العدسة – منذر العلي

ميدان جديد للمعركة الشرسة المتواصلة على مدار نحو 6 أشهر بين قطر والدول العربية التي تفرض عليها حصارًا مشددًا برًّا وبحرًا وجوًّا.

وخلال تلك المدة، وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت بالدوحة، إلا أنها استطاعت تسجيل “انتصارات” واضحة على دول الحصار، خاصة في الأزمات ذات البعد الدولي، والمرتبطة بمؤسسات دولية.

منظمة التجارة العالمية، يبدو أنها ستكون ميدان المعركة الجديدة، التي تطمح قطر أن تضيف من خلالها المزيد من النقاط لصالحها.

ساحة جديدة للصراع

أعلنت المنظمة، الأربعاء 22 نوفمبر الجاري، اعتزامها نظر النزاع القائم حول المقاطعة التي تفرضها دول الحصار على قطر.

وقال مسؤول تجاري: إن المنظمة ومقرها جنيف ستركز على شكوى قطر ضد القيود التجارية التي فرضتها السعودية والإمارات العربية المتحدة عليها.

مقر “منظمة التجارة العالمية”

وحاولت الإمارات وقف نظر منظمة التجارة العالمية لشكوى قطر على أساس أن الخطوات المتخذة ضد قطر قانونية في إطار قواعد منظمة التجارة العالمية لأنها تتعلق باعتبارات الأمن القومي لها.

ونجحت أبو ظبي فقط في الاستفادة بما تتيحه لوائح المنظمة برفض الشكوى المقدمة ضدها لمدة 60 يومًا، يحق بعدها للمنظمة إذا تبين لها جدية الشكوى أن تخصص لجنة للبت فيها.

وكانت الدوحة قد قدمت شكواها الأولى أول أغسطس الماضي، وبينما تقول قطر إن الحصار تسبب في خسائر كبيرة تعرض لها أفراد وشركات على نحو يخالف قواعد التجارة العالمية، تدفع الإمارات بأن إجراءاتها تتماشى مع المادة 21 والمادة 14 مكرر من “اتفاقية الجات” والمعروفة باسم “الاستثناءات الأمنية”.

ومنظمة التجارة العالمية أحد أضلاع المثلث الذي أنشأته الأمم المتحدة في ستينيات القرن الماضي لإدارة شؤون التجارة الدولية وحركة الأموال في العالم، حيث أنشأت الأمم المتحدة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والمنظمة.

وتعد المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الأمم، وتتعلق مهمتها الأساسية بضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية.

وتحول أية خلافات تجارية إلى آلية تسوية المنازعات في المنظمة، حيث يتم الاحتكام إلى الاتفاقيات والمعاهدات لضمان أن النظم والسياسات التجارية للدول تتوافق معها، ويكون الحل بالتوفيق بداية بين الطرفين المتنازعين، ومحاولة الوصول لنقطة اتفاق تصالحية، ويتم اللجوء بعدها إذا فشلت تلك الخطوة إلى لجنة قضائية تشكلها المنظمة للبت في النزاع.

الحصار يستبق وقطر توثّق

ولعلمها بأهمية تلك الخطوة وما قد تسفر عنه من عقوبات اقتصادية عليها، استبقت دول الحصار الشكوى القطرية ضدها، ببيان مشترك أحاطت به منظمة التجارة العالمية أول يوليو الماضي.

وأكدت الدول الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) أن “جميع الإجراءات التي تم اتخاذها تتفق مع الأنظمة الدولية التي تتيح قانونيًّا المجال للدول الأعضاء للتحرك ضد أي دولة تمس أمنها واستقرارها، وهو حق سيادي يتماشى مع المادة (21) من الاتفاقية العامة للتجارة في السلع”.

وزراء خارجية “دول الحصار”

وتشير المادة إلى أنه في حال الطوارئ في العلاقات الدولية فإن التزامات الاتفاقية تسمح للدول الأعضاء باتخاذ الخطوات التي تعتبرها ضرورية لحماية مصالحها وأمنها الوطني.

كما تكفل المادة (14) من اتفاقية الخدمات، والمادة (73) من اتفاقية الملكية الفكرية الموقع عليها من الدول الأعضاء جميع الحقوق السيادية للدول، لاتخاذ أي إجراء لحماية أمنها الوطني واستقرارها من الانتهاكات التي قد تتعرض لها، وفق البيان.

في المقابل، شكلت قطر في يوليو أيضًا لجنة لحصر وتلقي الشكاوى الخاصة بالأضرار الواقعة على الأفراد والشركات نتيجة الحصار.

” لجنة شكاوي الحصار “

واستقبلت غرفة تجارة وصناعة قطر خلال الأشهر الماضية العديد من الشركات القطرية والعربية والأجنبية التي لديها رخصة محلية، ورصدت شكاواهم في طلبات قدمتها للجنة التعويضات على 5 دفعات متتالية، بلغ عددها 296 شركة محلية وأجنبية.

كما وثقت اللجنة أكثر من 4 آلاف حالة متضررة، ما بين حالات اجتماعية، وطلاب، وملاك عقارات وأراضٍ، وأصحاب أسهم، واستثمارات بدول الحصار.

وسلمت اللجنة أكثر من 6 آلاف شكوى لمكاتب محاماة دولية، لبحث آليات التعامل معها من الناحية القانونية.

مكاسب سابقة في ميادين أخرى

ولعل أداء قطر في ملفات سابقة على علاقة بالمجتمع الدولي في إطار مواجهتها لدول الحصار، يعزز من ترجيح تحقيقها مكاسب أخرى في ساحة منظمة التجارة الدولية.

المنظمات الحقوقية التي جندتها دول حصار قطر، منيت بفشل ذريع في مساعيها لتشويه صورة الدوحة في المنابر الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وانتهت مهمتها بفضيحة مدوية، في أعقاب اختتام اجتماعات المجلس والتي استمرت من 11 إلى 30 سبتمبر الماضي.

تلك الفضيحة التي كشفها تحقيق أجرته “الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة” داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث أدان وجود “تعبئة وضغط سياسيين تمارسهما الإمارات عن طريق إغراق المجلس بمعلومات مضللة، والضغط على المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان، في انتهاك صارخ للقوانين المالية والتجارية السويسرية والأوروبية”.

الهيئة التي تتخذ من جنيف ونيويورك مقرين لها، أعلنت بحسب تقارير إعلامية، أنها تقدمت برفقة حقوقيين سويسريين بطلب إلى الشرطة السويسرية من أجل اعتقال كل من “سرحان الطاهر سعدي” المقيم في سويسرا والمنسق العام لجمعية محلية إماراتية متورطة في تقديم رشى وغسيل أموال تدعى “الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان”، إضافة إلى شخص آخر إماراتي الجنسية يدعى “أحمد ثاني الهاملي” يقف خلف ذات الجمعية بجانب منظمة أخرى تدعى “ترندز” للبحوث والاستشارات.

“سعدي” و “الهاملي”

كما تقدمت الهيئة للشرطة السويسرية بتقرير تفصيلي مدعم بالأدلة وإفادات الشهود حول قيام الأشخاص المتهمين بتوزيع رشى داخل الأراضي السويسرية، وداخل مقرات الأمم المتحدة إضافة إلى نقل أموال والعمل بصورة غير قانونية، وطالبت كذلك مجلس حقوق الإنسان بطرد جمعية إماراتية تتواجد دون أي صفة قانونية داخل أروقة المجلس، وترتكب مخالفات مالية وقانونية وتهربا ضريبيًّا.

الهيئة ذاتها اتهمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان برئاسة الحقوقي البارز “حافظ أبو سعدة”، بالتورط في مشاركة الإمارات في تسييس أعمال مجلس حقوق الإنسان، موضحة أن المنظمة المصرية سهلت عمل “الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان” خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان السادسة والثلاثين سبتمبر الماضي.

وطالبت الهيئة المستقلة بسحب الصفة الاستشارية للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بسبب تلقي رشاوى من الجمعية الإماراتية.

” حافظ أبو سعدة “

وفي السياق ذاته رفضت لجنة الاعتماد الدولية التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، الشكوى المقدمة من دول الحصار ضد اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر.

وأحبطت الدوحة مساعي مصر لانتزاع إدانة ضدها في مجلس الأمن الدولي، وتقدمت في أغسطس الماضي بشكوى إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، ضد مصر، اتهمتها فيها بـ”استغلال عضويتها داخل المجلس لتحقيق أغراض سياسية خاصة”، وتحديدًا رئاستها للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للمجلس.

الاجتماع الاستثنائي لـ “الإيكاو” بشأن قطر

وفي آخر يوليو الماضي، دعا مجلس المنظمة الدولية للطيران المدني “إيكاو” خلال جلسة استثنائية لمناقشة الحصار الجوي المفروض على قطر، جميع الدول الأعضاء للالتزام والامتثال باتفاقية “شيكاغو”، ومواصلة التعاون بخصوص سلامة وأمن الطيران وكفاءته واستدامة الطيران المدني الدولي.