العدسة – موسى العتيبي
استقالة مفاجئة في توقيت حساس تقدم بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، لكنه أعلنها من العاصمة السعودية “الرياض” وليس من بيروت.
الاستقالة فجرت التساؤلات الواسعة حول مصير الأوضاع في لبنان، في ظل السخونة السياسية بين المملكة العربية السعودية ونظيرتها إيران التي ترعى حزب الله في لبنان، وعما إذا كانت الأوضاع في لبنان ستزداد سوءا أم ماذا؟
واللافت في الأمر أن الرد الإيراني على تفجير الأوضاع في لبنان بعد استقالة الحريري، جاء سريعا للغاية، حيث أطلقت ميليشيات الحوثي باليمن المدعومة من إيران، صاروخا بالستيا باتجاه الرياض، غير أن القوات السعودية تمكنت من التصدي له، وفقا لبيان لها.
إسرائيل أيضا دخلت على خط الأحداث الساخنة، حيث رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نيتنياهو باستقالة “الحريري” واعتبرها عامل ضغط من المجتمع الدولي على إيران.
إذًا فقد أشعلت استقالة “الحريري” الأوضاع في كل من “إيران ولبنان وسوريا واليمن والسعودية وإسرائيل”، لتنذر الأمور بتغيرات سريعة ومتلاحقة قد لا يحمد عقباها في القريب.
” سعد الحريري “
ماذا تعني الاستقالة؟
استقالة الحريري من رئاسة الحكومة، تعد بمثابة الصدمة والكارثة على حزب الله اللبناني، رغم محاولات إظهارهم عدم مبالاتهم بتلك الخطوة، إلا أن كل المراقبين يؤكدون أنها من أصعب الضربات التي تلقاها الحزب في الآونة الأخيرة.
فالازمة التي ستقابل حزب الله، وتقابل اللبنانيين بصفة عامة بعد استقالة الحريري، كيف ستدار البلاد، ومن سيرأس الحكومة، وكيف تشكل، ومن الذي سيشكلها وممن ستُشكل؟
فكلام الحريري لا يوحي بأن تيار المستقبل الذي يترأسه سيكون مشاركاً في أي حكومة تضم حزب الله، وإذا ما ضغط حزب الله إلى تشكيل حكومة كحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فهذا يعني أن لبنان سيكون أمام أزمة جديدة، تعاني من عدم الاعتراف من قبل المجتمع العربي والدولي.
وهذا ما قد يزيد الضغط السياسي والاقتصادي على البلد في ضوء العقوبات المفروضة على حزب الله.
الأزمة الثانية التي تواجه حزب الله، أن استقالة الحريري جاءت في وقت يعاني فيه “حزب الله اللبناني” من خناق وحصار دولي، يتمثل في الإدرارة الأمريكية الجديدة، عقوبات على حزب الله، وذلك ضمن إطار الجهود الأمريكية الرامية للضغط على حزب الله وإيران.
وفي ظل إدارة ترامب غير الراضية عن الاتفاق النووي الإيراني، فإن أمريكا ترى في الخناق على حزب الله هو خناق على طهران، وبالتالي هي تضغط من أجل تعديل الاتفاق النووي مع إيران.
ومن جهة أخرى فإن إسرائيل باتت تلوح في أكثر من تصريح باحتمال شن هجوم عسكري على حزب الله ووقوع حرب، حيث كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن تقرير سري جرى إعداده من قبل مسؤولين سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية كانوا يعملون في دول أوروبية وغربية مختلفة، أن هناك مواجهة عسكرية محتملة قد تندلع بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني في وقت قريب، وأن المسألة ليست إلا مسألة وقت.
كل تلك الأزمات زادت من حدتها استقالة الحريري، ووضع حزب الله في مأزق سياسي داخلي، ربما لن يستطيع تجاوزه بشكل سريع، إلا إذا قام بعمل تحالفات داخلية مع قوى أخرى لبنانية وهذا مستبعد في ظل حالة الانقسام الداخلي بلبنان.
“بن سلمان” و “سعد الحريري”
لماذا الرياض وليس بيروت؟
رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، حاول تبرير إعلان استقالته من الرياض وليس من بيروت، بأنه كان يخشى على حياته في الفترة الأخيرة، ومن ثم فقد غادر البلاد، محاولا تشبيه الوضع الحالي في لبنان بالوضع السابق عام 2005، والذي اغتيل على إثره والده رفيق الحريري.
الحريري قال إنه رفض استخدام سلاح حزب الله ضد اللبنانيين والسوريين، مشيراً إلى أن “تدخل حزب الله تسبب لنا بمشكلات مع محيطنا العربي”، معربا في الوقت ذاته من الخشية من تعرضه للاغتيال، قائلا “لمست ما يحاك سراً لاستهداف حياتي”.
مراقبون شككوا في مسألة الخوف على حياته، وأكدوا أن السعودية هي من ضغطت على الحريري وهددته بقضايا مرفوعة ضده في المملكة، لإجباره على الاستقالة، غير أن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، نفى ما يشاع عن أن السعودية هددت رئيس الحكومة سعد الحريري بالقتل أو السجن إذا لم يتقدم باستقالته، مشيراً إلى أن “أساليب السعودية تختلف عن الأساليب الإرهابية لإيران” وفقا لقوله.
السبهان زعم أن السعودية لم تحرض الحريري على الاستقالة، لكنه أكد أن هناك تهديدات على حياة الحريري في لبنان ، وأن عودته للبنان أمر يخصه.
في المقابل أكد المراقبون أن استقالة الحريري من الرياض جاء مقصودا من المملكة، وليس أمرا عفويا، خصوصا وأن الاستقالة جاءت بعد ساعات من توجه الحريري في زيارة ثانية إلى السعودية.
وأرادت المملكة باستقالة الحريري من أراضيها، فتح ملف إزعاج لإيران وذراعها اللبناني حزب الله، للإشغال وللتفاوض، وليس للحسم، حيث إن لبنان تعد بالنسبة للسعودية أرض إشعال وإشغال لهذه الأطراف، وليست أرض حسم للصراع.
ميليشيا “حزب الله” في سوريا
ابتزاز وتصفية حسابات
وتتنوع القضية العالقة بين “إيران وحزب الله” من جهة ، وبين السعودية من جهة أخرى، بين “الملف السوري، والملف اليمني، وقطر”، حيث ترغب المملكة مؤخرا في تسوية الملف السوري بأي صورة من الصور، بينما لا ترغب إيران في إنهائه إلا بالشكل الذي يخرج الأسد منتصرا.
وكذلك الملف اليمني، تورطت فيه السعودية، في حرب ضروس مع الحوثيين الشيعة في اليمن، وباتت عاجزة عن حسمه، كما أن إيران رافضة للاستسلام فيه، ومصرة على استكمال الحرب لنهايتها.
الملف القطري ربما يكون أخفهم على الإطلاق، حيث ترغب “السعودية” في إبعاد طهران عن الدوحة، وعزلها سياسيا عنها، بحيث لا تجد أمامها سوى الدول الخليجية، التي ترغب في تركيعها، وهو ما لا ترغب إيران في حدوثه بالوقت الحالي.
لكل ما سبق، قررت السعودية أن يكون تفجير الأوضاع الداخلية في لبنان منطلقا من المملكة، لتصل رسالة لطهران بأن المملكة تملك أوراق قوى وضغط، تتمثل في توتير الأجواء اللبنانية أو التعويض عن الفشل السعودي في مواجهة لبنان في ساحات صراع أخرى.
كيف ردت إيران؟
بدوره وصف مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين شيخ الإسلام، استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري بأنها “جاءت بترتيب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان من أجل توتير الوضع في لبنان والمنطقة ومواجهة حزب الله”.
شيخ الإسلام أضاف قائلا “أتمنى لو أن الحريري تحلى بالحكمة التي تحلى بها والده، واحترم عزة الشعب اللبناني وحفظها بتقديم استقالته من لبنان وليس من دولة أخرى”.
واعتبر المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني في الشؤون الدولية حسين أمير عبداللهيان أن إعلان الحريري استقالته من السعودية “اجراء متسرع”، مشيراً إلى أن هذه الاستقالة “تصب في مصلحة الكيان الصهيوني”.
في المقابل سارعت الميليشيات الحوثية في اليمن بإطلاق صاروخ بالستي شمال شرق الرياض، جرى تدميره فوق العاصمة، وسقطت شظاياه في محيط منطقة المطار، وفقا لمسؤولين سعوديين، وهو الأمر الذي اعتبره مراقبون بمثابة رد إيراني سريع على استقالة الحريري.
” نتنياهو “
هل لبنان مقبلة على حرب؟
الواضح من خلال كلام الحريري أن التصعيد مقبل على لبنان، خصوصاً حين قال إن المشهد يشبه إلى حد بعيد مرحلة العام 2005، وما سبق اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فيما هناك من يشبه الوضع بفترة إصدار القرار 1559، وما حمله من تداعيات على الوضع اللبناني.
إذا ما وضع في الحسبان استقالة “الحريري” بالتوازي مع التصعيد السعودي، والتهديد الإسرائيلي والأمريكي، فإن كل ذلك يشير إلى أن السعودية وأمريكا وإسرائيل قد يوجهان ضربات إلى حزب الله في سوريا، ولبنان لإضعاف قوته وتحجيم نفوذه.
وبالإضافة لذلك فمن الممكن أن تستغل إسرائيل ما يحدث وتدخل على الخط من خلال شن حرب على لبنان، كالتي شنتها عام 2006، لكنها ستكون بمباركة سعودية هذه المرة، إن لم تكن بمشاركة حقيقية منها.
ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن استقالة الحريري تدفع لبنان مرة أخرى إلى خط المواجهة الإقليمية بين السعودية وإيران، ومن المرجح أن تؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية بين المسلمين السنة والشيعة.
فيما وضع وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان هذه الاستقالة في إطار حرب إسرائيل ضد حزب الله، قائلاً إن الجيش الإسرائيلي مستعد لمواجهة حلف إيران، وأن الحزب يسيطر بشكل كامل على لبنان واستقالة الحريري تثبت ذلك.
لا شيء أكيداً حتى الساعة، لكن الأكيد هو أن الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.
اضف تعليقا