مع احتمال حدوث كارثة للجيش الأفغاني وتقدم حركة طالبان، تحاول الدول الست التي تربطها حدود مع أفغانستان الحفاظ على مصالحها بكل الوسائل.

تحت هذه الكلمات قالت صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية: هناك ست دول لها حدود مع أفغانستان، فالصين في أقصى الشمال الشرقي، ومن الشمال تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، ومن الغرب إيران، ومن الشرق والجنوب باكستان.

وبينت أن الحدود تظل موقعًا لجميع المفارقات، لأن المصالح المعنية بشكل عام مهمة للغاية بحيث لا يمكن للأيديولوجيات أن تسود على الاعتبارات الأكثر واقعية، وحدود أفغانستان ليست استثناء من هذه القاعدة.

وأشارت إلى أن حركة طالبان بدأت هجماتها على عواصم المقاطعات وتسيطر الآن على ثلاثة في الشمال، وهم يبسطون أيديهم الآن على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية وجزءًا كبيرًا من الحدود الخارجية.

وبالنسبة للبلدان الستة الواقعة على الحدود، حان الوقت لوضع استراتيجيات مختلفة حال الاستيلاء الكامل على السلطة من قبل طالبان.

 

الواقعية الصينية

ونوهت الصحيفة الفرنسية بأنه على جانبي الحدود المشتركة التي يبلغ طولها 76 كيلومترًا، هناك رؤيتان متعارضتان لبعضهما البعض بشكل منطقي، الصين تضطهد مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ، وعلى مسافة قصيرة، يجد مقاتلو طالبان أنفسهم على أبواب السلطة، بعد عدة نجاحات عسكرية خلال الأشهر الأخيرة.

وذكرت بالاجتماع الذي عقد بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي والملا عبد الغني بارادار من حركة طالبان بالفعل في 28 يوليو/ تموز الماضي.

كما أكدت أنه بالنسبة للصين، فإن “السياسة الواقعية” أساسية في هذه القضية الأفغانية، إذ تهدف هذه المحادثات إلى الحفاظ على المصالح الاقتصادية طويلة الأجل لقوتها، في المقابل الجماعة الإسلامية، التي كانت في السلطة حتى التدخل الأمريكي عام 2001، ولا تزال تبحث عن الشرعية الدولية لهذا رحبت منطقياً بهذه اليد الممدودة.

ومن أجل الظهور كبديل للسلطة الحالية وتحسين صورتها، أكد المتحدث باسم طالبان للصين أن “الأراضي الأفغانية لن تُستخدم ضد أمن أي دولة على الإطلاق” بحسب بيان أدلى به لوكالة فرانس برس، فبهذه المفاوضات، يرغب المقاتلون الأفغان حماية أنفسهم من أي تدخل أجنبي.

أما الدبلوماسية الصينية فاعترفت بأن طالبان لا تزال “قوة سياسية وعسكرية حاسمة في أفغانستان”، وقد دعا وانغ يي الحركة إلى “لعب دور مهم في عملية السلام والمصالحة وإعادة الإعمار بأفغانستان”.

وبحسب “لوفيجارو”، فإن المصلحة المزدوجة للصين في تأمين حدودها مع أفغانستان هي تجنب انتشار الإرهاب والحفاظ على مصالحها الاقتصادية، وفي إطار مشروع طرق الحرير الجديدة، ستكون أفغانستان الصديقة، أحد الأصول الرئيسية لاستراتيجية التأثير الصينية.

 

روسيا تراقب

وتقول الصحيفة إن الصين لسيت وحدها القلقلة بشأن حدودها الأفغانية، إذ هناك ثلاث دول بآسيا لها حدود مع هذه الجارة غير المستقرة: تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان، ففي الشمال، لا تزال هذه الكيانات السابقة في الاتحاد السوفيتي موالون لروسيا.

وإذا تمكنت طالبان من بسط سلطتها بشكل نهائي، فإن “التهديد لآسيا الوسطى لن يأتي مباشرة منهم ولكن من الجماعات التابعة لهم، مثل الحركة الإسلامية في أوزبكستان، أو جماعة أنصار الله”، حسب المحللة ميلاني سادوزاي بالمعهد المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية.

وتوضح “هذه الجماعات تتكون من العديد من مواطني آسيا الوسطى الذين لديهم طموحات ضد دولتهم الأصلية. بالنسبة لقادة آسيا الوسطى، هؤلاء الأفراد يمكنهم الحصول على السلطة بدعم من حكومة طالبان، وتضخيم صفوفهم، وتكديس المعدات، وعبور الحدود لتنفيذ هجمات في الداخل “.

ولذلك أعادت روسيا بالفعل تأكيد دعمها العسكري للأنظمة في المنطقة، وبالنسبة لبوتين، المطلوب بسيط: منع ظهور وتسلل الجماعات الإرهابية بمنطقة نفوذه، ففي 5 أغسطس/ آب، بدأت موسكو مناورات عسكرية مشتركة مع أوزبكستان وطاجيكستان بالقرب من الحدود الطاجيكية الأفغانية.

بالإضافة إلى الجانب الأمني​​، تتابع اليومية الفرنسية، فإن المأزق الآخر الذي قد تواجهه هذه الدول على الحدود الشمالية هو توقف المبادلات الاقتصادية، فهذه الدول الثلاث تصدر البضائع والكهرباء إلى أفغانستان.

وإذا استولت طالبان على السلطة “سيتعين على حكومات آسيا الوسطى الاعتراف رسميًا بهذا النظام من أجل مواصلة هذه التبادلات، وهو أمر مستحيل لأن المجتمع الدولي لن يفعل ذلك، تؤكد ميلاني سادوزاي التي أشارت أيضا إلى أن “هذه البلدان لن ترغب في تنفير ثلاثة أرباع دول العالم، ولا سيما طاجيكستان التي تعيش على المساعدات الدولية”.

 

مخاوف إيرانية

وتقول الصحيفة: على الحدود الغربية الأفغانية، لم يخف النظام الشيعي في إيران أبدًا عداءه لمتطرفي طالبان السنة، لكن منذ التقدم الذي تم إحرازه في الأشهر الأخيرة، حاول نظام الملالي المماطلة، وقد بدأ الأخير بالفعل محادثات من أجل تجنب الصراع المفتوح مع هذا الخصم بأي ثمن.

ويرى بيرم بالسي، الباحث في معهد ساينس بو، أنه يجب وضع الاختلاف بين الشيعة الإيرانيين وطالبان السنة في منظورها الصحيح، اليوم يفضل الإيرانيون التعامل مع طالبان، الوضع مختلف عما كان عليه قبل عشرين عاما، لا أعتقد أن طالبان ستقوم بدعم الإرهاب الدولي مرة أخرى”.

ولأنها جارة مباشرة، تخشى إيران على نحو متزايد من موجة هائلة من اللاجئين، طهران لديها بالفعل أكثر من 3 ملايين لاجئ أفغاني على أراضيها، وبحسب السلطات، يقيم بالفعل عدة آلاف من الأفغان المنفيين في معسكرات على الحدود بين البلدين.

كما أن طهران قلقة من التداعيات المحتملة لاستيلاء حركة طالبان على السلطة، على السكان الشيعة في المنطقة ولا سيما أقلية الهزارة.

 

هل باكستان الرابح الأكبر؟

أما على خط دوراند، الاسم الذي أطلق على 2430 كيلومترًا من الحدود بين باكستان وأفغانستان، اكتمل تقريبًا العمل على بناء أسوار طويلة وأسلاك شائكة.

على الجانبين، تدهورت العلاقات بين الحكومة الأفغانية والسلطات الباكستانية إلى حد كبير منذ عدة أسابيع. وقال جان لوك راسين، المتخصص في المنطقة بالمركز القومي لبحث العلمي: إن العلاقات بين عمران خان وأشرف غني أصبحت سيئة للغاية، لأن كابول تتهم إسلام أباد بتشجيع توغل طالبان داخل بلاده”.

ووفقا له، ستوفر عودة طالبان إلى السلطة أدوات نفوذ مهمة لباكستان، فجميع البلدان المهتمة بأفغانستان لها مصلحة في الاقتراب من إسلام أباد، في حالة انتصار طالبان، ولا جدال في أن باكستان أقامت علاقة وثيقة مع الحركة الإسلامية منذ البداية.

فحتى عام 2001، كانت باكستان واحدة من الدول الوحيدة التي اعترفت بشرعية طالبان في أفغانستان، واليوم، الهدف الاستراتيجي لإسلام أباد بسيط كما يبين جان لوك راسين وهو “منع نظام مؤيد للهند من الحصول على موطئ قدم في كابول لأن باكستان تخشى الوقوع في كماشة، هذا في صميم التفكير الجيوسياسي”.

وفي هذا السياق، فإن انتصار طالبان سيجعل من باكستان لاعباً أساسياً لدول المنطقة، ولهذا أدركت روسيا والصين بالفعل النفوذ المحتمل الذي قد تمثله إسلام أباد.

لكن جان لوك راسين يحذر من أنه “مع إسلام أباد، هناك دائمًا خطر الغطرسة، فنحن لا نقيس غالبًا ما يمكن أن يكون خطيرًا على الوضع العام. إذا كان هناك إحياء لداعش في أفغانستان، على سبيل المثال، فسيكون ذلك تهديدًا، بما في ذلك لباكستان “.

 

النص الأصلي من المصدر