العدسة – ياسين وجدي:
الكوفيات الحمراء أو بالأردنية ” الشماغات الحمر”، صوت جديد بلغة “السترات الصفراء” في الأردن الذي ينتظره شتاء غاضب بعد إطلاق نشطاء أردنيين شرارة الدعوة.
“العدسة” يواصل تتبعه لتمدد حراك “السترات الصفراء” ، من فرنسا ، ويتوقف في محطة الأردن ، والتي تذهب المؤشرات التي تحيط بتطلعات نشطائها إلى موجة جديدة من غضب قد يكون ربيعا أردنيا يبدد قسوة الشتاء في بلاد أفلتت من موجة الربيع العربي الأولى.
عام الغضب !
النشطاء في الأردن ، استفادوا فيما يبدو من دروس “الستراء الصفراء” في فرنسا ، فكانت المطالب اقتصادية معيشية بحتة ، حيث طالبوا بتخفيض ضريبة المبيعات على السلع الأساسية إلى النصف، وإعادة الدعم إلى الخبز، وعدم التلاعب بأسعار الوقود من خلال اعتماد الأسعار العالمية لتسعير المشتقات النفطية، وتخفيض تعريفة الكهرباء.
“الشماغ الأردني” الأحمر ، هو رمز الموجة الأردنية ، التي رفعت شعار ” 2019 .. عام التغيير”، فيما قابلتها الحكومة الأردنية بهدوء حذر مؤكدة على حق الأردنيين في التظاهر السلمي، وقالت المتحدثة باسم الحكومة جمانة غنيمات، إن التظاهر والاحتجاج هو حق مكفول للمواطنين في إطار الدستور الأردني والقوانين والأنظمة المعمول بها.
موعد الموجة ، حدده الناشطون في الأردن الخميس 13 كانون ديسمبر الجاري إحتجاجًا على الأوضاع الإقتصادية والسياسية التي لا ترضي الجمهور الأردني على رغم توالي الحكومات واحدةً تلو أخرى وآخرها حكومة عمر الرزاز، ليعزز حراكا بدأوه منذ مساء الخميس (6 ديسمبر) في شكل اعتصام في محيط الدوار الرابع بالقرب من مقر رئاسة الحكومة في العاصمة عمان ، في عودة فيما يبدو لغضب يونيو الماضي الذي أطاح برئيس الوزراء السابق، هاني الملقي، وقانون الضريبة المشبوه، خاصة بعد أن رفعوا سقف المطالب إلى وضع قانون إنتخابي يمهد لتشكيل حكومات منتخبة شعبيًا وإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية.
الأجواء مهيئة لشيء !
في الأفق العام تتلبد الأجواء بسحب غضب تتكاثر ، تصدرها في الساعات الأخيرة اجتماع رئيس الوزراء العاصف مع نشطاء من “حملة معناش” والذي جرى تسريبه محملا بشحن غضب واسع وتحذيرات واضحة من دعوات هذه المرة .
وأطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن بحسب وكالة البوصلة الأردنية حشدا كثيفا لمظاهرات الغضب مؤكدين أن كافة المطالب في الاحتجاجات السابقة والأخيرة؛ واضحة وشرعية وليست بحاجة لأي تحليل أو تبرير، وأن حالة السخط الشعبي تتسع رقعتها يومًا بعد يوم، في شكل رسائل احتجاجية شديدة اللهجة من قبل الشعب؛ يقابلها عدم جديّة الحكومة في الإصلاح بعيدًا عن “لقاءات المجاملة وتزيين المشهد البائس” في إشارة إلى لقاءات الرزاز والنشطاء .
جاء ذلك بالتزامن مع تحذير المسؤول الأول في سوق الأسهم الأردني الدكتور جواد العناني من انهيار وشيك بعدما خسر مواطنون مستثمرون وخلال أيام قليلة فقط نحو مليار دولار دفعة واحدة ، مطالبا بتدخل الملك عبد الله الثاني شخصيا لتجميد العمل بقانون الضريبة الجديد محذرا من كارثة تواجه الاقتصاد إذا لم يحصل ذلك ، مؤكدا أن “سوق عمان” المالي في طريقه للإغلاق!!.
وبحسب نشطاء فإن حكومة “الرزاز” لم تفعل شيء رغم مرور عدة شهور على توليه السلطة ويدللون على ذلك برفع النفقات العامة ومخصصات الديوان الملكي ورواتب موظفيه في ميزانية عام 2019 وتجاهل إستشراء الفساد المالي والإداري في البلاد ، مؤكدين أن تغيير النهج السياسي والإقتصادي هو الحل للأزمات التي يعاني منها الأردن.
وفي ظل هذا الإطار كشفت دراسة حديثة عن تجذر أسباب الغضب في المجتمع الأردني ، وأكد معهد جلوب الأمريكي المتخصص في دراسة حديثة وجود كتلة قوامها 19 % من الأردنيين راغبون بالهجرة الاحتجاجية على الأوضاع ، فيما يخطط 27 % من العقول الشابة الأردنية من حملة الشهادة الجامعية الأولى فأكثر لمغادرة البلاد حيث وصل معدل البطالة البالغ أكثر من 18 بالمئة في دولة لا يزيد إجمالي عدد سكانها عن 9 ملايين و 500 ألف نسمة.
الغضب قادم !
في المشهد كذلك ، قراءة تترقب شيئا في الأفق الغاضب من جانب حزب جبهة العمل الإسلامي الحزب الأبرز في المشهد والمحسوب على الإخوان ، حيث عقد جلسة خاصة لمكتبه التنفيذي الثلاثاء 11 ديسمبر ، وقرر البقاء في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات على الساحة المحلية في إشارة إلى موجة الغضب المرتقبة.
الحزب يرصد قلقا واسعا في الأردن ، مشيراُ إلى ما شهدته بورصة الأسهم المالية من انهيار حاد، وتراجع في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتصاعد سياسة الاعتداء على الحريات العامة باعتقال النشطاء الحراكيين، وتزايد الإستدعاءات الأمنية للحزبيين والحراكيين، مؤكدا أن الحكومة تمادت في سياسة إدارة الظهر للمطالب الشعبية حول تغيير النهج السياسي والاقتصادي للحكومات “ووقف التغول على جيب المواطن وحقوقه، و محاربة الفساد بشكل فاعل وجاد”، مجدداً التحذير من أن عدم الاستجابة لهذه المطالب لا يخدم مصالح الأردن واستقراره.
المطالب واحدة ، حيث تشابهت لافتة إخوان الأردن مع لافتة مطالب النشطاء ، وفي مقدمتها إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية المشاركة في الفعاليات المطالبة بالإصلاح وقضايا حرية الرأي والتعبير، وتجميد العمل بقانون الضريبة وإعادة النظر في بنوده، وتقديم خطة إصلاح سياسي تتضمن تعديلات دستورية وقانون انتخاب بما يفضي لتشكيل حكومات برلمانية تمتلك الولاية العامة وتمثل الإرادة الشعبية، وتخفيض ضريبة المبيعات، و إعادة النظر في تسعيرة المحروقات، و ما يسمى ببند “فرق أسعار الوقود” في فاتورة الكهرباء بما يتناسب مع الأسعار الحقيقية للنفط، و التراجع عن قانون الجرائم الإلكترونية، وكل القوانين التي تمس حرية الرأي والتعبير.
القيادي الإسلامي البارز في الأردن زكي بني أرشيد يرى في مقال بعنوان “الحراك الشعبي الفرس والفارس” نشره قبيل حراك الخميس أن استحقاق الغضب قادم لا محالة لأنه يشكل صيرورة لازمة، إن لم يكن اليوم ففي الغد القريب، إذ لم يعد أمام المواطن المسحوق والاقتصاد الممحوق سوى هذا الطريق موضحا أن الجميع بحاجة إلى ممر آمن، وبالتأكيد من يملك القرار يملك الجواب وهو الملك.
“بني أرشيد” يكشف ثلاث جوانب مهمة في المشهد ، وهي :ثمة حسابات وتخوفات من مستقبل هذه النسخة من الحراك الوطني، ساهم في تردد قوي عديدة في الانخراط بفعاليات الحراك بقوة، بجانب وجود مؤشرات أن بعض الجهات الرسمية تقف خلف تلك الحركة الاحتجاجية بهدف استخدامها كورقة ضغط على المجتمع الإقليمي والدولي لجلب المنح والمساعدات المالية، ورغم ذلك فإن نجح الحراك في إثبات نفسه وتجاوز عقدة الضعف في البداية الحرجة، وأصبح الحراك حقيقة ميدانية حاضرة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ومؤثر في مزاج المواطنين بقوة من خلال منابر التواصل الاجتماعي التي ثبت أنها الأقوى في التاثير بالرأي العام الوطني.
اضف تعليقا