العدسة – منصور عطية

باتت أجواء الحرب تخيم على منطقة الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق، في أعقاب حادث إسقاط الدفاعات السورية المقاتلة الإسرائيلية فوق الجولان المحتل، وما تلاه من غارات نفذها طيران الاحتلال ضد أهداف إيرانية في عمق الأراضي السورية.

هذه الأجواء تهدد باندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، على الرغم من رغبة الأخيرة في عدم تصعيد التوتر القائم في جبهتها الشمالية، كذا توسيطها أمريكا وروسيا لأجل الهدف ذاته.

آخر التطورات

ميدانيا، قرر جيش الاحتلال تعزيز دفاعاته الجوية على الحدود الشمالية، حسب القناة التليفزيونية الإسرائيلية (ريشت14)، وأشارت إلى أن الحركة “شبه اعتيادية” في المناطق الشمالية، إلا أن السكان “أصبحوا يفهمون أن إيران موجودة قرب الحدود، وأن قواعد اللعبة قد تغيرت”.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن بلاده “ستدافع عن نفسها ضد أي اعتداء أو محاولة للمس بسيادتها”.

وأضاف: “أجريت اليوم سلسلة من المشاورات مع وزير الدفاع (أفيغدور ليبرمان)، ومع رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع (غادي آيزنكوت)، سياستنا واضحة تماما، إسرائيل تدافع عن نفسها من أي اعتداء ومن أي محاولة للمس بسيادتنا”.

وتابع: “إسرائيل ضربت بقوة أيضا أهدافا إيرانية وسورية عملت ضدنا، هذا هو حقنا وواجبنا وسنواصل ممارستهما وفق الحاجة، فلن يخطئ أحد بذلك”.

من جانبها، قالت الأمم المتحدة إنها تتابع عن كثب التصعيد المخيف في سوريا، وتدعو الجميع للتهدئة الفورية وغير المشروطة وضبط النفس، وذلك عقب إعلان إسرائيل شن غارات في سوريا هي الأوسع منذ 1982 ردًّا على إسقاط الجيش السوري مقاتلة إسرائيلية من طراز أف 16.

وفجر السبت 10 فبراير الجاري، قال الجيش الإسرائيلي إنه أسقط “طائرة بدون طيار إيرانية”، انطلقت من سوريا، واخترقت الأجواء الإسرائيلية، وعقب ذلك قصفت طائرات إسرائيلية مواقع في سوريا قال الجيش إن إحداها “منشأة إيرانية تدير الطائرات المسيرة”.

وتحطمت إحدى هذه الطائرات وهي مقاتلة أمريكية الصنع من طراز إف-16 لدى عودتها، وسقطت في منطقة خالية شرقي حيفا، وأعلنت وكالة “سانا” التابعة للنظام السوري، أن الدفاعات الجوية التابعة لقوات الأخيرة “تصدت لمقاتلات إسرائيلية وسط البلاد، وأصابت أكثر من واحدة”.

واعترف جيش الاحتلال بتحطم إحدى مقاتلاته وإصابة طيارين اثنين، إلا أنه رفض الإقرار بأنها سقطت نتيجة استهدافها بنيران سورية، ومع ذلك اعتبر الحادث “هجومًا إيرانيًّا على سيادة إسرائيل”.

إسرائيل مصممة؟

التصريحات التي أطلقها نتنياهو توحي بأن إسرائيل عقدت العزم على مواجهة إيران في سوريا، ورغم نفي طهران لضلوعها في الهجوم، إلا أن الاحتلال يسعى لجعل مسألة تورط إيران في إسقاط المقاتلة وتسيير الطائرة بدون طيار واقعا لا يقبل الجدال.

نتنياهو أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن “إسرائيل ستواصل التصدي لوجود إيران العسكري في سوريا”.

وقال عقب مشاورات أمنية في تل أبيب، إنه اتفق مع بوتين خلال محادثة هاتفية بينهما على مواصلة التنسيق بين الجيشين الإسرائيلي والروسي في سوريا، وأضاف أنه أكد له على ما وصفه بحق إسرائيل وواجبها في الدفاع عن نفسها في مواجهة أي “اعتداءات” تشن عليها من داخل الأراضي السورية.

وتابع أنه أجرى كذلك محادثة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أطلعه فيها على التطورات الأخيرة، وأبلغه بأن “إسرائيل ستعمل ضد محاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وفي أماكن أخرى”.

هذا العزم الإسرائيلي على مواجهة إيران يأتي في الوقت الذي طلبت دولة الاحتلال من روسيا وأمريكا، التدخل لمنع التصعيد على الجبهتين السورية واللبنانية.

وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إن الطلب الإسرائيلي من روسيا، جاء بعد ساعات من الغارات التي نفذتها مقاتلات إسرائيلية، نظرا لطبيعة العلاقات الوطيدة بين موسكو ونظام بشار الأسد في سوريا.

وأضافت الصحيفة: “أوضحت إسرائيل للمسؤولين الروس أن جميع التحذيرات الإسرائيلية ضد التموضع الإيراني في سوريا قد تحققت”، وتابعت: “قيل للروس أيضا إن إيران كما سبق وحذرت إسرائيل، كانت سبب عدم الاستقرار الذي لم توله روسيا اهتماما”.

على الجانب الآخر، أشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل وجهت رسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بغية التوسط بينها وبين لبنان لمنع التصعيد، بعد شروع الأخيرة في بناء جدار على الحدود مع لبنان.

أمريكا تساند وروسيا ترفض

وبطبيعة الحال فإن أمريكا تدعم إسرائيل بكل قوة وتؤيد مواقفها، مقابل رفض روسي لأي تصعيد يعود لتواجد موسكو العسكري في روسيا وطبيعة علاقاتها بحليفيها طهران ودمشق.

الخارجية الأمريكية، أعربت عن “دعمها القوي لحق إسرائيل السيادي في الدفاع عن نفسها”، وأشارت إلى أن “مشاريع إيران في نشر قوتها وسيطرتها تلقي بجميع الشعوب من اليمن إلى لبنان في الخطر”، مشددا على أن “الولايات المتحدة ستواصل التصدي للمساعي الخبيثة لإيران وموقفها الذي يهدد السلام والاستقرار في المنطقة”.

في المقابل أعربت الخارجية الروسية عن قلقها العميق إزاء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس، وقالت في بيان إنه “لا يُقبل إطلاقا تهديد أرواح وأمن الجنود الروس الموجودين في سوريا”.

وحذرت الخارجية الروسية من خطر تصاعد التوتر داخل مناطق خفض التصعيد وحولها في سوريا، وحثت جميع الأطراف المعنية على ضرورة احترام سيادة وسلامة أراضي سوريا وبلدان المنطقة الأخرى دون قيد أو شرط.

ويبدو من البيان الروسي – فضلا عن انتقاد التصعيد العسكري المتمثل في الغارات الإسرائيلية ورفض أي تهديد ضد عسكرييها في سوريا- أن الإسرائيليين لم ينسقوا مع الروس، وربما خرجوا عن التوافقات التي تمت خلال اللقاء الذي جمع أواخر يناير الماضي في موسكو بوتين ونتنياهو.

مواجهة منضبطة أم حرب شاملة؟

الشيء المؤكد الوحيد في هذه المعادلة أنها غيرت قواعد اللعبة لجميع الأطراف، فإيران أثبتت ما تتمتع به من نفوذ في العمق السوري تسانده موسكو، والأسد أظهر قوته مستغلا ما تحقق على الأرض من انتصارات حقهها حلفاؤه على المعارضة المسلحة، وإسرائيل أيقنت أن أية تحركات عسكرية مقبلة لها في سوريا لن تمر مرور الكرام.

وبينما تعض الأطراف الثلاثة أناملها من الترقب والحذر، يبدو مصير الأمر في يد غيرها، وتحديدا لدى واشنطن وموسكو، فبينما تدعم أمريكا إسرائيل وتتحدى النفوذ الروسي في سوريا وتعادي إيران، تتحالف روسيا مع طهران والأسد وتفرض سيطرتها السياسية والعسكرية على سوريا.

هاتان القوتان تتحكمان بشكل أو بآخر في تحديد مآلات الحادث وفرص تطوره من عدمه، بما تملكه من علاقات تصل إلى حد الهيمنة على أطراف المواجهة المباشرة، حيث تحدد رغبة كل منهما فيما سيحدث مستقبلا.

فهل ستضغط أمريكا على إسرائيل حتى تشن مزيدا من الضربات تضعف اليد الإيرانية في سوريا، أم تدفع موسكو طهران إلى التهدئة وصولا إلى استمرار الخطوط الحمراء على وضعها الحالي، بحيث تضمن إسرائيل ابتعاد الخطر الإيراني الموجه من سوريا ضدها، مقابل تعهد تل أبيب بعدم الاندفاع نحو تهديد المنطقة الحدودية وبقائها آمنة؟.

تقارير ومراكز أبحاث إسرائيلية، تحدثت عن قلق متزايد في تل أبيب من تنامي الدور الإيراني في سوريا، ونقل طهران صواريخ متطورة ودقيقة من شأنها كسر التفوق العسكري الإسرائيلي، وأن طهران تسعى لنشر منظومة صاروخية من الساحل اللبناني حتى جنوب سوريا، بحيث يصبح بمقدورها ضرب أي مكان في إسرائيل.

لكن على الجهة المقابلة، فمن المؤكد أن النفوذ الإيراني المتزايد يقلق روسيا أيضا، التي ستبدو مضطرة إلى تحجيم تغول طهران وعدم تخطي الحدود التي رسمتها موسكو لحليفها القوي.