أحمد حسين
محاولات حثيثة تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية لاستمالة قيادات الجيش الفنزويلي للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو الذي يواجه نظامه أزمة كبيرة، بعد تنصيب زعيم المعارضة نفسه رئيسا للبلاد، وحصوله على دعم غربي غير مسبوق.
التكتم الأمريكي على تلك المحاولات، التي يعلن عن بعضها ربما بشكل مقصود، يعيد إلى الأذهان تواطؤ واشنطن وجهاز الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في دعم وتحريض مؤامرات عسكرية على نظام الحكم في مشارق الأرض ومغاربها.
فهل تنجح إدارة الرئيس دونالد ترامب في شراء ولاءات قيادية بالجيش الفنزويلي تمهيدا للإطاحة به؟
انشقاقات متوقعة
مسؤول كبير بالبيت الأبيض كشف أن الولايات المتحدة تجري اتصالات مباشرة مع أفراد في جيش فنزويلا وتحثهم على التخلي عن مادورو.
وبحسب مقابلة “رويترز” مع المسؤول في إدارة ترامب، فإن الإدارة تتوقع المزيد من الانشقاقات في صفوف الجيش الفنزويلي، إلا أن عددا قليلا من كبار الضباط أقدم على هذه الخطوة منذ إعلان زعيم المعارضة “خوان غوايدو” نفسه رئيسا مؤقتا الشهر الماضي.
وقال المسؤول: “ما زلنا نجري محادثات مع أفراد في نظام مادورو السابق وأفراد في الجيش لكن هذه المحادثات محدودة للغاية”.
ولم يفصح المسؤول الأمريكي عن تفاصيل تلك المحادثات أو مستويات القادة الذين تجري معهم، لكنه عوّل على أن تُحدث شقوقا في دعم الجيش للزعيم الاشتراكي، لتسقط ورقة القوة الوحيدة في يديه للسيطرة على مقاليد السلطة.
(الجيش الفنزويلي أعلن ولاءه لمادورو)
توازيا مع تلك التحركات الأمريكية يحاول “غوايدو” التقرب إلى أفراد الجيش بوعود بالعفو والمعاملة القانونية الخاصة إذا تنصلوا من مادورو، كما دعمته واشنطن بوعود رفع العقوبات على ضباط كبار في جيش فنزويلا في حالة اعترافهم بغوايدو.
لكن مادورو ما زال يحظى بدعم القيادة العليا للجيش ويظهر حاليا بشكل روتيني في احتفالات مسجلة داخل قواعد عسكرية ووراءه ضباط يرددون شعارات مثل “أنصار على الدوام.. لا خونة”.
واعترفت الولايات المتحدة وعشرات الدول بغوايدو رئيسا لفنزويلا، وانضمت دول أوروبية كبرى للولايات المتحدة في دعم غوايدو لكنها أحجمت عن العقوبات النفطية والإجراءات المالية واسعة النطاق التي فرضتها واشنطن.
ويتضح أن واشنطن تملك كل الأدوات للضغط على مادورو ومعاونيه للقبول بما تسميه “انتقالا ديمقراطيا شرعيا” وإجباره على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
أخطبوط الانقلابات الأمريكي
ولعل الحديث عن الدور الأمريكي المرتقب في دعم انقلاب عسكري على مادورو، يعيد إلى الأذهان ذاكرة مليئة بتدخلات مماثلة، دفعت خلالها جيوش دول عدة إلى الانقلاب على حكامها، سواء كانوا ديمقراطيين أو ديكتاتوريين.
المحاولة الأحدث تاريخيا مُنيت بالفشل الذريع، وتورطت خلالها أمريكا بدعم بعض قيادات الجيش التركي للانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان صيف 2016.
ويُنسب إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية الدموية، خاصة في أمريكا الوسطى والجنوبية وغربي أفريقيا والشرق الأوسط والأدنى.
من أبرز تلك العمليات التي اعترفت الـ”CIA” نفسها بتدبيرها، الانقلاب الذي وقع في إيران عام 1953 وأطاح برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا آنذاك “محمد مصدق”، بعد أن أمم شركات النفط.
ونُشرت هذه الوثائق في أرشيف الأمن القومي، وهو معهد بحثي غير حكومي ومقره جامعة جورج واشنطن، وذلك في عام 2013 بالتزامن مع الذكرى الستين للانقلاب.
(أمريكا اعترفت بتدبير الانقلاب على مصدق)
وأشارت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، عام 2000، بصراحة، إلى الدور الأمريكي في الانقلاب، كما أشار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلى ذلك الدور في خطاب له بالقاهرة عام 2009.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي تقر فيها وكالة الاستخبارات المركزية بنفسها، بالدور الذي لعبته في هذه الحالة بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية (MI6).
في أفريقيا استولى الجنرال “موبوتو سيسيكو” رئيس هيئة أركان الجيش الكونغولي على السلطة عام 1961 بدعم أمريكي وبلجيكي في انقلاب عسكري متكامل الأركان.
وألقت القوات التابعة لسيسيكو القبض على الرئيس الشرعي المنتخب حديثا “باتريس لومومبا” في حضور قوات الأمم المتحدة التي استدعاها الأخير لمواجهة النزعات الانفصالية في البلاد، وأُعدم بعد ساعات من القبض عليه رفقة 2 من مساعديه.
(باتريس لومومبا.. الرئيس المغدور)
ووفقا لما يعرف بتقرير لجنة تشيرش عام 1975 داخل الكونجرس الأمريكي للإشراف على الإجراءات السرية التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فإن الوكالة ظلت تمول وتشجع المعارضين الكونغوليين الذين أبدوا رغبتهم في اغتيال لومومبا.
وفي أمريكا اللاتينية دبرت الـ”CIA” الإطاحة بالرئيس البرازيلي الشيوعي “جواو غولارت”، في انقلاب عسكري عام 1963.
واعترفت الاستخبارات الأمريكية بأنها مولت التظاهرات في شوارع البرازيل ضد الحكومة، وأنها قدمت الوقود والأسلحة للجيش البرازيلي؛ كي يتمكن من حسم المعركة، ثم تولى “برانكو” زمام حكم البرازيل حتى عام 1985.
(غولارت بصحبة الرئيس الأمريكي جون كينيدي)
حينها قال الرئيس الأمريكي “ليندون جونسون”، لمستشاريه الذين كانوا يخططون للانقلاب: “أعتقد أننا يجب أن نتخذ كل خطوة ممكنة، وأن نكون مستعدين للقيام بكل ما يتعين علينا القيام به”، وذلك وفق سجلات الحكومة الأمريكية، من أرشيف الأمن القومي، التي رُفعت عنها السرية في 17 أبريل 2015.
وفي الأرجنتين، دعمت الاستخبارات الأمريكية انقلابا عسكريا، أدى إلى إبادة جماعية في 24 مارس 1976، عندما استولى الجيش بقيادة الجنرال جورج رافائيل فيديلا، على السلطة، بعد إطاحتهم بالرئيس الأرجنتيني إيزابيل بيرون.
(حمام دم مولته أمريكا في الأرجنتين بالحرب القذرة)
استمر هذا الانقلاب حتى 1983، متسببا في مقتل نحو 30 ألف شخص، وزُجّ خلاله بالآلاف في السجون دون محاكمات، وتعرضوا للتعذيب.
وعُرفت هذه الفترة باسم “الحرب القذرة”، وقد كشف الأرشيف القومي في عام 2016، عن الدور الذي لعبته الاستخبارات الأمريكية فيها.
اضف تعليقا