العدسة – معتز أشرف

يبدو أن الجارتين المتنافرتين على مقربة من إقرار خطة إيجابية لإحلال السلام والمصالحة بعد عقود من النزاع؛ حيث جاء لقاء رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي، والرئيس الأفغاني أشرف غني قبل أيام ليسجل لحظة مهمة وتاريخية قد تسفر في الفترة المقبلة عن نجاح المصالحة، لتتشكل قوة مهمة في منطقة لا تعرف الصمت، وهو ما نرصد مؤشرات تحققه ما لم يحدث ما يعكر صفو الشقيقتين مجددًا!

زيارة تاريخية!

في خطوة إيجابية اتفق رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي، والرئيس الأفغاني أشرف غني، الجمعة، على “خطة عمل للسلام والمصالحة”، كما اتفقا على تعزيز التعاون المشترك فيما يخص الأمن والسلام الإقليميين، ووصف المسؤولون في باكستان المحادثات بـ”الودية”، كما أطلق المسئولون في  أفغانستان في نفس السياق تصريحات إيجابية حول اللقاء؛ حيث أعلن الرئيس الأفغاني في بيان رئاسي أنه “تم الاتفاق على تكليف مستشاري الأمن القومي للبلدين ووزراء الخارجية بوضع اللمسات الأخيرة على خطة عمل للسلام والمصالحة”، مؤكدا أن السلام والاستقرار في أفغانستان عاملان أساسيان للاستقرار الإقليمي، ونستطيع بالتعاون مع الجارة باكستان لعب دور حاسم في بناء مستقبل زاهر، فيما يصف مراقبون زيارة عباسي بالتاريخية والتي قد تساهم في تخفيف التوتر القائم بين البلدين، والدفع باتجاه إحياء مباحثات السلام مع حركة “طالبان”

وتأتي الزيارة عقب تصاعد التوترات بين أفغانستان وباكستان، حيث تتهم كابل جارتها بالتورط في موجة من سفك الدماء لديها، أحدثها مقتل 120 شخصًا في هجوم انتحاري بكابل نهاية ينايرالمنصرم، وتبنته حركة طالبان، وهو ما تنفيه إسلام آباد، وجاءت بناء علي دعوة رسمية من الرئيس الأفغاني، من أجل حل عدد من القضايا العالقة بين البلدين، والعمل على إحلال السلام، وعقب إعلان “غني” رغبته في بدء فصل جديد في العلاقات بين بلاده وباكستان، كما تأتي هذه الزيارة وسط تقارب بين الهند وأفغانستان، خاصة بعد فتح خط جوي بين كابل ونيودلهي، لتعزيز التبادل التجاري بينهما، فضلا عن فتح الهند طريقاً تجارياً بحريًا مع أفغانستان القارية (ليس لديها سواحل على البحر)، من خلال ميناء “تشابهار” الإيراني الاستراتيجي، وذلك في تجاوز واضح لباكستان. بحسب المراقبين.

أزمة الحدود!

تفصل البلدان حدود بطول 2400 كلم رسمها المحتل البريطاني في 1896 وتحتج كابول عليها، ويتبادل البلدان الاتهام بإيواء قواعد للإرهابيين في البلدين يتم منها التخطيط لاعتداءات دامية، كما أن الحدود تشكل تاريخيًا مجالًا للكثير من التهريب، وفي عام 2016 أخفقت باكستان وأفغانستان في التوصل إلى اتفاق على إدارة الحدود بينهما؛ حيث تعتبر باكستان أنه من الأهمية بمكان بناء بوابات على المعبر الحدودي لحفظ أمن باكستان وأفغانستان على حد سواء، فيما رفضت أفغانستان الأمر، مؤكدة وجود انتهاكات متنوعة” من باكستان، وتشمل إنشاء نقاط تفتيش على أراضٍ أفغانية، فضلا عن القصف المدفعي الباكستاني المستمر وغير المبرر للقرى الأفغانية، لكن شهد عام 2017 إقامة باكستان سياجًا على طول حدودها مع أفغانستان، ذلك في إطار التصدي للمجموعات الإرهابية الناشطة في المنطقة في خطوة انتقدتها كابول، وقالت: إنها تفصل بين السكان، حيث يفصل الخط جماعة الباشتون الإثنية بين الدولتين الجارتين.

وتخشى باكستان، وبشكل جدي بحسب مراقبين، من أن تُحرك أفغانستان ملف الحدود في المحافل الدولية، خصوصًا وأن المدة الزمنية للاتفاقية (100 عام) قد انتهت من أكثر من عقد، كما أن هناك بعض الأصوات بدأت تعلو مطالبة بإعادة الحدود إلى ما كانت عليه قبل توقيع الاتفاقية، وكان من أبرز المطالبين الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، ما يعني أن الحدود الأفغانية ستصبح على نهر السند الذي يمر وسط باكستان، ما تنظر إليه باكستان بقلق شديد وعلى أنه تهديد يمس الأمن القومي الباكستاني، بالإضافة إلى ذلك، إن عدم وجود اتفاقية تقاسم مياه بين باكستان وأفغانستان يزيد الطين بلة، مع إعلان أفغانستان نيتها بناء 12 سداً على نهر الكابول الذي يدخل إلى باكستان من خلاله 17 مليون فدان إلى المناطق الشمالية في باكستان، لكن بعد بناء السدود ستنخفض حصة باكستان من مياه نهر كابول إلى 16-17 % .

ملف طالبان

طالبان كلمة سر بارزة في العلاقات المتأزمة بين الجارتين، وبحل الإشكالية يمكن وضع علاقة متميزة بين البلدين، وهو ما دفع باكستان إلى استضافة أول محادثات سلام مباشرة بين كابول وحركة “طالبان” في عام 2015، إلا أن تلك المحادثات انتهت عندما أعلنت أفغانستان وفاة مؤسس حركة طالبان الملا محمد عمر، لكن الأمر تجدد في هذه الزيارة، فبعد ساعات قلائل أعلنت باكستان في تصريحات صريحة وإيجابية صادرة من رئيس الوزراء الباكستاني شهيد خاقان عباسي، السبت، أن أفغانستان قبلت عرضًا تقدم به لإحياء محادثات السلام المتوقفة بين كابل وحركة طالبان، مؤكدًا أن “الحرب ليست الحل للصراع المستمر منذ عقود في أفغانستان”.

التحركات كانت فيما يبدو شديدة في يناير الماضي؛ حيث أفادت تقارير إخبارية بأن زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا هيبة الله أخوندزاده وافق على إرسال وفد من الحركة إلى باكستان لإجراء محادثات تمهيدية حول استكشاف سبل إحياء محادثات السلام بين الحركة والحكومة الأفغانية، ونقلت وكالة أنباء (خامة برس) الأفغانية عن مصادر مطلعة على أحدث التطورات داخل صفوف طالبان، قولها: إن أخوندزاده وافق على اجتماع استطلاعي عقد فى إسلام آباد حول سبل استئناف المحادثات لإنهاء الحرب المشتعلة فى أفغانستان، وهو المحادثات التي يمكن ربطها باجتماع مهم في أواخر عام 2017، بعد أن أعاد التدخل الصيني في ملف مكافحة الإرهاب في كل من أفغانستان وباكستان خلط الأوراق الأمريكية في المنطقة، من خلال تقديم ضمانات وحزمة من المساعدات لإسلام آباد، يرى فيها مراقبون، بديلا عن المساعدات الأمريكية التي تستغلها واشنطن للضغط على الحكومة الباكستانية في العديد من الملفات، وهو ما دفع الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني في فبراير الماضي الإعلان عن عرض إجراء محادثات سلام مع طالبان وتزامنًا مع سعي قوى دولية لزيادة الضغط على الحركة للقبول بمفاوضات تفضي لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 16 عامًا في أفغانستان.

مفتاح الهند!

الهند مفتاح مهم في حل الأزمة بين الجارتين، خاصة في ظل تخوفات عديدة في باكستان من التواجد الهندي المتزايد في أفغانستان، حيث يتحدث كبار مسؤولي الجيش الباكستاني بحسب تقارير غربية أنه من بين الأسباب التي جعلت لديهم ذلك الاهتمام المستمر بأفغانستان هو توسع نفوذ الهند هناك، حيث إن إسلام آباد تخشى، من بين ما تخشى، اغتنام دلهي فرصة وجودها في أفغانستان لبناء علاقات أوثق مع انفصاليي البلوش، الذين يقاتلون على مدار عقود من أجل الانفصال عن باكستان، وتعتبر القضية بالغة الحساسية؛ بسبب خطط باكستان لبناء ممر اقتصادي صيني باكستاني، وهو طريق تجاري يعبر بلوشستان، على مقربة من الحدود الأفغانية، حتى ميناء غوادار الجديد، وتأمل باكستان في أن يؤدي هذا الممر التجاري إلى تحقيق عائدات بمليارات الدولارات، ما جعل المراقبين يتحدثون عن أنه وضع جيواستراتيجي بالغ التعقيد.

وفي أواخر 2017 أعلنت باكستان بوضوح رفضها أي دور سياسي أو عسكري للهند في أفغانستان، تحت مظلة الإستراتيجية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة، وأكد رئيس الوزراء الباكستاني شهيد خان عباسي رفضه “وجود أي دور يمكن للهند أن تلعبه في أفغانستان” موضحًا أن “أي تدخل سياسي أو عسكري للهند في أفغانستان قد يعقد الوضع، ولن يساهم في أي حلول”.

 فرصة جيدة!

وبحسب دراسة حديثة لمركز الدراسات الاستراتيجية والإقليمية (CSRS فرغم اعتقاد البعض بأن العلاقات الأفغانية الباكستانية غير قابلة للتحسن إطلاقًا في حال عدم حل القضايا المذكورة بعاليه، إلا أن هناك بلدانا في العالم تجاهلت قضية الحدود وأسست علاقات اقتصادية قوية مع بعضها البعض. لذا، من الممكن لأفغانستان وباكستان تحسين العلاقات حتى دون حسم قضية خط ديورند الحدودي، إلا أن ذلك سيتطلب حلولًا جذرية من جانب البلدين؛ حيث أوضحت الدراسة أن العلاقات بين كابل و إسلام‌ آباد تعتمد حاليًا على قضيتين: أولا، تعهد الجانب الباكستاني للحكومة الأفغانية على إيقاف استغلال طالبان للأراضي الباكستانية ضد أفغانستان. ثانياً، اتخاذ موقف من كابل و إسلام‌ آباد تجاه محادثات السلام تحت إشراف باكستان (لا توسطها) الذي يؤدي إلى المفاوضات بين الحكومة الأفغانية ومكتب طالبان، وعلى هذا النحو ستتحسن العلاقات بين البلدين على المدى القريب وسيمهّد ذلك أيضا الطريق لعلاقات أفضل على المدى البعيد.