العدسة – محمد العربي

فيما يشير إلي أنه توجها متصاعدا بمصر، تزايدت الدعوات الإعلامية والبرلمانية والنسائية، المطالبة بتطبيق التجربة التونسية للمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، حيث دعا أحد أبرز الإعلاميين المحسوبين علي النظام العسكري بإقرار تشريع قانوني يتيح المساواة في الميراث، مبررا دعوته بأنها بهدف الوصول لمنظومة قيم تقوم على العدل والمساواة والإنصاف.

“محمد الباز” الذي أطلق الدعوة استغل برنامج 90 دقيقة الذي يقددمه علي قناة المحور في الدفاع عن فكرته بأنها تطبيق لمبدأ المساوة الذي فرضه الله، مؤكدا أنه لا يبتغي منه سوى وجه الله والوطن ومصلحة الناس، معتبرا الشكل الذي عليه الميراث تدخلا من البشر لإحداث تمييز في العدل الذي شرعه الله.
دعوة الباز لقت استجابة من البرلماني محمد أبو حامد الذي أعلن دعمه للمقترح وغيره من المقترحات الرامية للمساواة بين الجنسين في كل شيء، مؤكدا أنه أفضل طريقة لتجديد الخطاب الديني.

تزامن مريب

الباز الذي ساق العديد من الأسئلة والأطروحات الجدلية، لقي كلامه ترحيبا كذلك من المنظمات النسوية العاملة بمصر، واللاتي طلبن بتكرار التجربة التونسية، بينما ساق علماء أزهريون عشرات الأدلة التي تؤكد أن فروض الميراث التي حددها الشرع لا تحمل ظلما ضد المرأة، ورغم أن الكرة لم تبرح مكانها حتي كتابة هذه السطور، إلا أن سيناريو ما حدث في تونس بات قريبا من الحدود المصرية، حيث صاحبت دعوة الباز وغيره حملة أخري تحمل بين طياتها دفاعا عن الشذوذ الجنسي والعلاقات المثلية، وهي الحملة التي ارتبطت بنشر الممثل خالد أبو النجا صورا خاصة به وهو عار وفي وضع مخل، صاحبتها تعلقيات له تدافع عن حقوق المثليين، وأن وصفهم بأنهم من أتباع قوم لوط، ظلم لهم لاختلاف الطبيعة بين الاثنين.

أبو النجا الذي احتل مساحة من إعلام القاهرة طيلة الأسبوعين الماضيين، بدا وكأنه بنشر صوره وحديثه عن حقوق المثليين أراد أن يستفز المنظمات النسوية والأخري المدافعة عن الحريات المطلقة بأن يتحركوا من أجل تكرار التجربة التونسية في قضيتين طالما كانتا من محرمات الإعلام والسياسة في مصر، وهما الميراث والشذوذ.

وبالعودة لما طرحه الباز في تنظيره التلفوزيوني فقد دعا بطرح مشروع قانونه المزعوم للنقاش بين أعضاء البرلمان والعلماء والمختصين في هذه الأمور، وبعدها إما أن يُقبل القانون أو لا يُقبل، مؤكدا انه لا يدعو لاقصاء الدين، مستدلا بمقولة الإمام مصطفى المراغي شيخ الأزهر السابق التي قال فيها “آتوني بما ينفع الناس، آتيكم عليه بدليل من القرآن”، وأكد الباز أن القرآن حمّال أوجه كما قال الإمام علي بن أبي طالب، ولكن علماء الدين يركنون للراحة، ويتركون قضية تجديد الخطاب الديني.

تعطيل القرآن

وطبقا لدعاة المساواة في الميراث فإنهم يرون أن المادة الثانية من الدستور المصري ستكون عائقا أمام تمرير هذه الاقتراحات خاصة وأن المادة تنص على أن مبادئ الشريعية الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وهو ما يعني أن موضوع الميراث سيكون محل نقاش مع علماء الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، والمعروفة مواقفهم سلفا، وهو ما يتطلب كما دعا النائب المثير للجدل محمد أبو حامد، لاتخاذها فرصة لدفع المؤسسة الدينية لتجديد الخطاب الديني، مشيرا إلي أن وضع المرأة الآن مختلف عن وضعها أيام الرسول.
وأضاف أبو حامد في تصريحات صحفية متعددة أنه لا يعترض على آيات الميراث أو حكمها، وإنما يطالب فقط بتعطيلها.

وما لفت الأنظار أن المنظمات النسوية الرسمية وغير الرسمية استغلت هذه القضية لإحياء دعواتها القديمة بمساواة المرأة بالرجل في كل شيء، مؤكدين أن ما قامت به نساء تونس، كانت أحق به نساء مصر، سواء في مراجعة القوانين الخاصة بها فى الميراث أو زواج المسلمة من غير المسلم أو ما يعرف بالزواج المدني، ومنحها حق تطليق نفسها.

وبررت 25 منظمة وجمعية نسوية مصرية دعمها لما جري في تونس واعتباره انتصارا للمرأة العربية بأن سيدات مصر حالياً يتحملن مسؤولية إدارة الأسرة، وبالتالى أن تناصف المرأة الرجل فى الميراث فهذا حقها، لأن أغلب المصريات تعول أسراً، ويكون لديهن إرث وهن محرومات منه، وقرارات تونس هى رسالة تمكين للمرأة من حقوقها وتحقيق للمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث.

أين المشكلة

وطبقا لتصريحات نقلتها صحف مصرية عن هدي بدران رئيس الاتحاد المصري للجميعات المدافعة عن المرأة فإن الظروف في مصر الآن تدعو للمساواة، وجميع القوانين فى الخارج تسمح بالمساواة بين النساء والرجال، وهناك دعوات فى مصر للدكتورة آمنة نصير الاستاذ بجامعة الازهر لحصول المرأة على نصف ميراثها أو نصف ثروة زوجها عقب الطلاق، وهذا يعنى أن ذلك يتوافق مع الشريعة الإسلامية، لأن المرأة تشارك فى المسؤولية المالية، ومثال ذلك أن ثلث الأسر المصرية تعولها نساء، طبقا لقولها.
وفيما يتعلق بزواج المسلمة من غير مسلم زعمت بدران أنه ليس هناك إشكالية مادامت تقيم فى الخارج، وهناك الكثير من السيدات اللاتى تزوجت الواحدة منهن من غير مسلم، واستطعن تربية أبنائهن على دين الإسلام، لأن تأثير الأم على الأطفال دينياً أشد من الأب فى فترة الطفولة، والكثير من أزواجهن أشهروا إسلامهم، لاقتناعهم بدين زوجاتهم بعد ذلك، فى حين أن زواج الرجل بغير المسلمة يجعل الأبناء يتأثرون بدين الأم أكثر.

جنوح فكري

من جانبه أكد الأزهر الشريف رفضه للقانون التونسي، وأكد أن مثل هذه الأفكار تمثل جنوحا فكريا، وعدد الأزهر ما تتمتع به المرأة من مميزات في الميراث، وأنها تحوز في 33 حالة علي أنصبة إما مثل الرجل أو أكثر منه أو لا يحوز هو عليها.

وطبقا لمحليين رصدوا تعامل الأزهر مع موضوع الميراث في تونس، فإن الأزهر لم يتعامل بنفس الحدة التي وجهها للرئيس التونسي في دعوته أكتوبر الماضي، بتنقية القوانين التي تقف ضد مساواة المرأة بالرجل ومنها الميراث، والذي أعتبر شيخ الأزهر وقتها أن واجبه الشرعي والفكري يجعله يرفض ما ذهب إليه الرئيس التونسي، إلا أن نفس الحدة اختفت مع القضية عندما أخذت شكلا رسميا قبل أيام بإقرار البرلمان التونسي التشريع الخاص بالميراث بالفعل، وهو ما اعتبره المتابعون بأنه تغيرا في موقف الأزهر الذي تعامل مع الحدث بشكل فردي من خلال تعليقات علماءه علي عكس المرة الأولي التي أصدر فيها مجمع البحوث بيانا رسميا ضد دعوة السيسي، وكذلك تصريحات الشيخ الطيب ووكيله عباس شومان، مرجعين ذلك لضغوط رسمية تمت ممارستها علي المشيخة وشيخها بعد إحراج الرئيس التونسي في المرة الأولي.

وفي محاولة منه لغلق الباب من البداية أكد شيخ الأزهر أن الحالة المصرية ليست كالتونسية، منتقدا صمت هئيات الإفتاء العربية والعالمية تجاه الدعوات التونسية، مؤكدا في تصريحات أخري أن “النصوصَ الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد الصادر من أهل الاختصاص الدقيق في علوم الشريعة، ومنها ما لا يقبل، والنصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معًا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم، والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة”.

لمن الكلمة؟!

ويري محللون أن دعوات المساواة التي تطلقها المنظمات النسوية وداعميها من الإعلاميين والسياسيين، ستجد صدي لدي وسائل الإعلام الهادفة لعلمنة المجتمع المصري، كما أنها ستكون فرصة للضغط علي الأزهر الشريف من أجل الانصياع لمطالب رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي الخاصة بتجديد الخطاب الديني مع كل مناسبة، وهو ما سيكون فرصة كذلك للضغط علي شيخ الأزهر نفسه الذي يشعر بشيء من العزلة الرسمية مقابل إفساح المجال لوزير الأوقاف الذي يراه السيسي أكثر تنورا من الشيخ الطيب.

وطبقا لنفس المحللين فإن الأزهر ربما يستعد هو الأخر لهذه المواجهة خاصة وأن كلمته ستكون مسموعة ومحل نظر طبقا لنصوص الدستور، وكذلك للمكانة التي مازال يتمتع بها بين المصريين، وهو ما يشير إلي أن الحرب القادمة إما أن تزيد من مكانة الأزهر وإما أن تكون سببا في تغيير دستوري وقانوني يقلم أظافر علماءه وينزع الهيبة عن عمائمهم.