حالة من الجدل الكبرى، أثارتها عملية إلقاء الشرطة الفرنسية القبض على المفكر الإسلامي المعروف “طارق رمضان” بعد توجيه اتهامات له باغتصاب سيدتين قبل عدة أعوام، وهي التهم التي نفاها “رمضان” جملة وتفصيلا، وأكد أنها في إطار حملة تشويه ممنهجة يتعرض لها.

توقيف رمضان، بتهمة “الاغتصاب” صاحبة حملة إماراتية مكثفة عبر وسائل الإعلام التابعة لها، حيث شنت تلك الوسائل هجوما ضاريا على الرجل وتعاملت مع الاتهامات وكأنها حقائق دون الانتظار حتى يبت القضاء الفرنسي في الواقعة.

وبرغم أن كثيرا من المراقبين يعتبرون ما يحدث مع المفكر الإسلامي طارق رمضان، هو تشويه لا أكثر، ويؤكدون كذب ادعاءات السيدة “هندي عياري” إلا أن صحف ووسائل إعلام الإمارات اعتبرتها وقائع حقيقية، الأمر الذي يثير الجدل حول ضلوع “اللوبي الإماراتي في أوروبا” في تلك الاتهامات والترويج لها.

(العدسة) يفتح في هذا التقرير كل التساؤلات المتعلقة بالمفكر الإسلامي طارق رمضان، ويحاول البحث عن المستفيدين من تشويه صورة الرجل الذي ذاع صيته في أوروبا، وعرف عنه اعتداله الفكري، ودفاعه عن الإسلام الوسطي المستنير، كما يحاول التقرير تفسير الهجوم الإماراتي عليه، ومحاولة الربط بينه وبين دولة قطر، التي تحاصرها الإمارات بالمشاركة مع كلا من السعودية والبحرين ومصر منذ عدة أشهر، مستغلة في ذلك اللوبي الإماراتي المتشعب في دول أوروبية عدة، وكذلك علاقة الاتهامات التي يتعرض لها رمضان باللوبي الإسرائيلي في أوروبا.

من هو طارق رمضان؟

قبل البدء في الحديث عن تشويه سمعة الرجل، وعلاقة الإمارات بذلك، علينا أولا أن نتوقف عن نبذة مختصرة عنه، وعن دوره في نشر الإسلام بأوروبا، ومجابهة التيارات العلمانية واليسارية المناهضة لانتشار الإسلام بأوروبا، وخصوصا فرنسا.

“طارق رمضان” هو مفكر وأكاديمي إسلامي سويسري، وهو من جذور مصرية، حيث إنه حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ويحظى بحضور فكري وإعلامي واسع في الغرب، ويتهم من قبل المتطرفين من غير المسلمين، بأنه إسلامي متشدد، فيما يتهم من قبل بعض التيارات الإسلامي، بأنه حداثي أكثر من اللازم.

ولد طارق سعيد رمضان يوم 26 أغسطس 1962 في جنيف بـ سويسرا، والدته هي وفاء البنا، ابنة حسن البنا، ووالده هو سعيد رمضان الذي كان من الإخوان وطارده الأمن المصري ليهاجر رفقة عائلته إلى سويسرا عام 1954، بعد اغتيال “البنا” عام 1949.

تلقى رمضان تعليمه الأول في مدارس جنيف الفرنسية وجامعاتها، ونال درجة ماجستير الفلسفة والأدب الفرنسي، والدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة جنيف، كما حصل على سبع إجازات في العلوم الإسلامية من علماء الأزهر في مصر.

ويشغل المفكر السويسري طارق رمضان منصب أستاذ أكاديمي في العديد من الجامعات الكبرى، حيث كان يعمل أستاذًا للدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة أكسفورد (معهد الدراسات الشرقية، كلية القديس أنتوني) وأستاذًا للأديان في كلية الدراسات اللاهوتية في أوكسفور، وكذلك أستاذًا زائرًا بكلية الدراسات الإسلامية بقطر، وباحثًا أول في جامعة دوشيشا بـ اليابان، علاوة على منصبه كمدير لمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في دولة قطر، ويشغل أيضا منصب رئيس المركز الأوروبي للأبحاث (الشبكة الإسلامية الأوروبيّة) في بروكسل.

حملة تشوية ممنهجة

ويتعرض “رمضان”، وهو صاحب شعبية بين الكثير من المسلمين الأوروبيين الشبان المتدينين من أصول مهاجرة، والوجه المعروف في النقاشات التليفزيونية في فرنسا، لانتقادات من العلمانيين لما يعتبرونه ترويجا للإسلام السياسي، إلا أن آخرين يشيرون إلى أنه يناقش توجها للإسلام الملائم للحياة في أوروبا.

وقادت الصحيفة الهزلية الفرنسية “#شارلي_إيبدو” -التي استهدفها اعتداء دام قضى على هيئة تحريرها العام 2015- هجوما ضاريا على “رمضان” فور تقديم “هند العياري” بشكوى تتهم “رمضان” باغتصابها.

الصحيفة المعروفة بعلمانيتها الشديدة وعدائها للفكر الإسلامي،  قامت مطلع العام الجاري بنشر رسم كاريكاتور عن المفكر الإسلامي السويسري طارق رمضان، وسخرت منه بطريقه مهينة، لتدعي بعدها أنها تلقت تهديدات، من قبل مؤيدين له.

لماذا يهاجمونه؟

يعتبر طارق رمضان شخصية فاعلة على المستويين الأكاديمي والفكري في أوروبا خاصة، وهو يسجل حضوره الدائم في مختلف الفعاليات والنقاشات الدائرة بأوروبا والغرب عموما حول قضايا المسلمين.

وفي فرنسا على وجه الخصوص، يبرز رمضان كشخصية مسلمة تثير الجدل المتواصل على وسائل الإعلام وبين السياسيين، وذلك بفعل حضوره المستمر والمناظرات الفكرية التي يجريها مع مفكرين فرنسيين وغربيين حول الإسلام.

عرف الدكتور طارق رمضان بمناظراته النارية ومواجهاته المثيرة في المناظرات الفضائية، وكثيرا ما كان يسكت خصومه أو يجبر الجميع على الاستماع له، كما عرف كذلك بذكائه في إحراج الخصوم السياسيين له من ساسة فرنسا، وخاصة في الحوارات التي أداها مع ساركوزي حين كان وزير داخلية في فرنسا، وغيره من الشخصيات التي مقاطعها مشهورة على اليوتيوب، حيث جعل المسلمين يشعرون بنوع من الفخر كنموذج ناجح في الجالية المسلمة.

وقد صرح ساركوزي أن “طارق” شارك في إسقاطه في 2012 بالانتخابات الرئاسية وهو محبوب لدى معظم المذيعين، لكنهم يعلنون دائما أن جهات تمنع استضافته.

أيضا، فإن الخوف من تزايد انتشار “رمضان” جعله محط أنظار العلمانيين، ومتطرفي أوروبا من المسيحيين وغيرهم، حيث لا يوجد مفكر في فرنسا يمكنه أن يجمع في محاضرة له ما يبلغ من 100 ألف شخص مثل هذا الرجل الذي نتحدث عنه، وذلك من مختلف التيارات والديانات للاستماع له في الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا وهو لقاء يلقى اهتماما إعلاميا كبيرا، فكل ذلك يجعل الدولة تقف ضده وذلك لسبب الضغط من أجل تقليص نفوذه في الحضور.

موقفه من إسرائيل

يعد موقف المفكر الإسلامي طارق رمضان من دولة الاحتلال الصهيوني “إسرائيل”، هو أحد المواقف التي تسببت له في مشاكل وعقبات على مدار حياته العلمية والفكرية.

فالرجل يرفض انحياز المجتمع الدولي لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، كما يتهم عدداً من رجال السياسة والمفكرين الفرنسيين بالانحياز الكامل لسياسة إسرائيل، حيث يجهر “رمضان” بمواقفه الرافضة لكثير من ممارسات الاحتلال.

ويرى مراقبون أن موقف “رمضان” المناهض للاحتلال جعل منه “هدفا” للوبي الصهيوني المنتشر في كثير من دول العالم، وبالتالي، فلا يستبعد كثير من مؤيديه أن تكون اتهامات الاغتصاب، هي من اختلاق “اللوبي الصهيوني”، وأن تكون تلك السيدة مدفوعة عليه دفعا.

ويقول مؤيدون للمفكر الإسلامي، إن الصدامات التي قام بها “المفكر الإسلامي” في حلقات متلفزة على الشاشات الفرنسية في السابق، جعلت منه هدفًا “لمؤامرة ما”، قد يكون للإسرائيليين علاقة بها، لذا يقول البعض اليوم: إن “الذين لم يتمكنوا من الانتصار على “رمضان” فكريًّا، يحاربونه اليوم بسلاح ما تحت “الزنار”، أي الفضائح الجنسية.

أذرع أبو ظبي الإعلامية

دولة الإمارات، أيضا ليست بعيدة عن دائرة الحرب على المفكر الإسلامي، حيث إن أذرع الإمارات الإعلامي، ولوبي أبو ظبي، المنتشر في العديد من الدول الأوروبية، يتهم “رمضان” بأنه رجل قطر، فقط لأنه أستاذ في أحد الجامعات القطرية.

كما تحاول الإمارات ووسائلها الإعلامية الربط بين الرجل والتطرف في أوروبا، وكذلك الربط بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأوروبا، رغم عدم وجود أي علاقة تربطه بالإخوان سوى أنه حفيد لمؤسس الجماعة الراحل حسن البنا.

وفي إطار الحرب عليه، خصصت كافة وسائل الإعلام أخبارا تتعلق بتهمة “الاغتصاب” فور القبض عليه، رابطة بينه وبين قطر بصورة مثيرة للجدل.

كما نشرت صحيفة البيان الإماراتية، في وقت سابق، تقريرا عن تهمة الاغتصاب الموجهه للرجل تحت عنوان (عميد الإخوان في أوروبا.. طارق رمضان رجل النظام القطري متهم بالاغتصاب).

صحيفة الاتحاد الإماراتية أيضا حرصت على تشويه صورة الرجل والربط بينه وبين قطر، فور إلقاء القبض عليه، حيث نشرت تقريرا عنه حمل عنوانا تحريضيا (الشرطة الفرنسية تعتقل رجل قطر في أوروبا طارق رمضان).

الإمارات تعاديه.. لماذا؟

العداء الأوروبي العلماني لـ”رمضان” قد يكون مبررا في إطار المساعي للحد من الانتشار الإسلامي في أوروبا، غير أن الحرب على الرجل من قبل “أبو ظبي” ودولة الإمارات ربما لا يكون مفهوما، حيث إن الإمارات هي دولة إسلامية، ويفترض ألا يضيرها في شيء انتشار مفكر إسلامي بشكل واسع في دول أوروبا.

لكن المتتبع لحقيقة الأمر، يمكن أن يدرك أن الحرب على الرجل في أوروبا وتشويه صورته تقف دولة الإمارات خلفه، وذلك لعدة أسباب:

أولها: أن الرجل ذو علاقة بدولة “قطر”؛ كونه مديرا لأحد المراكز بها، وبالتالي، فإن الإمارات اعتبرته معاديا لها، طالما لم يشارك الإمارات في حملة الحصار على قطر.

ثانيها: أن الرجل من نسل “حسن البنا” مؤسس الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي تحاربها “الإمارات” في المشرق والمغرب، وتحاول بشتى الطرق إجهادها والقضاء عليها.

فوفقا لتقرير سابق بصحيفة “فايننشال تايمز”، فإن أحد أسوأ الأدوار التي تقوم بها دولة الإمارات، تتمثل بمحاربة الإسلام السياسي في الحياة العامة في البلاد العربية والأوروبية، لاسيما تلك التي حط فيها قطار ثورات الربيع العربي، هي ضخت الكثير من المال لتهميش الإسلاميين، حتى إن هذه الحرب راح ضحيتها المئات والآلاف من هذه الشعوب كما حدث في مصر واليمن وليبيا.

ثالثا: أن الرجل يمثل أحد أبرز الرموز الإسلامية في أوروبا، وهي الرموز التي تحاربها الإمارات، وتدعم رموزا خاصة بها، حيث كانت الإمارات قد أعلنت العام الماضي ضم نحو 20 منظمة خيرية أوروبية إسلامية من بين 83 منظمة بقائمة «المنظمات الإرهابية»، بهدف التضييق عليها في أوروبا، الأمر الذي أزعج تلك المنظمات بشكل كبير.

رابعا: الحرب على “طارق رمضان” من قبل الإمارات يتماشى أيضا مع الأجندة الإماراتية في التضييق على المساجد بأوروبا والمفكرين الإسلاميين، حيث سبق وأن اعتبر ما يسمى وزير التسامح الإماراتي نهيان مبارك آل نهيان، أن إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا تسبب في الهجمات الإرهابية في القارة العجوز، محملا المسلمين في أوروبا بشكل عام مسؤولية أي عمل إرهابي هناك، وهو الأمر الذي أثار غضب مسلمي أوروبا بشكل واسع.