العدسة_ بسام الظاهر
يبدو أن لغة المصالح هي التي تتحكم في مواقف الدول الكبرى من أزمة الحصار المفروض على قطر منذ يونيو الماضي، خاصة مع تحركات سعودية لشراء صفقات أسلحة لعدم اتخاذ موقف دولي رافض للحصار.
وتخشى السعودية من تزايد الانتقادات الرسمية الدولية للحصار المفروض على الدوحة، وربما الأفضل لها اتخاذ الحكومات الغربية موقفًا – على الأقل – محايدًا تجاه الأزمة.
وتحاول المملكة إطالة أمد الأزمة من أجل تحقيق مزيد من الضغط على قطر لتحقيق قائمة المطالب الـ 13، ولكن لضمان ذلك لا بد من تفكيك أي محاولات غربية لرفع الحصار عن طريق صفقات أسلحة واستثمارات.
وكانت بريطانيا أحدث حلقات التحرك السعودي لتحييدها تمامًا عن الأزمة القطرية، ووقف الانتقادات الداخلية والبرلمانية هناك للرباعي العربي.
صفقة طائرات
وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون كشف عن وجود صفقة طائرات “تايفون” مع السعودية، ولكن الانتقادات من قبل البرلمان تعرقلها.
ودعا فالون، خلال اجتماع لجنة الدفاع بمجلس العموم، نواب البرلمان إلى وقف توجيه الانتقادات السعودية من أجل تأمين صفقة بيع الطائرات.
وقال: “يجب أن أكرر – بكل أسف – أنه من الواضح أن توجيه الانتقادات للسعودية في هذا البرلمان ليس مفيدًا … وسأترك الموضوع هنا، ولكن علينا أن نبذل كل ما في وسعنا لتشجيع السعودية على الشراء”.
السعودية سعت في خضم الأزمة مع قطر إلى استمالة بريطانيا من خلال هذه الصفقة، لعدم المطالبة برفع الحصار عن الدوحة، وبالفعل تراجعت تلك الدعوات التي خرجت بشكل قوي في يونيو الماضي.
“محمد بن سلمان” و “وزير الدفاع البريطاني”
ودعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى رفع الحظر المفروض على قطر، وتخفيف التوترات الحالية في منطقة الخليج؛ لأجل الحفاظ على استقرار المنطقة.
وقال جونسون: إن الحظر والقيود المفروضة على قطر تؤثر على حياة الناس.
ولكن بدا أن هناك توجهًا بريطانيًّا لاتخاذ موقف محايد من الأزمة؛ لوجود مصالح مع السعودية، أو على الأقل عدم إغضاب المملكة.
ودخل ولي العهد محمد بن سلمان لمحاولة امتصاص الانتقادات البريطانية، بتوقيع اتفاقية للتعاون في المجالات العسكرية مع نظيره البريطاني الذي زار المملكة في سبتمبر الماضي.
وفي الاجتماع المشار إليه، بحث الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة آليات التنسيق المشترك في المجال الدفاعي، إلى جانب بحث تطورات الأوضاع في المنطقة، والجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب.
ويبدو أن الحديث عن صفقة الطائرات تم خلال هذه الزيارة والمناقشات التي دارت بين الطرفين.
واعتبر المتحدث باسم حملة مكافحة تجارة الأسلحة، أندرو سميث، تصريحات فالون مشينة، وتدعو أعضاء البرلمان إلى الانضمام إليه في وضع مبيعات الأسلحة قبل حقوق الإنسان والديمقراطية والقانون الإنساني الدولي.
وأضاف سميث: إن السعودية قد تسببت في كارثة إنسانية فظيعة باليمن، مؤكدًا أن على الوزير أن يبذل كل ما بوسعه لوقف إراقة الدماء، وإنهاء تواطؤ بريطانيا في هذه المعاناة.
ابتزاز بريطاني
التحرك السعودي للحصول على صفقة طائرات “تايفون” جاء كنوع من رد الفعل على محاولات قطر شراء هذا النوع من الطائرات.
وقبل توقيع محمد بن سلمان اتفاقية للتعاون العسكري مع بريطانيا بيوم واحد فقط، فإن الدوحة، عبر وزير الدفاع القطري، وقَّعت خطاب نوايا لشراء 24 طائرة حربية من طراز تايفون من شركة “بي إيه إي سيستمز” العسكرية البريطانية.
“وزير الدفاع القطري” مع “وزير الدفاع البريطاني”
وقالت وكالة الأنباء القطرية حينها: “يتضمن خطاب النوايا شراء 24 طائرة حديثة من طراز تايفون بكل عتادها، والاتفاقية وُقّعت من جانب وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية، ونظيره البريطاني مايكل فالون”.
وبدا واضحًا أن بريطانيا أو – بالأحرى – الحكومة البريطانية تسعى لاستغلال الأزمة القطرية في ابتزاز كل الأطراف لعقد صفقات أسلحة تنعش خزينتها، خاصة وأن هذا النوع من الطائرات تراجع الطلب عليه هذا العام مقارنة بطائرات رافال الفرنسية التي كانت مجمدة لفترة طويلة ولا يتم شراؤها.
وهنا فإن بريطانيا ترغب في تنشيط بيع هذا النوع من الطائرات لطرفي الأزمة الخليجية؛ لتحقيق أكبر من الاستفادة بغض النظر عن الأوضاع الكارثية المترتبة على الحصار المفروض على الدوحة منذ 5 أشهر تقريبًا.
السعودية تحاول التحرك في كل الاتجاهات ولدى كل الأطراف الدولية؛ لمواجهة تصاعد النفوذ القطري، والتقارب مع تلك الأطراف، فزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا أخيرًا تعكس هذا الأمر.
قطر من جانبها بدأت في التقارب الكبير مع روسيا منذ بداية الأزمة في يونيو الماضي، وكانت البداية مع زيارة وزير الدفاع خالد العطية إلى موسكو مرتين؛ الأولى في يونيو، والثانية في أغسطس؛ لبحث العلاقات الثنائية والأزمات في المنطقة.
وما كان من السعودية إلا محاولة التحرك في هذا الإطار لمعادلة الكفة لدى روسيا، ومنع انحياز موسكو لصف الدوحة في الأزمة، وهو تحرك سعودي معتاد منذ بداية الحصار على قطر.
” زيارة وفد البرلمان البريطاني في قطر لمعرفة آثار الحصار “
تقرير بريطاني
ولكن السؤال هل تحرك وزير الدفاع البريطاني جاء بتنسيق مع السعودي؟ لا يمكن القطع بالإجابة بـ “نعم”، خاصة مع عدم وجود معلومات واضحة حيال الأمر، ولكنه يظل أمرًا غير مستبعد.
ولكن هناك مؤشرات قد تدفع بهذا الاتجاه، منها: تخوف السعودية من تقرير بريطاني سيصدر قريبًا حول آثار الحصار المفروض على قطر، ومن ثم فمن الوارد أن المملكة بدأت تتدخل لعدم إصدار هذا التقرير، خاصة وأنه سيكون ضربة قوية لها دوليًّا؛ لأنه سيكون صادرًا عن البرلمان البريطاني.
أو على الأقل تسعى السعودية لعدم وجود تأثيرات لهذا التقرير – الذي سيخرج لإدانة الحصار الخليجي على قطر – على المستوى الحكومي بأي خطوات في سبيل تنفيذ توصيات هذا التقرير.
في أواخر الشهر الماضي، طالبت لجنة التحقيق البرلمانية البريطانية برفع الحصار عن الدوحة فورًا؛ لأنه غير قانوني، ويخالف المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية كافة.
وقال رئيس اللجنة البريطانية النائب غراهام مورس: إن جميع الحالات التي تأثر أصحابها وتضرروا من الحصار ثابتة بالأدلة والبراهين، وسيُعدُّ تقريرًا عن زيارة اللجنة إلى قطر وينشره بعد نحو شهر.
والتقى الوفد ممثلين عن ضحايا الحصار والمتضررين في جوانب مختلفة من قضايا حقوق الإنسان، وخاصة العائلات التي تشتت شملها، والطلاب الذين حرموا من إتمام دراستهم، والمواطنين الذين حرموا من تأدية فريضة الحج، بالإضافة إلى مختلف القطاعات الاقتصادية التي تضررت من الحصار.
وقال مورس: إن الوفد استمع لشهادات عديدة من المتضررين من الحصار في قطر، وإن الأمر غير واضح بما يكفي لدى الغرب.
اضف تعليقا