المعركة الانتخابية المقرر انطلاقها فى شهر أكتوبر المقبل بدأت مبكرا في تونس ، وسط ترقب واسع بسبب دق طبول الحرب والتشويه الإعلامي ضد كيانات محسوبة على دعم الربيع العربي والتصدي للثورة المضادة.
“العدسة” يرصد في هذا التقرير ملامح حراك الثورة المضادة الذي ظهر بقوة خلال الأيام القليلة الماضية، ومؤشرات المواجهة والنتائج المحتملة التي تقول أن أنصار “بوعزيزي” مازال لهم الصدارة.
نبوءة “هيرست ”
بحسب مراقبين تشكل محطة الانتخابات المقبلة أداة مهمة للثورة المضادة للتأثير على نتائجها وتشويه الربيع العربي الذي كانت تونس أولى ثمراته.
وفي منتصف ديسمبر الماضي حذّر الكاتب ديفيد هيرست، في مقال له بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، من أن تونس “منطلق الربيع العربي” تواجه اليوم خطر انقلاب محتمل بدعم خليجي ومصري، وتواطؤ أطراف داخلية ، مضيفا أن “وجود حركة إسلامية سلمية تتمتع بمهارات سياسية مثبتة في تونس يمثل شوكة في خاصرة بعض الأنظمة الدكتاتورية بالخليج ومصر، وهي التي لم تدخر وسعاً في محاولة إنهاء تجربة تونس الديمقراطية الغضة”.
هيرست أضاف أن السبسي- الذي قاوم إغراءات أنظمة خليجية قبل أربعة أعوام- لم يعد الآن يقاومها؛ فقد اختلف مع النهضة وزاره “عراب الانقلاب المصري” الملياردير نجيب ساويرس يوم 19 من نوفمبر الماضي في قصر قرطاج؛ بهدف “تطوير شراكات مع عدد من المؤسسات التونسية”، وهو ما يحمل خلفه الكثير في الفترة المقبلة.
نبوءة “هيرست ” جاءت إثر تدخل إماراتي مرصود في انتخابات البلدية في تونس في 6 مايو 2018 التي خسرتها الثورة المضادة، وعززها وقتها الدعوات إلي حراك “السترات الحمراء “ والتي تحدثت أطراف عن “تلقي الحراك تمويلا من الإمارات لإثارة الفوضى في البلاد وقيادة ثورة مضادة ، ولكن يبدو أن النبوءة تتحقق الآن ، حيث حضرت “فزاعة الإخوان” في الأيام الماضية بقوة.
وبات لافتا من المنصات الإعلامية الموالية للحلف السعودي الإماراتي المناهض للربيع العربي القصف المتتابع لحركة النهضة التونسية والزعم بوجود علاقة بين النهضة من جهة وعمليات الإرهاب والاغتيالات السياسية من جهة أخرى.
رئيس جبهة ما يسمى إنقاذ تونس ” ويدعى “منذر قفراش” أعلن من فرنسا مؤخرا أنه سيترشح فى انتخابات الرئاسة التونسية ، وكان مبرره أن ” جماعة الإخوان فى تونس سيطرت على مفاصل الدولة وتسعى لإحكام قبضتها” وهو نفس المبرر الذي أثير قبيل الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013 ، والذي ذهبت الدكتورة ليلى همامى أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن والمرشحة المحتملة للرئاسة إلى ترديده عبر منصات مصرية مع نبرة أكثر حدة.
” النهضة” من جانبها نفت صحة الاتهامات الموجهة إليها ، وألمحت إلى وجود أجندات خارجية تستهدف العملية الانتخابية المقبلة ، كما دعت في بيان قبل أيام إلى “عدم العمل على تسميم الأجواء من جديد خدمة لأجندات سياسية ضيقة تتعارض مع المصلحة الوطنية، أملا في إرباك المسار الديمقراطي، وتعطيل مسار الاستحقاق الانتخابي” مؤكدة أن “هذه الممارسات لن تزيد الحركة إلاّ تجذّرا في انتمائها الوطني، واستعدادها الدائم للحوار والتعاون مع القوى الوطنية لمزيد من تجذير التجربة الديمقراطية ومناعة تونس واستقلالها”.
التشكيك بدأ كذلك في العملية الانتخابية برمتها ، وهو ما رد عليه الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية إياد الدهماني، الثلاثاء 19 فبراير مؤكدا أنّ عهد تزوير الانتخابات انتهى، وأن “تونس اتخذت طريقا لا رجعة فيه ” مشيرا إلى أنه يتفهم تحول المجلس إلى منبر للحملة الانتخابية سواء للمعارضة أو الحكومة التي تدافع عن نفسها بالبرلمان.
الغريب هذه المرة تحرك “اتحاد الشغل” المحسوب على اليسار لخوض الانتخابات ، وهو صاحب كثير من المبادرات الاحتجاجية المثيرة للجدل المستهدفة بالأساس لحركة النهضة رغم وجود “نداء تونس في الحكم ” ، وهو أثار كثير من علامات الدهشة والتعجب ودعوات أن يحسم اتحاد الشغل موقفه بين الاختيار بين لعب دور نقابي أو اختيار مكانه بين الأحزاب السياسية وتحمل الربح والخسارة.
وبحسب الكاتبة التونسية سمية الغنوشي فإن قوى الثورة المضادة التي تتغذى من مراكز النفوذ والمصالح الكبرى، في تقاطع مستمر مع قوى يسارية فوضوية تحركها نوازع العمى الأيديولوجي في إشارة إلى اتحاد الشغل وفق ما هو رائج عنه.
موقع موند أفريك الفرنسي وثق هذه المساعي كلها مؤكدا أن “المال الإماراتي يشوش على الحراك السياسي في تونس” وأن ” حكام الإمارات مستعدون لفعل كل شيء للإطاحة بحركة النهضة بوصفها ممثلا للتيار الإسلامي في تونس.
تحفيز واستعداد
وفي إطار مقابل ، يحاول أبناء الربيع العربي في تونس تحفيز جماهيرها نحو جولة جديدة في مواجهة الثورة المضادة عبر صناديق 2019.
الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، أكد أن الصراع مازال متواصلا، وأن قوس الثورة المضادة سيغلق في انتخابات 2019، والتي يجب اعتبارها جولة لمواصلة النضال من أجل تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية والخبز والعمل للتونسيين موضحا أن “تونس كانت مستهدفة من عدة أطراف خاصة الإمارات ، لكونها منطلق الثورات العربية التي انطلق منها الربيع العربي الذي أخاف كل الأنظمة، فصبت علينا كل الهموم”.
وأضاف في تصريحات صحفية حديثة أنه “كان واضحا أن هناك إرادة إقليمية لإفشال الربيع العربي الذي أفشل بالحرب الأهلية في ليبيا وسورية واليمن، وبالانقلاب العسكري في مصر، بينما حاولوا إفشاله في تونس بالإرهاب والإعلام الفاسد والمال الفاسد وهو ما سبب لنا نكسة ، لكنه لم يستطع إفشال التجربة التونسية بالكامل، ولدي قناعة أننا سننجح في تونس، لأن الشعب التونسي لديه كل الوعي بمنجزاته”.
في هذا الإطار دق رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد ناقوس الخطر ، مؤكدا في تصريحات له مؤخرا “ضرورة تنقية المناخ السياسي قبل “مواعيد الانتخابات” التي قال إنها ستنجز في موعدها نافيا ما تردد عن سعي السلطات إلى تأجيلها؛ بسبب الأزمة المستمرة بين الحكومة والرئاسة.
عمليا صنف البعض مواصلة البرلمان التونسي مناقشة مشروع تنقيح القانون الانتخابي الذي يحظى خاصة في بند “العتبة الانتخابية ” بنسبة 5% موافقة الأغلبية داخل البرلمان (كتلة حركة النهضة، وكتلة نداء تونس، وكتلة الائتلاف الوطني) بأنه محاولة لتحصين البلاد من خطر الاختراق من خلال ثغرات المناكفات والتشتت البرلماني .
النائب والقيادي بحركة النهضة أسامة الصغير أوضح أن إدراج عتبة من أجل ترشيد الترشحات للانتخابات، والحد من التشتت البرلماني، وإيجاد حل لأزمة الحكم التي تعاني منها البلاد جراء تعدد الحكومات وعدم استقرارها وعدم قدرتها على القيام بأي إصلاحات مشيرا إلى أن البلاد تحتاج اليوم إلى الغربلة وترشيد الترشحات لتحقيق نظام سياسي يكفل الاستقرار خاصة أن عدم فرض عتبة انتخابية بانتخابات المجلس التأسيسي بعد ثورة 2011 كانت له مبرراته، وهو توسيع قاعدة المشاركة السياسية أمام كل الأطياف لكتابة دستور توافقي.
وتحاول حركة النهضة ميدانيا حشد أكبر عدد من الجماهير في إطار دعم مكتسبات الثورة واستكمالها وهو مالفت إليه بيان الحركة الأخير ، حيث أهابت “بكل مناضليها مضاعفة الجهد للإحاطة بهموم المواطنين وقضاياهم، والإسهام في نجاح كل الاستحقاقات الوطنية والحزبية”.
مؤشرات إيجابية
وبحسب آخر نتائج انتخابات ومؤشرات حديثة فإن معسكر دعم الربيع العربي لازال متقدما.
ونشرت صحيفة المغرب، الأحد 17 فبراير ، آخر إحصائيات نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية لمؤسسة “سيجما كونساي” ، حيث تصدرت حركة النهضة النتائج فيما يتعلق بنوايا التصويت للانتخابات التشريعية ويوسف الشاهد تصدر نتائج نوايا التصويت في الإنتخابات الرئاسية.
وتصدرت “النهضة” نوايا التصويت بـ33.3 بالمائة، تلتها “نداء تونس” بـ15.5 بالمائة، ثم التيار الديمقراطي (يساري اجتماعي– 3 نواب) بـ10 بالمائة، والجبهة الشعبية 8.9 بالمائة، ثم الحزب الدستوري الحر بـ6.5 بالمائة.
وتصدر رئيس الحكومة يوسف الشاهد الترتيب بنسبة 30،7 بالمائة يليه قيس سعيد ب12،5 بالمائة ثم الباجي قايد السبسي بنسبة 10،8 بالمائة ثم المنصف المرزوقي بنسبة 9،0 بالمائة ثم حمة الهمامي بنسبة 4،4 بالمائة.
يأتي هذا معززا لآخر انتخابات حيث حلت حركة “النهضة” في المرتبة الثانية خلف “نداء تونس” في الانتخابات التشريعية، عام 2014، بينما تقدمت على “نداء تونس”، في أول انتخابات بلدية في 2016 .
اضف تعليقا