الروسية، والتي تعامل معها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحزم ووضوح حتى الآن.

وكرجل المطافئ كثف أردوغان جهوده في إطفاء “الحرائق الترامبية” مؤكدا عبر العديد من الرسائل المطمئنة للداخل الأمريكي منذ بداية مارس 2019 ، أن “شراء بلاده منظومة إس-400 الصاروخية من روسيا لا علاقة له من قريب أو بعيد بأمن الولايات المتحدة، أو حلف الناتو أو صفقة مقاتلات إف-35”.

ولكن في نفس الوقت تعامل الرئيس التركي مع الأزمة كرجل دولة ترفض أي تدخلات في قراراتها السيادية، حيث صرح بأن تركيا لن تتراجع عن صفقة شراء منظومة “إس-400” الروسية، على الرغم من التصريحات الأمريكية التي تندد بالصفقة.

وفي مقابلة مع قناة “TGRT” قبل أيام قال أردوغان بوضوح: “لن تكون هناك خطوات إلى الوراء في صفقة “إس-400″، وعزز وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الموقف الرسمي مؤكدا أن تركيب المنظومة الروسية سيبدأ في شهر أكتوبر 2019.

ولكن تحليلات تذهب إلى هذه المواجهة قد تكون صعبة، في ظل العلاقات المتوترة سلفا بين أنقره وواشنطن والتي قد تتعرض إلى ضربة جديدة في ظل احتمال فرض الأخيرة عقوبات، إذا مضت تركيا قدما في الصفقة الروسية وهو ما يضع الاقتصاد التركي في مواجهة إضافية ليست سهلة.

إصرار رغم التهديد

ولكن يفسر تقدير موقف حديث لمركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط الإصرار التركي بأنه مسألة أمنية تقتضي التضحية بأشياء أخرى ، واعتبر أن الصفقة مسألة أهم لتركيا من العلاقات المتأزمة مع البيت الأبيض فالأمن قبل العلاقات غير المستقرة.

وفي هذا الاتجاه أوضح لهان تانير الصحفي المتخصص في الشأن التركي  أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شراء صواريخ إس-400 الروسية جاء لتشكّل بصورة أساسية منظومة دفاع جوي ضد الطائرات المعادية.

وأرجع “تانير” الإصرار التركي إلى المحاولة الانقلابية في 15 يوليو 2016، حيث أثارت الطائرات المقاتلة مشكلة لأردوغان آنذاك، حيث تعرضت طائرته – والكلام لـ”تانير”- إلى تهديد مقاتلات من طراز إف-16 كان يتحكّم بها مدبّرو الانقلاب، فيما قصفت طائرات أخرى مناطق بالقرب من القصر الرئاسي، ما أسفر عن سقوط العديد من القتلى في صفوف مناصريه، واشتكى أردوغان من أن الغرب لم يساعده تلك الليلة، كما أن حلفاءه المقرّبين، ومسؤولين حكوميين، ووسائل إعلامية موالية له رأت أن المحاولة الانقلابية تحمل بصمات الولايات المتحدة أو الناتو.

رسميا برر الرئيس التركي، الأمر بأنه يتعلق بـ “حرية” تحركات تركيا في المنطقة وفي سوريا على وجه الخصوص مؤكدا وفقا لوكالة الأناضول التركية أن أسباب إقدام تركيا وإصرارها على إبرام هذه الصفقة “واضحة تماما حيث الأمر لا يتعلق بشراء منظومة إس-400 بل بحرية تحركات تركيا في المنطقة وعلى رأسها سوريا.

وأعرب أردوغان عن غضب تركيا كذلك من ازدواجية الدول التي تطالب أنقره بعدم إكمال الصفقة، وصمتها حيال دول أخرى تمتلك منظومة “إس- 300” الدفاعية، مثل اليونان وبلغاريا وسلوفاكيا.

وفي المقابل، يرى مراقبون للشأن الأمريكي أن الإدارة الأمريكية هذه المرة غير عائبة بالعلاقات التركية الأمريكية وأن ستمضي في إجراءاتها رغم وجاهة أسباب تركيا.

وترى الدبلوماسية الأميركية السابقة والباحثة في معهد بروكنجز أماندا سلوت أن “الإدارة الأميركية والكونجرس لا يطلقان تهديدات فارغة، فثمة قلق فعلي في واشنطن وفي أوروبا إزاء شراء حليف في الأطلسي معدات دفاعية روسية حيث يخشى الأميركيون من أن تُستخدم تكنولوجيا بطاريات إس 400 لجمع بيانات حول طائرات الناتو العسكرية، وأن تصل هذه المعلومات إلى روسيا ، بجانب مشاكل حول التوافق التشغيلي للأنظمة الروسية مع أنظمة الناتو وفق البعض الآخر.

سيناريوهات الأزمة

ويقف في المشهد سيناريوهات عدة للتعامل مع الأزمة قد تساعد تركيا على تجاوزها بأقل الخسائر الممكنة في ظل حملة يبدو أنها لا تتوقف ضدها على المدى القريب.

سيناريو الحل تتبناه بحرص تركيا، وصرح بذلك وزير الدفاع التركي هولوسي أكار موضحا أن بلاده تحاول تهيئة ظروف لا يؤثر فيها شراؤها لأنظمة الدفاع الصاروخي إس-400 من روسيا على مشترياتها من طائرات إف-35.

ونقلت الكاتبة في صحيفة “حرييت التركية” هاندي فرات، أن وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو سوف يتوجه إلى الولايات المتحدة في أبريل للبحث في مسألة منظومة اس 400، غير أنها رأت حل الخلاف سيتطلب تدخل أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب.

ويستند هذا السيناريو إلى نجاح تركيا في تخطي أزمة القس الأمريكي السجين “أندرو برونسون” والتي تحقق فيها العقوبات الاقتصادية المراد منها، بل ذهب محللون أن الجولة الأولى منها خسرها ترامب بالفعل، بعد صمود الليرة التركية وتحمل العاصفة، وهو ما يعني أن تركيا قد تستطيع خوض تجربة نجاح جديدة رغم الصعوبات المحتملة .

وفي مقابل هذا تظهر العقوبات الأمريكية ، كسيناريو سيء في المشهد التركي الأمريكي ، حيث  يرجَّح أن تُلاحق تركيا من خلال قانون مكافحة أعداء أميركا عبر العقوبات” كاتسا “، الذي يفرض عقوبات اقتصادية على كل كيان أو بلد يوقع عقود تسليح مع شركات روسية غير أن محللين يرون كذلك أنه من “غير المرجح” أن يؤدي هذا الخلاف التركي الأميركي إلى “قطيعة دائمة” ولكن “سوف يؤثر بشدة على علاقات متوترة أصلا، ويطرح أسئلة جديدة في واشنطن حول موثوقية الحليف التركي”.

وفي هذا السياق ترى تحليلات رصينة حدوث أزمة في حلف الناتو في ظل المخاوف التي أطلقها قادته من امتلاك تركيا لمنظومة روسية وهي في الحلف ، حيث يمسي كامل مخزون الناتو من طائرات إف-16 وإف-35 في دائرة الخطر بحسب بعض التقديرات ، لأن روسيا ستتمكن على الأرجح من “قراءة” أداء هذه الطائرات عبر نظام روسي. وهذا أمر يرفضه كلٌّ من الولايات المتحدة والناتو.

ويرى غالب دالاي الأكاديمي في جامعة أكسفورد، والخبير في مركز بروكنجز الدوحة أن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الجنرال كورتيس سكاباروتي، القائد الأعلى للقوات الحليفة في الناتو، ورئيس القيادة الأوروبية للقوات المسلحة الأميركية – ومفادها أن تركيا لا يمكنها أن تملك معًا منظومة صواريخ إس-400 ومقاتلات إف-35 الخفية الأميركية الصنع – تسلّط الضوء على المزاج السائد في دوائر القرار داخل الناتو، وتوقع دالاي حدوث أزمة كُبرى جديدة في العلاقات الأميركية-التركية، يُرجّح أن تتجلّى في التداعيات المباشرة على صعيد التعاون الأمني والدفاعي بين تركيا والناتو.